كتبت: هدى السهيلي
قبل نحو أسبوعين، أصدرت مؤسسة جولدمان ساكس تقريرًا عن الاقتصاد المصري، تضمن نقطة لافتة وهي أن سعر الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته الحقيقية أمام الدولار بنحو 30%. هذا التقييم أثار تساؤلا، هل يعكس هذا تحسن حقيقي في الاقتصاد المصري؟ أم أنه ناتج عن عوامل خارجية مؤقتة لا تعكس الواقع المحلي بدقة؟
تقييمات حقيقية؟
أبدى محمد فؤاد، عضو لجنة الاقتصاد الكلي الاستشارية لرئيس مجلس الوزراء، تحفظه على تلك التقديرات المتفائلة. وأشار في تصريحات لـ “إيكونومي بلس” إلى أن تقييمات بعض المؤسسات الأجنبية قد لا تعكس بشكل دقيق الواقع المعقد للاقتصاد المحلي، بكل ما يحمله من تحديات هيكلية وضغوط داخلية وخارجية.
من جانبه، ربط أحمد شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، هذه التقديرات بارتفاع العائد على أدوات الدين المحلية.
قال شوقي خلال حديثه لـ “إيكونومي بلس” إن الدولة عندما تطرح أذون خزانة بعائد مرتفع مقارنة بالعائد على الدولار، فمن الطبيعي أن ترى بعض المؤسسات أن الجنيه أقل من قيمته، لأنها تستفيد من الفارق الكبير في العوائد.
وحذر شوقي من هذه التقييمات، موضحا: عندما تبدأ أسعار الفائدة في الانخفاض، سيتجه المستثمرون للتخارج من الجنيه وهو ما قد يغير الصورة تماما.
سجل سعر صرف الدولار أمام الجنيه انخفاضا ملحوظا خلال الأسبوعين الماضيين ليصل إلى نحو 48.69 جنيه للبيع، وهو أدنى مستوى له منذ تسعة أشهر.
أشار شوقي إلى أن هذا الانخفاض لا يعكس تحولًا هيكليًا في الاقتصاد، بل يعود إلى عوامل مؤقتة مثل ارتفاع التدفقات الدولارية وانخفاض نسبي في الطلب على العملة الأجنبية، لكنه شدد على أن استمرار الفجوة في ميزان المدفوعات، وارتفاع الواردات مقارنة بالصادرات، يعني أن الضغط على العملة الأجنبية لم ينتهِ بعد.
تراجع الجنيه مدعوم بضعف الدولار عالميًا
يرى أحمد عبد النبي، رئيس قطاع البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، أن التراجع الظاهر في سعر الدولار يرجع جزئيا إلى ضعف عالمي في أداء العملة الأمريكية. وأوضح أن الدولار يواجه ضغوطًا على مستوى العالم، حيث ارتفع اليورو أمام الدولار – على سبيل المثال – بنحو 40% منذ بداية العام.
أضاف عبد النبي خلال حديثه لـ “إيكونومي بلس” أن هذا التراجع لم ينعكس على الجنيه أمام باقي العملات بنفس الشكل، إذ لم يحقق الجنيه أي تقدم يُذكر أمام اليورو، الذي يبلغ سعره 56.4 جنيه، وهو ما يشير -في رأي عبد النبي- إلى أن تحسن الجنيه يرتبط بتراجع الدولار تحديدًا وليس بتحسن شامل في أداء العملة المحلية.
اتفق محمد فؤاد أن تراجع الدولار يرجع إلى التقييم العالمي للعملة الأمريكية، حيث فقد الدولار نحو 11% من قيمته منذ بداية العام، مقابل تراجع محدود أمام الجنيه بنسبة 3% فقط. كما أشار فؤاد إلى وجود ضغوط أمريكية على الفيدرالي لتخفيض الفائدة، وهو ما يدفع الدولار لمزيد من التراجع عالميًا
انخفاض مؤقت أم تحسن دائم؟
توقع هاني جنينة، رئيس وحدة البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، أن يستقر سعر الدولار أمام الجنيه خلال الأشهر المقبلة في نطاق يتراوح بين 45 و50 جنيهًا، مشيرًا إلى أن التعافي الحالي في قيمة الجنيه يرتبط بتحسن تدريجي في ميزان المعاملات الجارية وعودة التدفقات النقدية الأجنبية، لا سيما من المستثمرين الأجانب.
أضاف جنينة في تصريحاته لـ “إيكونومي بلس” أن الأجانب لا يدخلون السوق فقط استباقًا لتخفيض متوقع في أسعار الفائدة خلال أغسطس، بل لأنهم يرون مؤشرات على تحسن فعلي في ميزان المعاملات الجارية، خاصة مع تراجع العجز في الربع الثالث من العام المالي الماضي.
أضاف أنه إذا استمر الأداء بنفس الوتيرة، فإننا بصدد مرحلة تعافٍ تدريجي في ميزان المدفوعات، وهو ما يشكل أساسًا حقيقيًا لتحسن سعر الصرف.
استقرار هش وتحديات مستمرة
رغم بعض المؤشرات الإيجابية، مثل ارتفاع عائدات السياحة وزيادة التحويلات من المصريين في الخارج، يرى محللون أن هذه العوامل لا تكفي لتأكيد تحسن طويل الأمد في قيمة الجنيه.
وقال عبد النبي إن التحسن في بعض المؤشرات لا ينفي استمرار التحديات الأساسية، وعلى رأسها الدين الخارجي، الذي يشكل عبئًا على الاقتصاد ويؤثر على العملة.
كما يرى شوقي أن ما نعيشه الآن هو “استقرار نسبي”، لكنه هش، ويمكن أن يتغير بسرعة في ظل أي ضغوط مالية أو خارجية مفاجئة.
أظهرت بيانات صادرة عن وزارة التخطيط مطلع الشهر الجاري، ارتفاع الدين الخارجي لمصر ليصل إلى 156.7 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من العام المالي الجاري (مارس 2025)، مقارنة بـ155.09 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، بزيادة بلغت نحو 1.6 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر.
يأتي هذا الارتفاع في ظل استمرار مساعي الحكومة للسيطرة على الدين الخارجي وسد الفجوة الدولارية عبر موارد بينها تعزيز الصادرات، وسط تحديات اقتصادية إقليمية وعالمية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا
