ملفات

كيف قلل الاقتصاديون من شأن الاستهلاك الصينى؟

الاستهلاك

قال عالم الاقتصاد آدم سميث، إن «الاستهلاك هو الغاية والغرض الوحيد لكل الإنتاج»، لكن هذه المقولة لم تؤثر بشكل كبير فى الصين قط.

كشف الإحصائيون فى البلاد، فى بداية العام الجارى، أن استهلاك الأسر يمثل %37 فقط من الناتج المحلى الإجمالى للصين فى 2022، وهو أدنى مستوياته منذ عام 2014.

وبالرغم من أن إزالة ضوابط «كوفيد» الصارمة كان يُفترض أن يساعد فى رفع هذه النسبة قليلاً، فإن التحسينات فى تحليل البيانات الصينية يمكن أن ترفعها أكثر، لكن الإحصاءات الرئيسية فى الصين قد تقلل من شأن دخل الأسرة واستهلاكها.

وعلى مدى عقدين تقريبًا، سعى صُناع السياسات فى الصين إلى «إعادة التوازن» للاقتصاد من الصادرات والاستثمار والتوجه نحو الإنفاق على الإشباع الفورى، حسب ما نقلته مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.

فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة المالية فى موازنة هذا العام: «سنعمل على استعادة الاستهلاك وتعزيزه، وزيادة الدخل الشخصى من خلال قنوات متعددة».

ومع ذلك، فإن التقدم كان بطيئًا، فقد صنف صندوق النقد الدولى خلال الأعوام الأخيرة جهود الصين على أساس «بطاقة أداء إعادة التوازن» المرمزة بالألوان، وكان معظم البطاقة الأخيرة، التى نُشرت فى فبراير، يتشح باللون الأحمر.

وعادةً ما يحدد أنصار إعادة التوازن مشكلتين، أولهما توفير الأسر الصينية قدر كبير من دخلها.

والمشكلة الثانية هى أن دخل تلك الأسر لا يشكل سوى شريحة صغيرة جداً من الكعكة الوطنية، وهذه المشكلة تبرز فى الحجج التى ساقها مايكل بيتيس، الأستاذ المؤثر فى جامعة بكين.

وأشار بيتيس إلى أن دخل الأسرة فى الغرب يتراوح عادة بين %70 إلى %80 من الناتج المحلى الإجمالى، وعلى النقيض من ذلك تبلغ تلك النسبة فى الصين %55 فقط.

وقال إن إعادة التوازن ستتضمن بالضرورة تحويل الثروة وبالتالى السلطة إلى الأفراد العاديين.

فى الواقع، يتساءل بعض المحللين عما إذا كان الرئيس الصينى شى جين بينج قد أخطأ فى تحقيق الهدف تماما، خاصة أنه بالنسبة له، لا يقتصر هدف الإنتاج الصينى والغرض منه على الاستهلاك، بل يشمل أهدافًا مثل جعل الصين قوة مرنة، وأقل اعتمادًا على التقنيات «الخانقة» التى يهيمن عليها الغرب.
وبالرغم من أن جين بينج ليس متحمساً لإعادة التوازن، فإن سجل أداءه ربما يكون أفضل مما يُعتقد عادة.
لطالما اعتقد الاقتصاديين أن البيانات الصينية تقلل من دخل الأسر وإنفاقها، وربما تفشل الدراسات الاستقصائية فى رصد الدخل غير المبلغ عنه للأثرياء، وربما تواصل الحسابات الوطنية التقليل من شأن «الإيجار» الضمنى الذى يدفعه أصحاب المنازل لأنفسهم عندما يعيشون فى منازلهم التى يمتلكونها.
الأمور الأقل شهرة تتمثل فى جهود خبراء الإحصاء فى الصين لحساب السلع والخدمات التى تقدمها الحكومات للأفراد بتكلفة قليلة أو بدون تكلفة، والتى تشمل التعليم والرعاية الصحية وكذلك المرافق الثقافية والمواد الغذائية المدعومة.
وتشير المعايير الدولية إلى أن هذه الأمور الجيدة يجب أن تظهر فى الإحصاءات الرسمية باعتبارها «تحويلات اجتماعية عينية»، ويمكن بعد ذلك إضافتها إلى دخل الأسرة واستهلاكها لتقديم صورة «معدلة» كاملة.
واجهت الصين كثير من المعاناة، فهى لم تبلغ عن مثل هذه التحويلات بشكل منفصل أو مفصل فى الماضى، بل كانت تدرجها ضمن أجزاء أخرى من الحسابات الوطنية، بما فى ذلك الاستهلاك الحكومى.
وإذا تجاهلت الدولة هذه التحويلات، فإن الدخل المتاح للأسر الصينية لم يتجاوز %62 من الدخل الوطنى فى عام 2020، وقد وصل إلى %56 فى عام 2010، وهذا يبدو منخفضا بشكل لافت للنظر، لكنه طبيعى نظرًا لكل ما لم يُدرج ضمنه.
ومن حسن الحظ أن خبراء الإحصاء فى الصين قادرون على أداء دور أفضل، فقد بدأوا فى الأعوام القليلة الماضية فى نشر أرقام التحويلات الاجتماعية العينية فى كتبهم الإحصائية السنوية.
وبلغت هذه الاستثمارات 6.8 تريليون يوان «أى ما يعادل تريليون دولار، أو ما يقرب من %7 من الدخل القومى» فى عام 2020، وهى أكبر، كحصة من الناتج المحلى الإجمالى، من نظيرتها الأمريكية، وهذا سمح لمكتب الإحصاء الوطنى الصينى بنشر رقم «معدل» للدخل المتاح بشكل يُسهل المقارنات الدولية مع دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
هذه المراجعات تجعل الاستهلاك الحكومى يبدو أضعف، كما أن التحويلات الاجتماعية العينية فى الصين، والتى تُحسب كحصة من الدخل الوطنى، ما تزال منخفضة مقارنة بالمتوسط المسجل فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، لكن هناك مجال لزيادتها.
وإذا اعترض الرئيس الصينى على تسويق المجتمع الصينى أو الهبات النقدية التى تولد حالة من الكسل، فمن الممكن أن توفر الدولة بدلا من ذلك المزيد من الأشياء التى يعتقد أن مواطنيه يجب أن يستهلكوها.
لاشك أن هذه الطريقة ستكون الأنسب بالنسبة للرئيس الصينى لإعادة توجيه مواطنى بلاده نحو الاستهلاك دون لوم نفسه على النزعة الاستهلاكية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية