كتب: سليم حسن
تدرس الحكومة المصرية اتخاذ خطوة نوعية ضمن استراتيجيّتها لتحسين الصحة العامة وزيادة الإيرادات الضريبية في الوقت نفسه، عبر طرح مشروع قانون جديد لفرض ضريبة على المنتجات المحلاة بالسكر شبيهة بضرائب السجائر والدخان لكن لم تصدر أي قرارات رسمية بعد في هذا الشأن.
تأتي هذه الخطوة في وقت يُعاني فيه سوق السكر المصري من استهلاك مرتفع وإنتاج محلي لا يغطي كافة الطلب، ما يُلقي بظلاله على الصناعة المحلية والاستيراد.
ما الذي يحدث؟
قبل نحو 5 أشهر، قدمت وزارة الصحة مشروعا لوزارة المالية يقضي بأهمية وضع نظام ضريبي للمنتجات المحلاة بالسكر، وذلك لدعم سبل الوزارة لتقليل الاستهلاك العام للسكر في مصر.
المشروع قام على أساس أن معدل استهلاك الفرد السنوي من السكر في مصر يتجاوز حاجز الـ50 كيلوجرام، وهو ما يعد ضعف المعدل الطبيعي العالمي للفرد بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتواجه مصر حاليا تحديا صحيا كبيرا نتيجة ارتفاع مستويات استهلاك السكر، الأمر الذي يرتبط بشكل مباشر بارتفاع معدلات السمنة والأمراض غير المعدية، بحسب الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية.
ووفقاً لتقرير التغذية العالمي، تعاني 44.7% من النساء البالغات و25.9% من الرجال البالغين في مصر من السمنة، بينما يؤثر داء السكري على 23.4% من النساء البالغات و18.8% من الرجال البالغين، بحسب ما نقلته هيئة سلامة الغذاء.
كما تشير إحصائيات الاتحاد الدولي للسكري إلى أن 20% من البالغين المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 79 عامًا معرضون للإصابة بمرض السكري.
قالت مصادر لـ”إيكونومي بلس”، إن وزارة المالية ماطلت وزارة الصحة في بداية حديثها عن الأمر – قبل نحو عام تقريبا – لكنها بدأت تتخذ خطوات جادة في دراسة إمكانية تطبيق ضريبة خاصة بالمنتجات المحلاة بالسكر من عدمه في الأشهر القليلة الماضية.
رفض وزارة المالية الأولي جاء بناء على أن فرض أي رسوم ضريبية فوق العادة في المنتجات والسلع غير الأساسية تحديدا قد يضر بصحة الاستثمارات العاملة في هذه القطاعات، وهو ما سيؤثر في النهاية الضرائب التي يتم تحصيلها أساسا من هذا القطاع، وهذه النظرة تنصف في صالح قطاعات التجارة والصناعة أو “بزنس الحلويات”.
بدأت وزارة المالية في دراسة طلبات وزارة الصحة بعد أن رفعت الأخيرة تقريرا إلى مجلس الوزراء قبل نحو خمسة أشهر من الآن، أوضحت فيه أهمية اتخاذ مثل هذه الخطوة والحصول على جزء من هذه القيمة الضريبية الجديدة وضمها إلى ميزانية الوزارة للإنفاق على القطاع الصحي، بحسب المصادر.
المصادر أشارت إلى فرض ضريبة على المنتجات المحلاة بالسكر يستهدف بالأساس المنتجات التي ترتفع فيها المعدلات بشكل كبير مقارنة بالمعدلات العالمية، وهو ما يعني الاهتمام بالصحة أكثر من البزنس.
وتوقعت المصادر أن يتم تطبيق نسبة الضريبة الجديد – حال الموافقة عليها – على كل 100 مل فوق المعدلات الطبيعية العالمية، على أن تكون متصاعدة وضمن شرائح على غرار ضريبة السجائر.
التأثيرات المحتملة
تأثير فرض مثل هذه الضريبة سيرتد على 3 نواحي قد تغير شكل السوق خلال الفترة المقبلة.
يعد المستهلك هو أبرز المتأثرين من فرض هذه الضريبة، خاصة وأنه قد يعاني أعباء إضافية نتيجة رفع تكلفة بعض المنتجات، خاصة التي تحتوي نسبا عالية من السكر.
ويدعم هذه الفرضية، قول أحد المصادر لـ”إيكونومي بلس”، إن فرض مثل هذه الضريبة سيكون له تداعيات سلبية، وتحديدا على الفئات الأقل دخلا في مصر الذين لا يحصلون على قدر كاف من السعرات الحرارية المطلوبة من مصادر صحية مثل البروتين، وبالتالي يستبدلونها بالسكر، خاصة في الريف بالوجهين البحري والقبلي.
كما أن القطاع الصناعي نفسه ستتأثر بالقرار، حيث قد يحتاج بعض المصنعين إلى تعديل تركيبة منتجاتهم (إعادة تهيئة إلى نسب أقل من السكر).
ويدعم ذلك، أهمية السكر كمادة خام أساسية في عدد من الصناعات الغذائية مثل قطاع الحلويات الذي يضم نحو 2500 شركة، بحسب ما قاله أحد أعضاء شعبة السكر في غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية لـ”إيكونومي بلس”.
الحلاوة الطحينية، والحلويات بجميع أنواعها ستتأثر بمثل هذه الضريبة، وهو ما سينتج عنه موجة جديدة من ارتفاع الأسعار كنتيجة مباشرة، بحسب المصدر.
في المقابل الإيجابي، ومن منظور صحي، فإن فرض ضريبة على المنتجات المحلاة بالسكر قد تعد أداة فعالة لخفض استهلاك السكر في مصر، ولكن نجاحها يعتمد على تصميم الضريبة وتنفيذها، ما يعني أهمية الاستناد إلى بعض التجارب الدولية التي تشير إلى أن الضريبة التصاعدية على محتوى السكر تؤتي نتائج أفضل.
ما حجم استهلاك السكر في مصر؟
تشير البيانات الرسمية، إلى أن استهلاك مصر من السكر يتراوح بين 3.3 و3.5 مليون طن سنويا، ينتج أغلبها محليا، بينما يتم تعويض الكميات المتبقية عبر الاستيراد.
وبحسب أخر بيانات رسمية مصرية، بلغ الإنتاج المحلي لمصر من السكر نحو 2.9 مليون طن خلال العام الجاري مقابل نحو 2.2 مليون طن في العام الماضي بدعم من التوسع في زراعات بنجر السكر، بينما لا تزال بحاجة لاستيراد بعض الكميات لتغطية الفجوة بين المواسم وبعض الطلبات الصناعية.
سلامة الغذاء تطلب تحركات عاجلة
وطالبت الهيئة القومية لسلامة الغذاء بأهمية رفع العبء الناجم عن الإفراط في استهلاك السكر على الصحة العامة، بما يحتاج إلى تدخلا عاجلا وفعالا متعدد الأبعاد، يدعم توعية المستهلكين من خلال توفير معلومات وأدوات أفضل تساعدهم في ترشيد استهلاك السكر.
أشارت الهيئة إلى أهمية إجراء دراسة مستهدفة لمصادر السكر الغذائية في النظام الغذائي للمستهلك المصري لسد الفجوات المعرفية وضمانا لأن تكون اجرءات الهيئة القومية لسلامة الغذاء وخاصة منها الإجراءات التنظيمية، مبنية على أسس علمية ووفقا لأفضل الممارسات العالمية.
كما أشارت إلى أهمية إطلاق حملة توعية بريادة قطاع الصناعات الغذائية لتوعية المستهلك حول ضرورة ترشيد استهلاك السكر.
واعتبر رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لسلامة الغذاء طارق الهوبي، أن ترشيد استهلاك السكر يمثل أولوية صحية عامة حاسمة، إذ تلتزم الهيئة القومية لسلامة الغذاء بريادة كل التدخلات التنظيمية المتصلة بالأغذية لمساعدة المستهلك المصري على ترشيد استهلاكه لهذا العنصر التغذوي وذلك بالتعاون الوثيق مع قطاع الصناعات الغذائية، وضمانا لأن تكون تدخلاتنا قائمة على الأدلة العلمية، معتمدة على الممارسات والتجارب المثلى عالميا وملائمة للسياق المصري.
وبشكل عام، تتوافق المعطيات على أن مصر تواجه مستوى استهلاك عالياً من السكر، وفجوة إنتاجية ينبغي معالجتها.
مع ذلك، فإن التوجه الحكومي لفرض ضريبة على السكر أو المنتجات المحلاة به، يبدو أكثر من مجرد إعداد مسودة، لكنه ما زال في مرحلة ما قبل التنفيذ.
تطبيق هذه الخطوة قد يشكل خطوة مهمة في ترجمة أهداف الصحة العامة وربما الإيرادات الضريبية إلى واقع فعلي، لكن كيف ومتى سيتم ذلك – وما هي النتيجة الفعلية والمباشرة على المستهلك والمصنع – يبقى الوضع معلقا.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا