يتعرض تسويق القطن المصرى لأزمات متكررة خلال السنوات الاخيرة، لاسيما على مستوى السوق المحلى، بعد رفض المغازل المحلية استخدامه فى التصنيع والاعتماد على الأقطان المستوردة، فى الوقت الذى تحقق الصادرات نموًا جيدًا على مدار المواسم الثلاثة الأخيرة.
استمرار الأزمات وصعوبة تسويق المنتج دفع الحكومة إلى التراجع عن خطة التنمية التى أعلنتها قبل 3 سنوات عقب تدنى المساحات لأقل مستوى تاريخى عند 131 ألف فدان مقابل ما يزيد عن مليونى فدان فى ثمانينيات القرن الماضى. الحكومة أعلنت فى 2016 خطة للتنمية تشجع الفلاحين على الزراعة لتصل إلى 220 ألف فدان فى 2017، و350 ألف فدان فى 2018 و500 ألف فدان فى 2019.
نجحت الخطة تقريبًا فى العام الأول والثانى، لكن الوزارة تراجعت عنها كليًا بعد رفض المغازل المحلية الاستغناء عن المنتج المستورد لتفوقه على المحلى بنحو 700 جنيه للقنطار. وكانت الأسواق العالمية هى طوق النجاة الوحيد للذهب الابيض والمتنفس الوحيد لتصريف الإنتاج، حيث ارتفعت الصادرات من 640 ألف قنطار عام 2016 إلى مليون قنطار فى 2017 و1.3 مليون الموسم الماضى، وتضاعفت بالفعل خلال الفترة المنقضية من الموسم الحالى لتصل إلى 1.6 مليون قنطار، مقابل 800 ألف قنطار خلال نفس الفترة من العام الماضى.
تضاعف صادرات الموسم الحالى.. وأقطان «قبلى» تغزو الأسواق العالمية للمرة الأولى
تضاعفت تعاقدات تصدير القطن، خلال الموسم الحالى، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، خاصة بعد غزو أقطان الوجه القبلى الأسواق العالمية للمرة الأولى فى تاريخها بواقع 81 ألف قنطار.
قال نبيل السنتريسى، الرئيس السابق لاتحاد مُصدرى الأقطان، إن تعاقدات تصدير القطن بلغت نحو 1.6 مليون قنطار، خلال الفترة المنقضية من الموسم الحالى، مقابل 800 ألف قنطار فى الفترة نفسها من الموسم الماضى.
ويبدأ موسم تصدير القطن فى شهر سبتمبر من كل عام، وينتهى فى شهر أغسطس من العام التالى له، ويبدأ موسم الزراعة فى منتصف شهر فبراير من كل عام، وحتى نهاية شهر أبريل، وقد يمتد بعدها.
قدر السنتريسى، المشحون للتصدير حتى مطلع الشهر الحالى بنحو 1.2 مليون قنطار، وأوضح أن الكميات المتبقية تُسافر تباعاً بعد انتهاء الإجراءات الخاصة بها وفقاً للمواعيد المتفق عليها بين المُصدرين فى مصر والمستوردين فى الخارج.
أوضح أن 19 دولة تستورد القطن المصرى، تتقدمها «الهند»، وبلغت الكميات المشحونة إليها الموسم الحالى نحو 330 ألف قنطار، تلتها باكستان 229 ألف قنطار، ثم الصين 73 ألف قنطار، ثم بنجلاديش 69 ألف قنطار، وتوزعت الكميات المتبقية بين 16 دولة أخرى.
أرجع «السنتريسى»، ارتفاع الطلب الخارجى على الأقطان المصرية الموسم الحالى لانخفاض قيمتها فى البورصات العالمية مدفوعة بارتفاع المعروض، وتدنى الطلب عليه من قبل المغازل المحلية.
لفت «السنتريسى»، إلى أن الطلب فى العام الحالى يرتكز على صنف جيزة 94، كأحد أكثر الأصناف فى الزراعة محلياً، خاصة فى السوق الهندى، لكن أسعاره منخفضة مقابل أسعار الموسم الماضى بما يزيد على 30 سنتاً فى اللبرة.
وفقاً لتقرير «الزراعة الأمريكية»، اشترى المستوردون فى الهند الأقطان المصرية خلال شهرى (فبراير، ومارس 2019) بأسعار مُنخفضة، بدعم من كونها المستوى الأكبر للأقطان المصرية بما يزيد على %50 سنوياً.
فى السياق نفسه، دخلت الأصناف المنتجة فى الوجه القبلى، الأصناف القصيرة والمتوسطة، سوق الصادرات للمرة الأولى فى تاريخها، بعد تعاقدات تصديرية أبرمت بواقع 81 ألف قنطار من صنفى (جيزة 90- 95)، وتمثل تلك الكميات %58 من إجمالى إنتاج الصعيد.
اعتبر مفرح البلتاجى، الرئيس الأسبق لاتحاد مُصدرى الأقطان، أن دخول أصناف الصعيد فى التصدير يوضح حقيقة تخلى المغازل المحلية عن المحصول؛ حيث كانت تتهافت فى السابق على إنتاج الصعيد، وأيضاً فهو يُمثل نجاحاً للمحصول فى الخارج.
وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، شحنت الشركات المصرية 48.5 ألف قنطار من إنتاج الصعيد، منها 30.4 ألف قنطار من صنف (جيزة 90) و18.1 ألف قنطار من (جيزة 95).
%36.8 تراجعاً فى زراعات القطن بإجمالى 193 ألف فدان
تراجعت المساحات المنزرعة بمحصول القطن خلال الموسم الحالى بنسبة %36.8، مدفوعة بالأزمات التى شهدتها زراعات الموسم الماضى، وتدنى أسعار البيع بعد الجنى، ما تسبب فى وجود فضلة تؤثر على السوق.
قالت مصادر فى وزارة الزراعة، إن إجمالى المساحات المنزرعة بمحصول القطن حتى نهاية الأسبوع الماضى بلغ نحو 193 ألف فدان، مقابل 305 آلاف فدان فى الفترة المقابلة من الموسم الماضى.
يبدأ موسم زراعة القطن رسمياً على موعدين، الأول منتصف فبراير من كل عام لزراعات منطقة الوجه القبلى، تنتهى أواخر أبريل، والثانى بداية مارس من كل عام لزراعات منطقة الوجه القبلى، تنتهى أواخر مايو.
أوضحت المصادر، أن الإدارة المركزية لشئون المديريات كلفت المديريات الزراعية التابعة لها فى محافظات الزراعة بعدم توقف عمليات الحصر والمتابعة، وفى انتظار تقارير جديدة لتحديد إجمالى المساحات مع نهاية مايو الحالى.
أضافت أن المساحات الإجمالية تتوزع بين 163 ألف فدان فى محافظات الوجه البحرى منزرعة بالأصناف الطويلة وفائقة الطول، و30 ألف فدان فى الوجه القبلى منزرعة بالأصناف القصيرة والمتوسطة.
أرجع عبدالعزيز عامر، نائب رئيس اللجنة العامة لتجارة القطن فى الداخل، هبوط المساحات إلى التغيرات المناخية التى أثرت على طبيعة الجو وقدرة المحاصيل على تحملها، بخلاف هبوط الأسعار الموسم الماضى بما لا يضمن هامش ربح للفلاحين.
أوضح «عامر»، أن المحاصيل الشتوية تأخر حصادها، خاصة القمح، والذى فى العادة ينتظره القطن، وتوقع تراجع المساحات الإجمالية للقطن الموسم الحالى بصورة كبيرة عن مساحات الموسم الماضى، واستبعد تحقيق المستهدف عند 220 ألف فدان.
بلغت المساحات المنزرعة من المحصول فى الموسم الماضى 336 ألف فدان أنتجت 2.4 مليون قنطار قطن، تم تصدير نحو 1.6 مليون قنطار منها، فى حين تنتظر الكميات المتبقية تسويقها محلياً أو للتصدير.
حذر من الاستمرار فى زراعة القطن خلال شهر يونيو الحالى، قائلاً إن تأخر الزراعة يُضعف إنتاجية المحصول، ومن ثم ترتفع التكلفة على الفلاح لاحتياج الزراعة معاملات زراعية أعلى من الزراعة فى الأوقات الرسمية، ما يرفع التكلفة الإنتاجية فى النهاية.
وفقاً للمؤشرات الحالية، توقعت وزارة الزراعة الأمريكية، تراجع إنتاج الموسم الحالى بنسبة %22.6، ليتراجع إلى 1.9 مليون قنطار على أقصى تقدير مقابل 2.4 مليون قنطار أنتجتها مساحات الموسم الماضى.
أرجع التقرير، انخفاض الإنتاج إلى تراجع المساحات التى تأثرت بتقلبات الموسم الماضى فى الأسعار، والتى نتجت عن عوامل عدة، منها استخدام أصناف مُحسنة من البذور ما رفع إنتاجية الفدان.
أوضح أن نمو المعروض مقابل طلبات المستهلكين محلياً تراجع بالأسعار إلى 2050 جنيهاً للقنطار فى المتوسط بين الأصناف الطويلة والقصيرة، مقابل 2700 للأولى و2500 للثانية كأسعار استرشادية حددتها الحكومة.
«المغازل المحلية» تواصل تخليها عن القطن المصرى
واصلت المغازل المحلية، تخليها عن القطن المصري، واشترت منه %12.6 فقط، أغلبها اتجه نحو مصانع المناطق الحرة، والشركة القابضة للغزل، وسط توقعات بنمو استهلاك الأقطان بواقع 100 ألف قنطار خلال العام الحالى.
وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، حصلت المغازل المحلية على 304 آلاف قنطار فقط من إنتاج الأقطان المحلية البالغ 2.4 مليون قنطار، بنسبة %12.6.
وتوزعت الكميات بين 288.9 ألف قنطار من الأقطان الطويلة، و15.9 ألف قنطار من الأقطان الطويلة الممتازة، وهى كميات مقاربة لما حصلت عليه المغازل فى العام الماضى أيضاً.
عزا محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، الاعتماد على القطن المستورد، إلى أزمات المحصول المحلى، والتى تتسبب فى زيادة التكلفة وبالتالى الأسعار.
أشار «المرشدى»، إلى الفارق الكبير بين أسعار الأصناف المستوردة والمحلية، والذى يصل إلى 700 جنيه فى المتوسط للقنطار؛ حيث يتراوح سعر القنطار المستورد بين 1600 و1700 جنيه.
أضاف أن ارتفاع أسعار خامات القطن بجانب تضخم باقى التكاليف من النقل والعمالة والصيانة والضرائب وضعف المبيعات فى النهاية، جميعها يدفع المصانع نحو استخدام الأصناف المستوردة.
اعتبر محمد خضر، رئيس هيئة التحكيم واختبارات القطن، أن الاستيراد أغلبه من الأصناف الأمريكية (الأبلند)، وقال إن الأمل بزيادة الاستهلاك من الأصناف المحلية فى تنمية مصانع الغزل والنسيج فى المناطق الحرة.
أوضح أن المناطق الحرة تحتاج لكميات سنوية تبلغ 800 ألف قنطار، ويمكن أن تستوعب 3 أضعاف هذه الكميات، لكنها تحتاج لتشجيع على ضخ مزيد من الاستثمارات فى الفترة المقبلة لتهيئتها على ذلك.
وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، ارتفعت قيمة واردات القطن الأمريكى إلى مصر فى 2018 بنسبة %54 لتبلغ 55.4 مليون دولار مقابل 34 مليوناً فى 2017، وارتفعت فى الكميات %37 لتبلغ 540 ألف قنطار مُقابل 340 ألف قنطار فى 2017.
توقع التقرير، نمو واردات الأقطان العام الحالى %2، لتبلغ 2.45 مليون قنطار، وقال إن الواردات لا تعتمد دائماً على حجم الإنتاج المحلى؛ حيث تختلف الخصائص الفيزيائية للقطن المصرى والمستورد، ولكن عوامل أخرى تحكم عمليات الاستيراد.
وفقاً لبيانات الإدارة المركزية للحجر الزراعى، مُراقب على الاستيراد، بلغت الواردات من اليونان فى 2018 نحو 591.7 ألف قنطار، مثلت %31 من إجمالى الواردات، ومن السودان 456 ألف قنطار، وبنين 397.7 ألف قنطار، وبوركينا فاسو 382 ألف قنطار.
تولى الحكومة مسئولية تسويق «الإكثار» وراء ارتفاع مستوى جودة الإنتاج
أسندت وزارة الزراعة مسئولية تسويق أقطان الإكثار إلى الشركة القابضة للغزل والنسيج، قبل 3 سنوات؛ للسيطرة على التدنى المتدرج للجودة؛ بسبب الخلط الذى تتعرض له البذور وقت تولى القطاع الخاص تسويقها، ما رفع الجودة والمتانة مرة أخرى.
أشارت مصادر فى الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، إلى تحسن الجودة والخصائص الفيزيائية لإنتاج القطن الموسم الحالى، وتوقعت مزيداً من التحسن فى الموسم المقبل، من خلال نمو الطول والقوة والصلابة واللون وعدد العقد.
أدى هذا التطور إلى زيادة الطلب على القطن المصرى فى الأسواق الدولية، خلال العام الحالى، وهو ما رفع الكميات بنسبة %100 بدعم من تراجع الأسعار لزيادة المعروض.
وعدلت الحكومة سياسة تسويق أقطان «الإكثار»، فى عام 2017 لتتولى الشركة القابضة للغزل شراءها ورد بذورها إلى وزارة الزراعة، بدلاً من القطاع الخاص، فى محاولة لاستعادة نقاء البذور وجودة الإنتاج.
واضطرت الحكومة للتدخل عقب تدهور سمعة وجودة المحصول عالمياً؛ لافتقار شركات البذور إلى نظم فعالة لضمان الجودة ومنع الخلط، ما دفع الوزارة لإسنادها إلى الشركة القابضة للغزل.
وتضمنت إجراءات تنمية المحصول 19 خطوة أبرزها، توفير بذور عالية الجودة لزيادة الإنتاج والجودة والطول والقوة والثبات واللون وعدد العُقد.
تضم الإجراءات، تطوير صناعات الغزل والنسيج المحلية، وقصرت الزراعات على مؤشرات الطلب المحلى والتصديرى، وهو سبب تراجع المساحات الموسم الحالى.
فى ذلك الإطار، شرعت وزارة الزراعة فى تنفيذ مشروع بحثى فى منطقة (شرق العوينات) لاستنباط أصناف جديدة من الأصناف المتوسطة والقصيرة، واختارت الوزارة تلك المنطقة لبعدها عن محافظات الزراعة؛ لعدم التأثير على العوامل الوراثية.
قالت مصادر فى وزارة الزراعة، إن إنتاج الأقطان الطويلة دولياً يُمثل %3 من إجمالى الإنتاج العالمى من القطن، تنتجها 4 دول فقط هى (مصر، أمريكا، إسرائيل، تركمانستان)، وانخفاض الإنتاج منها يُشير لعدم الاعتماد عليها.
أوضحت المصادر، أن الوزارة تتوجه نحو تنمية الأصناف القصيرة والمتوسطة، والتى تتناسب مع احتياجات المغازل المحلية، ورغم أنها خطوة متأخرة نسبياً لكنها مهمة لحماية ما تبقى من صناعة الغزل والنسيج وسمعة القطن المصرى.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا