رئيس التحرير أسامه سرايا |
أخبار

بين السياسات والتحديات.. قراءة في الأسباب المؤثرة على أسواق السلع والأسعار

كتب: سليم حسن

يبدو أن المستهلكين على أعتاب موجة غلاء جديدة خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي ينتظرون فيه العكس تماما بعد إعلان مجلس الوزراء نهاية يوليو الماضي عن مبادرة لخفض الأسعار بالتنسيق مع الاتحاد العام للغرف التجارية، واتحاد الصناعات المصرية.

في الوقت الذي تنتظر فيه الأسواق والمستهلكون انعكاسات إيجابية للمبادة الحكومية التي أُعلنت بهدف كبح جماح الأسعار، لكن الواقع يفرض اتجاها مغايرا. إذ تشير البيانات والمؤشرات إلى أننا قد نكون على أعتاب موجة جديدة من الارتفاعات.

ثلاثة عوامل رئيسية تساهم في هذا المسار، وهي التوجه نحو الاقتصاد التمويلي على حساب الاقتصاد الحقيقي، واستمرار أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، بالإضافة إلى التأثيرات المترتبة على قرارات رفع الدعم عن المحروقات.

عبر تحليل هذه العوامل، نسعى لفهم كيف تتشابك لتشكل ضغوطا إضافية على تكاليف الإنتاج، وتؤثر في النهاية على القوة الشرائية للمواطن، ما يعطي صورة أوضح للتحديات الاقتصادية التي تواجهها الشركات والمستهلكون على حد سواء.

الاقتصادين الحقيقي والتمويلي

الاقتصاد الحقيقي يهتم بإنتاج واستهلاك وتبادل السلع والخدمات الملموسة، بينما الاقتصاد التمويلي يركز على الأنشطة المتعلقة بالنقود والأصول المالية كالبنوك وشركات الاستثمار والأسهم والسندات.

الفارق الأساسي بين الاقتصادين هو أن الاقتصاد الحقيقي ينتج ما يلبي الاحتياجات البشرية مباشرة، أما الاقتصاد التمويلي فيعتبر وسيلة لإدارة الأموال وتوجيهها لدعم أنشطة بعينها.
مصدر في واحدة من أبرز شركات الأغذية قال لـ”إيكونومي بلس”، إن انصباب الاهتمام بشكل مباشر ورئيسي على الاقتصاد التمويلي على حساب الاقتصاد الحقيقي يؤدي إلى آثار سلبية متعددة، منها تضخم الأسعار، وتدهور مستويات معيشة المواطنين، وانخفاض القوة الشرائية، وزيادة البطالة.
أيضا، يساهم هذا الوضع في توجيه الاستثمارات نحو نشاطات غير منتجة، ما يضعف قدرة الاقتصاد الحقيقي في رد الصدمات، ويؤدي إلى اختلالات في ميزان المدفوعات، وفي النهاية تأثيرات سلبية عميقة على خطط التنمية المستدامة، بحسب المصادر.

الفائدة المرتفعة وضغوطات التمويل

أغلب الشركات تمول توسعاتها الجديدة وأعمالها التنموية من خلال القروض البنكية وليس من الاستثمارات الذاتية، هذا الوضع يبرز الفجوة الكبيرة بين الاقتصاد التمويلي والاقتصاد الحقيقي في المقابل.

مصر تعمل بأسعار فائدة مرتفعة منذ فترات طويلة، ويرجع استمرار هذا الوضع إلى جذب المستثمرين في أدوات الدين الحكومية أو المعروفة بـ”الأموال الساخنة”.

هذا الوضع ينعكس تماما على القطاعات الصناعية المختلفة، حيث تظهر تكاليف التمويل المتفاقمة والتي تضيف مزيد من الأعباء على الشركات وتتطلب زيادة الأسعار في مقابل هذه التكاليف الجديدة.

وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها الاستثنائي السادس من مارس 2024 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس دفعة واحدة ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، بحسب بيانات البنك المركزي.

زيادة أسعار الفائدة التي جاءت في مارس من العام الماضي خلال اجتماع استثنائي للجنة شهد تحرير أسعار الصرف، والتي ارتفعت وقتها من نحو 30 جنيها للدولار إلى 50 جنيها خلال أيام قليلة بعد القرار.

استمر “المركزي” في تبني أسعار الفائدة المرتفعة لنحو 5 سنوات متتالية – منذ 2020- حتى خفضها للمرة الأولى في أبريل الماضي بواقع 225 نقطة أساس ثم 100 نقطة في مايو، ثم 200 نقطة أخرى بنهاية أغسطس الجاري، لتهبط في النهاية إلى 22% و23% للإيداع والإقراض على الترتيب.

خفض أسعار الفائدة بالتأكيد هو خطوة إيجابية وتعكس تحسن المؤشرات الاقتصادية والاتجاه نحو تحسين مؤشر التنمية وتشجيع الاستثمار، بحسب رئيس شركة إيديتا للصناعات الغذائية، هاني برزي.

رغم الخفض، ما زالت المستويات الحالية مرتفعة ولا تلبي احتياجات القطاعات الصناعية والإنتاجية، خاصة وأن أغلب المشروعات التوسعية تعتمد بشكل مباشر على القروض، وتحميل هذا المشروعات بأعباء الفائدة يحجمها بصورة واضحة، بحسب مصدر في المجلس التصديري للصناعات الغذائية.

كما أن خفض أسعار الفائدة بنحو 5.25% خلال الشهور الأخيرة لا يعني الوصول للمطلوب، خاصة لدى المصنعين وفي ظل تراجع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 13.9% في يوليو من 14.9% في يونيو السابق له، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.

أسعار المحروقات

قرارات الحكومة المستمرة برفع الدعم عن المحروقات – وأبرزها السولار – لها تأثير كبير هي الأخرى على القطاعات الإنتاجية والصناعية، وبالتالي مزيد من أعباء التكاليف الإضافية، بحسب المصدر.

في الأسبوع الثاني من أبريل الماضي، أعلنت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية رفع أسعار البنزين والسولار، إلى جانب عدد من منتجات الطاقة الأخرى، وذلك ضمن المراجعة الربع سنوية التي أجرتها اللجنة لضبط أسعار الوقود وفقا لتغيرات السوق العالمية وسعر صرف الجنيه.

وقبل أيام أكد رئيس الوزراء على زيادة جديدة للبنزين في أكتوبر المقبل.

في المرة الأخيرة لزيادة أسعار المحروقات كانت التوقعات الطبيعية أن ترتفع الأسعار بصورة مباشرة في رد فعل مباشر، لكن لم يحدث ذلك، لأن الفئة العظمى من الشركات قررت أن تمتص “مؤقتا” صدمة زيادة التكاليف الإضافية ولا تعكسها على المنتجات.

الشركات قررت زيادة الأسعار تدريجيا وعلى أكثر من مرة لتجنب خسارة المبيعات المستهدفة، والتي ستقل بالتأكيد حال ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ وبصورة كاملة.

انخفاض المبيعات خاصة للشركات الكبيرة والمسيطرة يعني تراجع في حصصها التسويقية لصالح منافسين آخرين قد يرجئون زيادة الأسعار لبعض الوقت، بالإضافة إلى تعطل جزء من خطوط الإنتاج التي ستضغط أكثر على التكاليف، وسينعكس ذلك في النهاية على قدرات الشركات في شراء مستلزمات الإنتاج.

شركات عدة، وتحديدا في للقطاع الغذائي قررت تحمل انخفاض أرباحها بصورة مؤقتة على أمل تحسن الوضع في المستقبل، لكن مع استمرار أسعار الفائدة وتكاليف التمويل مرتفعة دفعها في النهاية لعكس قرارات التحمل، وبالتالي زيادة الأسعار.

ارتفاع أسعار الوقود “مفردا” لا يؤثر كثيرا تكلفة تصنيع الأغذية بشكل عام، إذ أن تكلفة الطاقة التي تدخل ضمن عملية الإنتاج بمصانع الأغذية تتراوح بين 2-4% فقط من إجمالي تكلفة الإنتاج، تزيد إلى 5-6% للمنتجات المجمدة أو المبردة، بحسب غضو غرفة الصناعات الغذائية محمد شكري.

لكن، هناك عوامل أخرى تمثل أسبابا رئيسية لزيادة التكاليف، وأبرزها أن أسعار الوقود ترتفع في فترات زمنية متقاربة لتتحول إلى ضغوط أكبر إلى جانب أزمات التمويل والفائدة.

السجائر سبقت الجميع

نهاية يوليو الماضي، رفعت شركة الشرقية للدخان “إيسترن كومباني” أسعار منتجاتها من السجائر الشعبية كليوباترا بوكس”، و”بوسطن”، و”كليوباترا كوين سوفت” لتصل إلى 44 جنيها للعبوة.

شركات السجائر الأجنبية كانت قد سبقت “إيسترن كومباني” في زيادة الأسعار مطلع يوليو بما يتراوح بين 5 و10 جنيهات في العبوة، في أعقاب إعلان الحكومة عن تعديلات قانون ضريبة القيمة المضافة.

المشروبات الغازية على الطريق

مطلع أغسطس، استقبلت الأسواق أول زيادة في أسعار المنتجات الغذائية عن طريق المشروبات الغازية لشركة كوكاكولا مصر التي رفعت أسعارها بقيم متفاوتة تصل إلى جنيهان تقريبا.

جهينة أقرب مثال

رغم ارتفاع مبيعات جهينة خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري بنسبة 23.45% لتسجل 14.16 مليار جنيه مقابل 11.47 مليار جنيه في الفترة نفسها من العام الماضي، لكن صافي أرباحها تراجع 47.2% إلى 780.8 مليون جنيه، والسبب هو زيادة التكاليف، بحسب إفصاح من الشركة إلى البورصة المصرية.

وتقول “جهينة” إنها تهدف بزيادة الأسعار لاستيعاب ارتفاع تكاليف المبيعات بنسبة 58% على أساس سنوي خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، وفق إفصاح الشركة.

زيادة الأسعار تستمر رغم رغبة الحكومة المعلنة في كبحها، والسبب ببساطة هو ارتفاعات في أسعار السلع الرئيسية يتم تمريرها ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية