تبرز شركة “هواوى” كالضحية الأكبر للصراع الأمريكى الصينى، بدءاً من إلقاء القبض على المديرة المالية للشركة وابنة مؤسسها، مينج وانتشو، والآن يستهدفها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بشكل مباشر للضغط على بكين، ولكن تداخلها مع الشركات الأمريكية وإنجازاتها فى مجال الجيل الخامس تجعل من استهدافها خطراً على القطاع التكنولوجى العالمى بأكلمه.
ما الحظر وهل فترة السماح التى منحتها حكومة ترامب ذات فائدة؟
منعت وزارة التجارة الأمريكية، شركة “هواوى” من شراء بضائع أمريكية الأسبوع الماضى قائلة إن الشركة متورطة فى أنشطة مخالفة للأمن القومى.
وذكرت وكالة أنباء “رويترز” أن هذه الخطوة جاءت وسط تصاعد النزاع على الممارسات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وقام البلدان بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من السلع الأخرى خلال الأسبوعين الماضيين بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الصين قد تخلت عن الالتزامات السابقة التى تم التعهد بها خلال شهور من المفاوضات.
ولكن منحت وزارة التجارة الأمريكية شركة “هواوى” فترة سماح لشراء بضائع أمريكية لمدة 3 أشهر تنتهى يوم 19 أغسطس المقبل للحفاظ على شبكات الاتصالات الحالية وتوفير تحديثات البرامج لهواتف “هواوى” الذكية.
وأوضحت الوزارة الأمريكية أن الشركة الصينية لا تزال ممنوعة من شراء أجهزة وبرمجيات أمريكية الصنع لتصنيع منتجات جديدة دون المزيد من التراخيص التى يصعب الحصول عليها.
وقال وزير التجارة الأمريكى ويلبر روس، يوم الإثنين الماضى إن الغرض من التخفيف المؤقت للقيود التجارية المفروضة على الشركة هو منح مشغلى الاتصالات الذين يعتمدون على معدات “هواوى” الوقت لإجراء ترتيبات أخرى.
ومن جانبه صرح مؤسس شركة “هواوى” رين شينجفى، فى سلسلة من المقابلات مع وسائل الإعلام الحكومية الصينية، أن فترة السماح ليس لها معنى لأنها مجرد إرجاء تنفيذ، موضحاً أن الشركة كانت تستعد لمثل هذا السيناريو.
وأضاف رين، فى تصريح نشرته هيئة الإذاعة الصينية، إن تصرفات الحكومة الأمريكية فى الوقت الحالى تقلل من قدرات الشركة.
وأعلنت وزارة التجارة، أنها ستدرس عملية تمديد فترة الترخيص بعد انتهاء الـ90 يومًا.
وأوضحت “رويترز” أن وزارة التجارة الأمريكية، وضعت “هواوى” و68 كيانًا على قائمة سوداء للتصدير مما يجعل من المستحيل تقريبًا بالنسبة لأولئك المدرج أسماؤهم شراء البضائع المصنوعة فى الولايات المتحدة.
وتوفر فترة السماح الأمريكية لشركة “هواوى” المشاركة فى تطوير معايير شبكات اتصالات من الجيل الخامس.
وأكدّ رين، على أن القيود لن تؤذى آفاق “هواوى” وأن أى شركة أخرى لن تكون قادرة على اللحاق بركب “هواوى” فى تقنية الجيل الخامس خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة على الرغم من أن الصين لا تزال متخلفة عن الولايات المتحدة فى التكنولوجيا.
كيف يؤثر الحظر على خطط الهاتف المحمول لـ”هواوى”؟
قدمت “هواوى” عرضاً العام الماضى لصانعى التطبيقات: “اصنعوا سوفت وير لمتجر تطبيقات لهواوى خارج الصين وسوف نساعدكم على دخول الدولة الأكثر كثافة بالسكان”.
وقالت أكبر شركة تكنولوجية فى الصين لشركائها المحتملين إنه بنهاية 2018، سيكون هناك 50 مليون أوروبى يستخدمون متجر تطبيقاتها بدلاً من متجر “جوجل”، وفقاً لوثائق أطلعت عليها وكالة أنباء “بلومبرج”، وكذلك تحدثت “جوجل” مع مقدمي خدمات الإنترنت اللاسكى بشأن نشر التطبيق الجديد أكثر، وفقاً لمصادر.
وتسلط خطط متجر التطبيقات، التى لم يعلن عنها سابقاً، كيف أن أوروبا هامة بالنسبة لهواوى، وبعد أن تم حظر الشركة عن سوق الهواتف الأمريكية، تتعرض خططها للسوق الأوروبى للخطر أيضاً بعدما اكتسبت بصعوبة لقب ثانى أكبر صانع هواتف ذكية فى العالم.
وأجبر الحظر الذى فرضه ترامب يوم الجمعة الماضية شركة “جوجل” على سحب معظم نظامها التشغيلى “أندرويد” وخدمات الهاتف من أجهزة “هواوى” المستقبلية، وسوف تظل “جوجل” قادرة على تقديم بعض التحديثات الأمنية الرئيسية لأندرويد خلال فترة سماح لمدة 90 يوماً منحتها حكومة ترامب لبعض القيود على الصادرات.
وقالت شركة “جوجل”، إن ملاك هواتف “هواوى” الحاليين سيتمكنون من الدخول لخدمات “جوجل” ومتجر تطبيقاته، ولكن أى هاتف سيباع بعد الحظر لن يتمتع بتلك الخاصيات.
وبدون مشاركة “جوجل”، فإن خطط متجر تطبيقات “هواوى” لديها مستقبل قاتم لأن الشركة الصينية تواصل الاعتماد على “أندرويد” فى تشغيل هواتفها حول العالم، وتعتمد على تطبيقات “جوجل” الأكثر شعبية لجذب مشترى الهواتف المحمولة، وكذلك، يعد حظر ترامب صفعة لمحرك البحث الأمريكى العملاق، الذى يعتمد على صناع الهواتف أمثال “هواوى” لوضع خدماته المربحة فى أيدى المستهلكين.
وعلاوة على ذلك، سيكون من الصعب على “هواوى” مجاراة منافسيها مثل “سامسونج إلكترونيكس”، و”آبل إنك”، وتحتفظ “سامسونج” بدخول كامل لمتجر “بلاى ستور” وخدمات “جوجل” الأخرى، بينما بنت “آبل” متجر تطبيقات ناجح خاص بها على مدار العقد الماضى.
وقال تشيتان شارما، مستشار فى مجال اللاسلكيات، إنه إذا لم تعكس الولايات المتحدة موقفها، فلا يوجد الكثير أمام “هواوى” لفعله لإنقاذ أعمال هواتفها المحمولة خارج الصين، موضحاً أن السوق متشبع للغاية وأى محاولة لاستبدال “جوجل بلاى” مستحيلة تقريباً فى أوروبا.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن توظف الصين نسخة مفتوحة المصدر لأندرويد، والتى تستخدمها فى الصين، ولكن لا تحتوى على خدمات جوجل باستثناء “جى ميل” وبعض الخدمات الأضعف التى لا يتحكم فيها عملاق البحث، وبالتالى ستتمكن من بكين من إدارة التحديثات الأمنية وجمع معلومات المستهلكين التى تجعل الخدمات مفيدة وتعزز الإعلانات.
أو يمكن أن تستخدم “هواوى” السوفت وير الخاص بها، وكان رئيس الهواتف المحمولة فى الشركة، ريتشارد يو، قد صرح العام الماضى أن الشركة تعمل على نظامها التشغيلى، وقال مدير تنفيذى آخر بالشركة لصحيفة “فاينانشال تايمز” أول أمس إن الشركة جربت استخدام السوفت وير في أجزاء من الصين ويمكن أن ينطلق بسرعة كبيرة.
ما تأثير الحظر على قطاع التكنولوجيا العالمى؟
يهدد الحظر الأمريكى لشركة “هواوى” بخنق الانتعاشة الوليدة فى الطلب على أشباه الموصلات، التى تعد محركاً رئيسياً للنمو فى دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية.
وتهيمن الصين على المشتريات من مصدرى أشباه الموصلات الآسيوين واشترت 51% من صادراتهم فى 2018، وفقاً لتحليل للاقتصاديين، جين ووك كيم وجوانا تشو من “سيتى جروب”.
واشترت الصين وهونج كونج 69% من شحنات الرقاقات من كوريا الجنوبية، و56% من تايوان، و51% من فييتنام، و43% من اليابان، و39% من ماليزيا، وفقا لـ”سيتى جروب”.
ولكن تعثر بحدة مؤشر “سيتى لأشباه الموصلات فى آسيا” خلال شهر مايو بعدما أظهر علامات على التعافى منذ يناير، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا تزايدت التوترات التجارية.
وظهرت الدلائل على ضعف الطلب فى البيانات المنشورة أمس الثلاثاء، فقد تراجعت صادرات كوريا الجنوبية فى أول 20 يوماً من الشهر الجارى بنسبة 11.7% على أساس سنوى، ما يشير إلى سادس تراجع شهرى على التوالى، يقوده انخفاض أسعار أشباه الموصلات وتراجع الصادرات إلى الصين.
وقال تينج ما، اقتصادي بمجموعة “دى بى إس” القابضة، إن الحروب التجارية تضر بالطلب فى الولايات المتحدة والصين، وسوف يشعر صناع الإلكترونيات الآسيويين بألم كبير، ولكن أشار “سيتى جروب” أنه إذا اشترت الصين المزيد من الرقاقات من كوريا الجنوبية بدلاً من أمريكا، فسوف يقلص ذلك التأثيرات السلبية فى آسيا.
وفى أمريكا، أخبرت شركات صناعة رقاقات مثل “إنتل كورب”، و”كوالكوم إنك” و”زيلينكس”، و”برودكوم”، موظفيهم بأنهم لن يوردوا منتجاتهم لـ”هواوى” حتى إشعار آخر، وفقاً لمصادر اطلعت على الأمر.
وقالت “بلومبرج” إن حظر بيع المكونات الدقيقة إلى “هواوى” يهدد أعمال عمالقة صناع الرقاقات الأمريكيين مثل “ميكرون تكنولوجى”، ويعوق انتشار شبكات الجيل الخامس عالمياً، بما فى ذلك الصين، وهو ما يمكن أن يضر الشركات الأمريكية التى تعتمد على ثانى أكبر اقتصاد فى العالم لتنمو.
ويخضع صناع الرقاقات وغيرهم من الشركات للضغوط لأنهم سيخسرون إيرادات إذا توقفوا عن التعامل مع “هواوى” كعميل، ولكن القطاع مهدد بالمعاناة من أمر أكثر جوهرية وهو اعتماد “هواوى” على مكونات أمريكية كثيرة فى معدات الجيل الخامس التى تصنعها، وبالتالى أى نقص فى هذه المكونات التى تجعل الجيل الخامس منخفض التكلفة وسهل الانتشار سوف يبطئ تبنى هذه التكنولوجيا.
وقال محللون إن حوالى 16% من إنفاق “هواوى” على المكونات فى العام الماضى ذهب إلى شركات أمريكية منها “كوالكوم” و”إنتل” و”ميكرون تكنولوجى”.
وقالت مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، فى تقرير لها إن الشركات الأمريكية قد تخسر ما يصل إلى 56.3 مليار دولار من مبيعات التصدير على مدار خمس سنوات بسبب ضوابط التصدير الصارمة على التقنيات التى تشمل شركات مثل “هواوى” أو غير ذلك من الشركات الأخرى وتهدد ما يصل إلى 74 ألف وظيفة.
ودعا جون نيوفر، رئيس جمعية مصنعى أشباه الموصلات، التى تضم صانعى الرقائق والمصممين الأميركيين الحكومة إلى تخفيف قيود “هواوى” بشكل أكبر.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا