كتبت: هدى السهيلي
يشهد سوق الدواء حالة من الترقب والجدل، مع تصاعد مطالب من داخل القطاع برفع أسعار عدد من الأصناف، لما تصفه الشركات بـ”الضغوط الإنتاجية المتزايدة” الناتجة عن ارتفاع تكاليف التصنيع واستيراد المواد الخام.
وبينما ترى بعض الجهات أن تحريك الأسعار ضرورة لاستمرار الصناعة، يرى آخرون أن السوق يشهد حاليًا استقرارًا في سعر الصرف وتوفرًا في المواد، ما ينفي الحاجة لأي زيادات جديدة تثقل كاهل المرضى.
قال علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن الشعبة خاطبت رسميًا هيئة الدواء المصرية لطلب رفع أسعار نحو 1000 صنف دوائي بنسبة 10%، في ظل ما وصفه بـ”الارتفاع الحاد في تكاليف الإنتاج”.
وأكد في حديثه لـ”إيكونومي بلس” أن الهيئة لم ترد حتى الآن، رغم أن المطالبات تستند إلى “معاناة الشركات المنتجة من ضغوط تشغيلية تهدد استمرارها”.
أوضح عوف أن الأدوية الأساسية مثل علاجات الضغط والسكر والمضادات الحيوية لا تزال متوفرة وتكفي لستة أشهر، إلا أن هناك نقصًا في الأدوية المستوردة التي لا يوجد لها بدائل محلية، مثل أدوية الأورام وبعض أمراض القلب.
شدّد على أن الشركات لا تطالب بزيادة الأسعار بشكل عشوائي، بل بسبب تضخم تكاليف التشغيل، من رواتب ومستلزمات وضرائب وبنزين، معتبرًا أن بعض الشركات قد تتراجع عن طلب الزيادة إذا خفضت هيئة الدواء الرسوم التي تفرضها بنسبة 75%.
في الأسابيع الأخيرة، تحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار بأكثر من 6%، ما دفع رئيس الوزراء بالمطالبة بخفض أسعار السلع عامة مع تراجع تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة.
من جانبه، حذّر عوف من أن منظومة التسعير الحالية “تهدد الصناعة”، مؤكدًا أن أقل من 10 شركات فقط تحقق أرباحًا، بينما الباقي يعاني من الخسارة، مشيرًا إلى أن تراجع الدولار لا يعني تلقائيًا انخفاضًا في التكاليف.
“هل يمكن خفض رواتب الموظفين لأن الدولار نزل؟ نفس الفكرة تنطبق على تكلفة الدواء”، تساءل عوف.
لفت أيضا إلى أن الشركات الأجنبية بدأت بالفعل في تقليص استثماراتها، نتيجة الخسائر وضعف العائد.
ممفيس: زيادة الأسعار ضرورية لاستمرار الشركات
من جهته، قال أحمد عزت، مسؤول العلاقات العامة بشركة ممفيس للأدوية والصناعات الكيماوية، إن الشركة تؤيد بشدة مطالبات رفع الأسعار بنسبة 10%، معتبرًا أن هذا الإجراء أصبح ضروريًا لضمان بقاء الشركات المنتجة، خصوصًا تلك التي تخدم الفئات الأكبر من المواطنين.
وأضاف عزت خلال حديثه لـ “إيكونومي بلس” أن عدداً كبيراً من الأدوية لم تشهد تعديلًا سعريًا منذ سنوات، وهو ما يجعل عملية الإنتاج غير مربحة.
حققت شركة ممفيس للأدوية والصناعات الكيماوية قفزة كبيرة في أرباحها السنوية، مسجلة نحو 459.5 مليون جنيه خلال العام المالي 2024/2023، مقابل 173.32 مليون جنيه في العام السابق 2022/2023، بنمو تجاوزت نسبته 165%.
وقال عزت إن شركة ممفيس حققت أرباحًا معتمدة على زيادة حجم الإنتاج والمبيعات، وأضاف، “لو تحركت الأسعار قليلًا لتضاعفت الأرباح”.
انتقد عزت الفارق السعري بين منتجات الشركات الحكومية ونظيراتها الخاصة، قائلًا: “شريط الدواء عندنا بـ5 جنيه، ونفسه يباع من شركات خاصة بـ50 أو 100 جنيه.. لكن لا يجرؤ أحد على مخاطبتهم”.
لم تكن شركة ممفيس وحدها من حققت أرباحًا، فقد سجلت الشركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية – إيبيكو نموًا ملحوظًا في نتائج أعمالها، بعدما ارتفعت أرباحها إلى نحو 1.01 مليار جنيه خلال 2024، مقابل 751.2 مليون جنيه في العام السابق، بنسبة نمو بلغت 34.3%.
كما حققت شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات التشخيصية – راميدا نموًا في أرباحها خلال العام 2024، حيث سجلت نحو 387.4 مليون جنيه، مقارنة بـ244.9 مليون جنيه في عام 2023.
مركز “الحق في الدواء”: السوق مستقر.. ولا مبرر لرفع الأسعار
يرى محمود فؤاد، المدير التنفيذي لمركز الحق في الدواء، وهو جزء من هيئة الدواء المصرية، أن الوضع الحالي لا يبرر تحريك أسعار الدواء، مؤكدًا أن السوق يشهد استقرارًا في أسعار الصرف، مع توسع مصادر الاستيراد من دول مثل الهند والصين وتايلاند، وهو ما خلق تنافسية خفضت أسعار المواد الخام عالميًا.
وأوضح فؤاد في حديثه لـ”إيكونومي بلس” أن الحكومة لجأت منذ عام 2018 إلى القرار رقم 499، الذي يربط مراجعة أسعار الدواء بالتغيرات في سعر الصرف.
وفي ظل صعود الدولار خلال العام الماضي، وافقت الحكومة على زيادات دورية لأكثر من 5500 صنف دوائي، وهو ما اعتبره استجابة كافية لتكاليف التصنيع.
حذّر فؤاد من أن بعض الشركات قد تلجأ إلى “افتعال أزمة نقص الأدوية” عن طريق تخزينها، بهدف الضغط على الحكومة للموافقة على رفع الأسعار، مؤكدًا أن 85% من الأدوية المتداولة تُصنع محليًا، مما يوفر أمانًا دوائيًا واستقرارًا نسبيًا في السوق.
“يجب التحقق من دوافع هذه المطالبات، فبعضها قد يكون مرتبطًا بالحصول على دعم أو تمويل، وليس بنقص حقيقي في المعروض”، قال محمد فؤاد.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا