ملفات

لماذا يصعب التخلص من معدلات التضخم المرتفعة؟

التضخم

إذا كانت عودة التضخم المرتفع قد فاجأت كثيرين، فإن صعوبة تلاشيه كانت أكثر إثارة للصدمة، إذ تفاجئت دول من بينها أمريكا وبريطانيا مرة أخرى بارتفاع الأسعار مؤخراً.

كان بنك الاحتياطى الفيدرالى على خطأ عندما توقع فى ديسمبر من عام 2020 أن ترتفع الأسعار بنسبة أقل من %2 فى كل عام من العامين التاليين، ثم أخطأ على نطاق أوسع فى ديسمبر 2021، عندما توقع ارتفاع التضخم فى عام 2022 إلى %2.6 فقط رغم أن الأسعار كانت ترتفع بالفعل بأكثر من %5 سنوياً.

لم يكن «الاحتياطى الفيدرالى» هو الوحيد فى سوء تقديره، بل إن توقعات صندوق النقد الدولى بها تضخم سئ ومتكرر دون المستوى، وفى أواخر عام 2020، أشارت التوقعات بشكل صحيح إلى أن الأسعار ستقفز فى الأشهر المقبلة، لكنها خلصت إلى أن احتمالات حدوث فترة تضخم أكثر استدامة كانت منخفضة.

لماذا إذن ظل التضخم مستمراً فى الارتفاع إلى هذا الحد؟

من ناحية، فإن الإجابة بسيطة، فقد ظلت الأسعار مرتفعة لأن الإنفاق استمر مرتفعاً ولأن السياسة النقدية كانت فضفاضة للغاية، لكن هذه إجابة غير مرضية.

لم تكن السياسة أكثر صرامة لأن البنوك المركزية لم تعتقد أنها بحاجة إلى أن تقول للمرء :»انظر التوقعات الخاطئة».. لكن مع استمرار التضخم، تم تعديل السياسة، بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.

بالعودة إلى ديسمبر 2020، اعتقد الاحتياطى الفيدرالى أن سعر الفائدة سيبقى بالقرب من الصفر عام 2023، لكنه يتوقع أن يرتفع الآن إلى %4.6 على الأقل.

فى عامى 2020 و 2021، عندما تدخل وباء كوفيد-19 فى إنتاج السلع والخدمات، أطلقت الحكومات العنان لسيل من المساعدات المالية.

وفى الوقت نفسه، أدت الظروف الخاصة التى واجهتها الأسر إلى تحولات جذرية فى الاستهلاك، التى تأرجحت بشكل حاد نحو السلع ثم عادت إلى الخدمات.

بعد الانكماش الأولى، كان التأثير الصافى لهذا الاضطراب هو رفع الأسعار، فخلال العام الماضى، كان حوالى %40 من الارتفاع فى الأسعار الأمريكية بالنسبة لاتجاه ما قبل الوباء، و%66 من الارتفاع فى أسعار منطقة اليورو، يُعزى إلى اضطرابات الإنتاج وارتفاع أسعار السلع، حسب تقديرات صندوق النقد الدولى.

وشكلت الحوافز والتحولات السخية فى إنفاق الأسر %30 أخرى فى كل من أمريكا وأوروبا.

استمر وابل الصدمات مع الغزو الروسى لأوكرانيا فى فبراير.
وفى الواقع، كانت الأخطاء فى توقعات التضخم لصندوق النقد الدولى للاقتصادات الكبرى- باستثناء تلك الخاصة بأمريكا والصين- أكبر هذا العام مما كانت عليه فى الماضى.

ورغم أن المشاكل المتعلقة بتوقع التضخم الأساسى كانت مسؤولة بشكل رئيسى عن التوقعات السيئة فى العام الماضى، فإن الحد من المساهمات من الغذاء والطاقة كان أكبر المشاكل التى يتم مواجهتها.
تضاعف تأثير حرب فلاديمير بوتين مع الارتفاع المفاجئ فى قيمة الدولار الأمريكى، والذى يعد إلى حد كبير نتاج الحملة العدوانية التى شنها الاحتياطى الفيدرالى على التضخم المحلى.
وفى ظل ضعف عملات أخرى، ترتفع تكاليف استيراد اقتصاداتها، مما يؤدى إلى تفاقم مشاكل التضخم.
قال كل من جيتا جوبيناث، نائب المدير العام لصندوق النقد الدولى، وبيير أوليفييه جورينشاس، كبير الاقتصاديين فى صندوق النقد، فى مذكرة نُشرت فى 14 أكتوبر، إن ارتفاع الدولار بنسبة %10 يرفع التضخم فى أسعار المستهلكين فى الاقتصادات الأجنبية بنحو %1 فى المتوسط، مع تأثيرات أكبر فى الأماكن الأكثر اعتماداً على الواردات.
وبالنسبة للنمو القوى للأجور، فعادة ما يتحدد نمو الأجور فى الغالب من خلال إنتاجية العمل وتوقعات التضخم ووجود أو عدم وجود ركود فى سوق العمل فى الأوقات العادية، ويترجم نمو الإنتاجية الأسرع والتضخم المرتفع المتوقع إلى زيادة نمو الأجور بينما يترجم ارتفاع معدل البطالة إلى نمو أقل فى الأجور.
وفى المراحل الأولى من الوباء، انهارت هذه العلاقات، إذ يشير تحليل أجراه صندوق النقد الدولى إلى أن الأساسيات كانت أقل أهمية من القيود الشديدة على عرض العمالة المرتبطة بعمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعى.
ومع بدء التعافى، بدأت الأنماط الطبيعية فى تأكيد نفسها، لكن هذا لم يساعد كثيراً فى الأجور، بل أصبح عرض العمالة يمثل مشكلة أقل، لكن حزم الأجور استمرت فى النمو بفضل التوظيف القوى وانخفاض البطالة.
عادةً ما يؤدى ارتفاع الأجور أيضاً إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكى ويساهم بشكل مباشر فى ارتفاع أسعار الخدمات كثيفة العمالة.
فى الواقع، يشعر بعض المتشددين بالقلق من دوامة الأجور وأسعارها، حيث يطالب العمال بأجور أعلى لتغطية ارتفاع الأسعار، حيث ترفع الشركات الأسعار لتغطية ارتفاع فواتير الأجور.
ومع ذلك، يشير عمل صندوق النقد الدولى إلى ضرورة توخى بعض الحذر، فرغم أن نمو الأجور كان قوياً، فإنه لم يكن قوياً بما يكفى لمواكبة التضخم فى العديد من الدول.
مع ذلك، ثمة بعض التحفظات، فالسياسة النقدية الأكثر صرامة مطلوبة بشكل كبير لإبطاء التضخم فى معظم الحالات.
وبشكل حاسم، يعتمد كثيرين على ما يحدث لتوقعات التضخم، كما أن معتقدات الناس حول المستقبل تؤثر على استهلاكهم ومساومة الأجور، فإذا كانت الخبرة الحديثة تلوح فى الأفق بشكل كبير فى تشكيل هذه المعتقدات، فإن ذلك سيساعد فى تفسير التضخم المستمر، ومن شأنه أن يعقد وظائف محافظى البنوك المركزية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية