أخبار

تضخم وركود وساحل شمالي.. ماذا يحدث في بلد الـ100 مليون نسمة؟

موديز، التصنيف الائتماني لمصر، العملات الأجنبية، الدولار

كتب: عبد الرحمن رشوان

يعصف التضخم بالعالم وفي عين العاصفة الدول النامية ذات الموارد المحدودة ومن بينها مصر، إذ تضاعفت معدلات التضخم أو الغلاء بلغة البسطاء خلال العام الأخير متخطية الـ13% وفق الإحصاءات الرسمية التي تعتمد بالطبع على حزم محددة سلفا من السلع والخدمات.

التضخم الذي تحسبه الجهات الرسمية هو عادة متوسط معدل ارتفاع أسعار مجموعة من السلع والخدمات في بلد معين وفي فترة محددة لكن هذه النسبة قد تختلف حسب عادات الاستهلاك الشخصي.

تستورد مصر ثلث تضخمها من الخارج، وفق تصريحات رئيس الحكومة، إذ تعتمد على كميات ضخمة من الواردات لا تضاهيها صادراتها رغم أنها تشهد نموا في السنوات الأخيرة.

فاقم الأزمة بالطبع انفلات سعر الدولار أمام الجنيه بعد اندلاع الحرب الروسية مع أوكرانيا، ليهدد تصاعد أسعار أساسيات الحياة في أم الدنيا بعودة معدلات الفقر للارتفاع من جديد بعد انخفاضها في العام المالي 2020/2019 إلى 29.7%، من 32.5% في 2018/2017.

على كل حال فإن نحو ثلث المصريين يرزح تحت خط الفقر وهو وضعهم الذي فسره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأنهم “لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم من الغذاء”.

اتجاهات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي -التي باتوا يقضون عليها الكثير من الوقت والتي أصبحت الحكومة تنشر عليها بيانتها الرسمية قبل المواقع- توضح الكثير مما يلوج في صدورهم، فتارة يتمازحون على عرف مجتمعي بالزواج سمي بـ”القائمة” وأخرى يبدون غضبهم من استثمارات شركات غير مصرية وفي كثير من الأحيان خليجية، تستحوذ على كياناتهم الاقتصادية، رغم أن هذا قد يعني -في ظروف طبيعية- إقبال الاستثمار على بلد تزخر بالإمكانيات.

 

القابضة أبوظبي

نحو الهواء العليل

في الجانب الآخر من بلد الـ100 مليون تجد نقاشات المصريين تبتعد كليا عما قد يظهرهم في حاجه اقتصادية أو حتى أن هناك كسادا يهدد العالم من حولهم، ومع متابعة اتجاهات مواقع التواصل الاجتماعي تشعر وكأن 100 مليون مصري اتجهوا نحو ساحلهم الشمالي للاستمتاع بالبحر وإن كان يواجه نحرا، ويسكنون شاليهاتهم ذات العدة ملايين من الجنيهات التي دفعوا أثمانها عن طيب خاطر مقابل أسبوع أو اثنين من الهواء العليل، التي وإن اشتروها بدفع قيمتها مرة واحدة تعني ثروة وإن اشتروها بأقساط تعني دخلا مرتفعا.

العبرة هنا ليست في فكر اشتراكي مثلا أو حتى غبطة البسطاء على من يسكنون الكمباوند، لكنه محاولة لتقريب وصف المشهد الذي أصبح عليه الوضع الاقتصادي وخلفياته الاجتماعية في مصر، ومدى التهديد الذي تواجهه الطبقة الوسطى التي هي من المفترض أن تكون عماد المجتمع.

إصلاح اقتصادي لكن النوّة أكبر

قبل 6 سنوات تقريبا وفي خريف عام 2016 أطلقت مصر برنامجها الاقتصادي الشهير الذي تغنّت به المؤسسات الدولية، كما قررت مصر تحربر سعر الجنيه ليقترب من سعر السوق، ونجحت في القضاء على السوق الموازية.

لكن ومع الوقت تدخلت الدولة ممثلة في البنك المركزي لإدارة هذا التعويم وعلى الأغلب بهدف تقليص التقلبات الحادة، حتى أن الجنيه لم ينهار في ظل أزمة كورونا، ليقدم البنك المركزي دعما مستترا لا يظهر في الموازنة، في وقت انخفضت فيه الدخول وزادت معدلات البطالة.

لكن ومع تفاقم الظروف وآثار الحرب التي طالت بلادنا ترك البنك المركزي بعض من الحرية من جديد للجنيه ليفقد نحو 15% من قيمته في أيام قليلة ثم بات يفقد قرش أو قرشين كل يوم أو يومين، ليمرر بذلك المركزي بعض الألم للمصريين علهم يخفضون استهلاكهم فيسيطر بذلك على معدلات التضخم التي تخطت مستهدفاته بين 5 و9%.

ربما منح برنامج الإصلاح الاقتصادي فرصة للمصريين ومن خلفهم الحكومة بعض الوقت أو ربما كل الوقت أثناء الوباء، لكن لم ينقذ الموقف كليا مع تفاقم الوضع باندلاع الحرب، لتعود القاهرة من جديد لإخوانها الأغنياء في الخليج طالبة العون.

دفع عجلة النمو

مع برنامج الإصلاح وربما قبله بقليل عمدت الحكومة المصرية على دفع عجلة النمو بالاستثمار المحلي أو بتعبير أدق الاستثمار الحكومي، في مشاريع وصفتها بأن القطاع الخاص لن يُقبل عليها لأنها غير مربحة.

اتجهت الدولة لحفر “قناة السويس الجديدة” وبناء عاصمة جديدة أيضا، حتى يبدو أنه لم يكن هناك وقتا لتسميتها ليصبح اسمها “العاصمة الجديدة”، سياسة الدولة نجحت في دفع عجلة الاقتصاد، لكن في المقابل تقلص دور القطاع الخاص لصالح مؤسسات الدولة.

الاستثمار الضخم للدولة المصرية بمؤسساتها والذي لا يستطيع القطاع الخاص مجاراته إضافة إلى مخاوف القطاع الخاص في الدخول في منافسة غير عادلة كانت هي الأسباب الرئيسية وراء تراجع دور القطاع الخاص في مصر.

 

القطاع الخاص

أموال ساخنة وتعديل الدفة

عقب بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي تحسنت سمعة مصر أمام المستثمرين الأجانب، في وقت سمي بعصر المال الرخيص، حتى أن بعض معدلات الفائدة عالميا كانت سلبية.
استغلت مصر الفرصة لتصدر أدوات دين جاذبة للاستثمارات الأجنبية – فيما يسمى بالأموال الساخنة- بفائدة حقيقية كانت بين الأعلى إن لم تكن الأعلى عالميا.

الفائدة الحقيقية هو معدل الفائدة مطروحا منه التضخم، ويتم استخدامها لتحديد العائد الفعلي من أدوات الدين بعد خصم معدل التضخم.

لكن ومع اندلاع الحرب، إضافة للسياسات المتوقعة سلفا للفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي)، انسحبت أغلب استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية، وفقا لتصريحات تلفزيونية لوزير المالية محمد معيط.
وقال معيط إنه “تعلم درسا” بعدم الاعتماد على الأموال الساخنة التي فقدت مصر أغلبها بما يناهز الـ20 مليار دولار في أسابيع قليلة ليهبط الجنيه أمام الدولار بعنف دافعا مصر للجوء للإمارات والسعودية لإنقاذ الموقف.

بالتوازي تحركت الحكومة المصرية سريعا، لتعلن برنامج حافل بهدف زيادة حصة القطاع الخاص من الاستثمارات أمام الدولة، إذ تخطط لجذب استثمارات جديدة بـ40 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة من عن طريق بيع حصص في أصول مملوكة للدولة إلى مستثمرين محليين ودوليين.

بشكل عام تستهدف الدولة زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، من 30% العام الماضي، وفقا لما قاله رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.

الفترات القادمة ستظهر بالطبع مدى قدرة الحكومة المصرية على تدبر خطواتها، ومدى تأثير هذه الخطوات على المجتمع الذي باتت الفوارق الاجتماعية تظهر عليه بوضوح، وسط تهديد للطبقة المتوسطة التي هي عماد المجتمع.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية