كتب: محمود الشاهد
يشهد سوق التمويل العقاري في مصر تحديات تعوق نشاط الإيجار التمويلي للوحدات السكنية، بينها ارتفاع أسعار الفائدة، والقيود المفروضة على تمويل الوحدات تحت الإنشاء، التي تمثل النسبة الأكبر من مبيعات السوق العقاري سنويًا.
يرى خبراء تحدثوا لـ”إيكونومي بلس” أن هذه العوامل مجتمعة، إلى جانب انتشار ثقافة التملك بين المصريين، تحد من توسع الإيجار التمويلي، ما يستدعي مراجعة القوانين واللوائح المنظمة لدعم انتشار هذا النشاط وتعظيم دوره في السوق العقاري.
ياسين منصور، رئيس مجلس إدارة شركة بالم هيلز للتعمير، قال في تصريحات سابقة إن السوق المصري يفتقد ثقافة الإيجار التمويلي للوحدات العقارية، موضحًا أن الثقافة السائدة ترتكز على تملك العقار، قائلًا: “عندنا ثقافة تملك العقار هي السائدة”.
“ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم يشكلان أكبر عقبة أمام تطبيق الإيجار التمويلي للوحدات السكنية في مصر”، وفقًا لما أكده أيمن سامي، رئيس شركة JLL للاستشارات العقارية.
بحسب سامي، فارتفاع الفائدة يزيد تكلفة الأقساط على المشترين ويجعل السعر خارج التوقعات، بينما أي انخفاض محتمل في الفائدة قد يحسن فرص نجاح هذه الآلية.
“التضخم المستمر وارتفاع تكاليف البناء خلال السنوات الأخيرة دفع أسعار الوحدات إلى مستويات مرتفعة جدًا، ما جعل السداد على فترات طويلة عبئًا كبيرًا على المستهلكين بسبب تراكم الفوائد”، تابع سامي.
يرى سامي في تعديل بعض اللوائح والقوانين الحالية حلا لدعم الإيجار التمويلي وتوسيع انتشاره في السوق العقاري المصري.
من جانبه، يرى أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، أن الإيجار التمويلي للوحدات السكنية في مصر قابل للتطبيق لكنه محدود جدًا، وليس منتشرًا على نطاق واسع، بسبب المتطلبات المالية الكبيرة لكل من المطور العقاري والمشتري.
“المطور العقاري يحتاج إلى ملاءة مالية عالية لإنهاء المشروع بالكامل قبل طرحه بنظام الإيجار التمويلي، بما يشمل تشطيب المباني والوحدات بالكامل، ثم طرحها بحيث يبدأ المشتري بسداد أقساط الإيجار على سنوات طويلة جدًا”، تابع سعد الدين.
بسبب هذا العبء المالي الكبير، غالبًا ما يفضل المطورون الاستثمار في مشروعات السكن العادي أو التجاري، حيث يمكنهم تحقيق أرباح أسرع وتقاسم المخاطر مع المشترين عبر نظام الأقساط.
من جهة أخرى، أوضح سعد الدين أن المشتري في الإيجار التمويلي غالبًا ما تكون ملاءته المالية ضعيفة، فلا يستطيع شراء الوحدة بالكامل مقدمًا، ما يجعله غير قادر على الدخول مباشرة في هذا النوع من التمويل.
أوضح سعد الدين أيضًا أن المطور العقاري يحدد أرباحه بحيث يكون العائد على رأس المال أعلى من سعر الفائدة البنكية وأعلى من معدل التضخم الفعلي في السوق، مؤكدًا: “لا يمكن للمطورين الاعتماد على سعر فائدة البنك فقط كمقياس للعائد، فإذا كان البنك يعطي 30% والفائدة الحقيقية في السوق أو التضخم أعلى من ذلك، فلا يمكن بناء نموذج الربحية على 30% فقط”.
تابع، البيع الجزئي يمكن أن يكون بديلًا عمليًا للإيجار التمويلي، حيث يمتلك المشتري جزءًا من الوحدة أو عدة أسهم بحسب قدرته المالية، بينما يحقق المطور عائدًا تدريجيًا خلال فترة المشروع.
بدوره، قال أيمن عبد الحميد، رئيس مجلس إدارة شركة التعمير للتمويل العقاري لـ”إيكونومي بلس”، إن ارتفاع أسعار الفائدة ومنع تطبيق الإيجار التمويلي على الوحدات تحت الإنشاء يحدان من توسع هذا النظام في السوق العقاري المصري.
وأوضح أن قرار البنك المركزي الصادر عام 2007، والذي يمنع البنوك من تمويل الوحدات تحت الإنشاء التي تمثل نحو 95% من حجم مبيعات السوق سنويًا، يعوق قدرة شركات التمويل على تغطية هذه الشريحة.
أضاف عبد الحميد أن التضخم وارتفاع تكاليف التمويل العقاري يثقلان كاهل المستهلكين، حيث تصل تكلفة فوائد التسهيلات الائتمانية في بعض الحالات إلى 30% سنويًا.
أشار إلى أن شركات التمويل العقاري منحت تمويلات بقيمة 27 مليار جنيه حتى نهاية سبتمبر الماضي، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم السوق الإجمالي، حيث أبرم 20 مطورًا عقاريًا رئيسيًا عقود بيع وحدات سكنية بقيمة تقارب 2 تريليون جنيه خلال العام الماضي فقط.
“تعديل بعض اللوائح المتعلقة بالتمويل العقاري، خاصة الوحدات تحت الإنشاء، قد يشكل حلًا سريعًا وفعالًا لتوسيع انتشار الإيجار التمويلي في السوق المصري”، تابع عبد الحميد مؤكدًا أن العامل الوحيد لتحفيز الإيجار التمويلي هو انخفاض أسعار الفائدة.
في سياق متصل، شدد أحمد إيهاب، الرئيس التنفيذي لشركة “مدار” للتطوير العقاري لـ”إيكونومي بلس”، على أن السماح بتطبيق الإيجار التمويلي على وحدات Off-Plan Units يُتوقع أن يحقق انتعاشًا كبيرًا في السوق العقاري ويضاعف مبيعات المطورين، بعد أن أصبح التمويل العقاري الحالي مقصورًا على الوحدات الجاهزة للتسليم فقط.
وأوضح إيهاب أن التمويل العقاري الحالي يعتمد على ضمان الوحدة نفسها، حيث تقوم شركات التمويل بدفع ثمن الوحدة للمطور مباشرة وتحصيل الأقساط من العميل، وفي حالة تعثر السداد تبقى الوحدة ضمانًا للشركة.
أشار إلى أن أغلب مبيعات السوق المصري تتم على وحدات Off-Plan Units، التي لا يُسمح بالإيجار التمويلي عليها وفق تعليمات البنك المركزي، ما يحد من انتشار النظام ويكبح نمو القطاع رغم الطلب الكبير على هذا النوع من الوحدات.
واقترح إيهاب وضع آلية لتقليل المخاطر، قائلًا: “يمكن لكل مطور يرغب في تطبيق الإيجار التمويلي على وحدات Off-Plan Units وضع وديعة تعادل نسبة العملاء المتوقع تعثرهم، والتي قد تصل إلى 10%”.
وقال تامر ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة سيتي إيدج للتطوير العقاري، إن الشركة لا تعتمد على نظام الإيجار التمويلي، مشيرًا إلى أن التوجه الحالي نحو الصناديق العقارية والبيع بالحصص.
وأوضح ناصر أن هذا التوجه يتيح جذب شريحة جديدة من العملاء وزيادة قاعدة العملاء، مضيفًا أن انخفاض الفائدة في الوقت الحالي يزيد جاذبية البيع بالحصص والصناديق العقارية، وهو الاتجاه المتوقع أن يعتمد عليه أغلب المطورين خلال العام أو الثلاثة أعوام القادمة.
أكد أمجد حسنين، رئيس مجلس إدارة شركة التعمير والإسكان العقارية، أن الإيجار التمويلي للوحدات السكنية يشهد نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن السوق لا يعاني من أي أزمة، بل على العكس، القطاع يتصاعد ويعكس قدرة الشركات على التكيف واستمرارية النمو.
وأوضح حسنين أن ارتفاع أسعار الفائدة في مصر له تأثير على كافة القطاعات الاقتصادية، وليس فقط على الإيجار التمويلي، إذ إن السعر الحقيقي للفائدة أعلى بكثير من المستوى المثالي الذي يُفترض أن يساوي معدل التضخم زائد نسبة بسيطة.
وأشار حسنين إلى أن البنوك فرضت بعض القيود على الإيجار التمويلي في صناعات محددة، موضحًا أن هذه القيود تشمل نسب تركيز معينة على بعض الأنشطة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا