مقالات الذهب

رنا فوروهار تكتب: هل المستثمرون مستعدون لـ«هلاك الدولار»؟بقلم:

رنا فوروهار

على مدار عقود، كان يُقال للمدخرين حول العالم، وخصوصاً المدخرين من أجل المعاشات فى الولايات المتحدة، أن يضعوا معظم أموالهم فى مؤشر «ستاندرد آند بورز»، الذى يتتبع ثروات أكبر الشركات الأمريكية، ثم ينسوها حتى يقتربوا من التقاعد.
ومنذ منتصف الثمانينيات، كانت هذه نصيحة جيدة إلى حد ما، وكانت الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات هى الوسيلة الأفضل للاستثمار فى العولمة، وكانت العولمة مفيدة لأسعار أسهم العديد من الشركات الكبيرة.
ولكن مؤخراً، بدأت أتساءل، ماذا سيحدث إذا تغير هيكل الاستثمار طويل الأجل بأكمله؟
فالعولمة كما نعرفها متعثرة، وتغير مركز أمريكا العالمى، وكذلك احتمالات نمو شركاتها، وإذا كان هذا هو الحال، فربما نكون بصدد تصحيح، ليس فقط فى أسعار أسهم الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات وإنما فى الدولار نفسه، وهو ما سيكون له تداعيات عميقة على المستثمرين فى كل مكان بدءاً من المدخرين الأفراد فى الولايات المتحدة إلى صناديق المعاشات العملاقة فى أوروبا وآسيا.
وهذا السيناريو أطلقت عليه شركة الاستشارات «إيه جى بيسيت أسوشياتس»، عبارة «هلاك الدولار»، لكن من النظرة الأولى، تبدو فكرة تراجع الأسهم الأمريكية والدولار فى الوقت نفسه غير مرجحة، لأنه أولاً يذهب الأثنان عادة فى الاتجاه المعاكس، فالدولار الضعيف يجعل صادرات العديد من الشركات الأمريكية أكثر تنافسية فى السوق العالمى، كما حدث فى السنوات الماضية.
وعلاوة على ذلك، يبقى الدولار العملة الاحتياطية العالمية الرسمية، رغم انسحاب دول منها الصين وروسيا من الأصول المقومة بالدولار، لأسباب سياسية واقتصادية، وأشارت دراسة من معهد «بروكينجز» الأسبوع الماضى إلى أن حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية الأجنبية تراجعت بنسبة %2 فقط منذ 2007، فى حين تراجعت حصة اليورو 6%، وكما نعلم جميعاً لم يكن الساسة الأمريكيين ولا العديد من الشركات الكبيرة فى الدولة منعمين خلال تلك الفترة بل إنها كانت فترة متقلبة للغاية، ولكن التحولات فى نظام الاحتياطى العالمى تستغرق وقتاً طويلاً، وإنما تحدث التحركات فى العملة أسرع.
وفى الوقع، أشار أولف ليندال، المدير التنفيذى لـ«إيه جى بيسيت»، إلى أن العملات الرئيسية تميل إلى التحرك ﻷعلى وأسفل فى دورات عمرها 15 عاماً، ووفقا لحساباته، والتى تتبع تحركات العملات منذ السبعينيات، فقد بدأنا دورة جديدة فى يناير 2017.
ورغم قوة الدولار منذ أبريل 2018، فإن الدورة لاتزال سارية، وإذا صحت نظريته، فسيتراجع الدولار أمام اليورو والين على مدار السنوات الخمس المقبلة بنسبة تتراوح بين %50 و%60.
فما هى تداعيات هذا التحول؟
بداية، سيتضرر بحدة، المستثمرون خارج الولايات المتحدة مثل صناديق المعاشات الأوروبية واليابانية، ومكاتب الأسر التى تدير ثروات الأثرياء، والمؤسسات المالية الكبيرة من تراجع الأصول الدولارية.
وإذا بدأوا فى تحويل استثماراتهم من الأصول الدولارية، فسيتفاقم التراجع ويطال الأسهم الأمريكية، وهو امر يتوقع المحللون حدوثه فى كل الأحوال، نظراً لتداول الأسهم عند ثانى أعلى قيمة لهم فى 150 عاماً، وهو ما سيضر بدوره المدخرين الأمريكيين الذين يحتفظون باغلب استثماراتهم التقاعدية فى الصناديق التى تركز على «ستاندرد آند بورز»، ويتوقع بعض المستثمرين الماهرين بالفعل هذا المستقبل، وانتقلوا إلى الذهب، وأنا أتوقع ارتفاع أسعار السلع الآخرى كذلك.
وإذا تحقق سيناريو «هلاك الدولار»، فقد يكدس المستثمرين ، اليورو والين، مما قد يرفع العائد على عائدات السندات الأمريكية، وهو أمر يتوقعه قليلون لأن هناك فكرة سائدة بأننا سنعيش فى بيئة الفائدة المنخفضة للأبد.
لكن إذا ارتفعت العائدات، فستساعد المدخرين الذين يحملون السندات وليس الأسهم، ولكنها ستعاقب كذلك الشركات المحملة بالديون، وحذرنا بنك التسويات الدولية بالفعل من أن هناك شركات كثيرة مسيرة بالديون، وأطلق عليها شركات «زومبي» والتى ستجد صعوبة فى خدمة ديونها أو البقاء إذا ارتفعت الفائدة.
وخلال السنوات الماضية، لم نر فقط سوق صاعد للأسهم الأمريكية، وإنما أيضا الكثير من الإدارة المالية، فقد قامت الشركات بكل ما يمكن لتحدى الجاذبية الاقتصادية باستخدام كل شىء، بدءاً من تعديل الضرائب المحصلة من الرواتب إلى إعادة شراء الأسهم.
وسهلت البنوك المركزية عليهم المهمة من خلال السياسة النقدية الفضفاضة، وفى رأيى هذا هو سبب بقاء الأسهم الأمريكية والأصول المقومة بالدولار مرتفعين للغاية رغم المخاطر السياسية الاقتصادية والتحديات التى تواجه قطاع الأعمال.
وفى النهاية، إذا لم يعد يُنظر إلى الشركات الأمريكية على أنها الأكثر تنافسية فى العالم، فستتراجع أسهمها، وكذلك الدولار، فهل نحن فى هذه المرحلة؟
لا ليس بعد، ولكن بالنظر إلى تآكل قاعدة العمالة الماهرة الأمريكية، وتداعى بنيتها التحتية ونقص الاستثمار فى الأبحاث، قد نرى ذلك يتحقق قريباص.
وأظهر تقرير حديث لشركة «إرنست آند يونج»، أن عدد الشركات فى قائمة فورتشن 500 الواقعة فى الولايات المتحدة تراجع من 179 شركة فى عام 2000 إلى 121 شركة، فى حين نمى عدد الشركات فى القائمة والتى يقع مقرها فى الصين من 10 إلى 119 شركة، وهذا يشير إلى التحول فى توقعات الشركات عن أماكن النمو فى المستقبل أى إلى آسيا، وإذا كان هذا هو الوضع، فسيحتاج العديد منا، إلى استراتيجية استثمار جديدة فى العالم الجديد.

بقلم: رنا فوروهار
صحافية أمريكية وكاتبة مقالات رأى بشأن الاقتصاد العالمى

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية