توقع «تقرير أداء قطاع السياحة في مصر» الصادر عن شركة انطلاق، ارتفاع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 8.5%، بما يعادل نحو 1.4 تريليون جنيه، إلى 15% بحلول عام 2030، بما يضيف 1.8–2.1 تريليون جنيه من القيمة المضافة، وذلك في حال تنفيذ إصلاح شامل.
أشار التقرير إلى إمكانية أن ترتفع عوائد النقد الأجنبي السنوية إلى 25–30 مليار دولار، في حين قد يزيد التوظيف المباشر من 2.3 مليون إلى ما بين 3.5 و3.7 مليون وظيفة، مع اقتراب التوظيف غير المباشر من 6 ملايين وظيفة.
أوضح التقرير أنه من المتوقع أن ترتفع الإيرادات الضريبية المرتبطة بالمشروعات السياحية الصغيرة والمتوسطة من 5 مليارات جنيه حاليًا إلى 20–25 مليار جنيه سنويًا، بينما يمكن أن تتضاعف تدفقات رأس المال المخاطر في تكنولوجيا السياحة بمعدل 4 إلى 5 مرات لتصل إلى نحو مليار دولار.
يعد «تقرير أداء قطاع السياحة في مصر» تقريرًا شاملًا قائمًا على البيانات، يوضح المسارات التي يمكن من خلالها تطوير قطاع السياحة المصري عبر التحول الرقمي، والابتكار في مجال تكنولوجيا السياحة (Tourism Tech)، وتعزيز النمو الشامل، وقد أُطلق بالشراكة مع مدينة الجونة.
استقبلت مصر نحو 15.7 مليون سائح خلال العام الماضي، وهو أعلى عدد من السائحين في تاريخها، حيث يسهم القطاع السياحي حاليًا بنحو 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويحقق عوائد سنوية من النقد الأجنبي تتراوح بين 14 و15 مليار دولار، كما يوفر بشكل مباشر وغير مباشر حوالي 2.5 مليون فرصة عمل.
رغم هذا التعافي القوي، يشير التقرير إلى أن القيمة المضافة لكل سائح لا تزال دون إمكاناتها، ما يحد من مكاسب الإنتاجية والقدرة على الصمود على المدى الطويل.
قال الشريك المؤسس والعضو المنتدب لشركة انطلاق، عمر رزق، إن قطاع السياحة المصري أثبت جاذبيته العالمية، محققًا أرقامًا قياسية في أعداد السائحين وتعافيًا قويًا بعد الجائحة، خاصة عقب افتتاح المتحف المصري الكبير، إلا أن التحدي الحقيقي اليوم يتمثل في خلق القيمة.
أضاف أن التقرير يشير إلى أنه من دون إصلاحات منسقة تشمل الحوكمة، والتراخيص، والبنية التحتية الرقمية، وتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة، سيظل النمو السياحي محدود الإنتاجية ومتركزًا.
أوضح أن تقرير أداء قطاع السياحة في مصر يظهر أن تبني نهج موحد قائم على التحول الرقمي وتكنولوجيا السياحة يمكن أن يضاعف المساهمة الاقتصادية للقطاع بحلول عام 2030، وينقل السياحة من نموذج قائم على الكم إلى محرك نمو عالي القيمة قائم على الابتكار، مما يحقق نموًا اقتصاديًا شاملًا للقطاع.
تابع رزق أن المشروعات السياحية الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة ليست قضية هامشية، بل تمثل العمود الفقري لاقتصادات السياحة عالميًا، لافتًا إلى أنه عندما تُقصى هذه المشروعات بسبب تعقيد الأطر التنظيمية، وضعف أدوات التمويل، وتجزؤ الأنظمة الرقمية، فإن أداء القطاع بأكمله يتراجع.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمدينة الجونة، محمد عامر، إن الشراكة مع «انطلاق» في تقرير أداء قطاع السياحة في مصر تعد امتدادًا للتعاون السابق في استضافة إطلاق النسخة الثالثة من التقرير السنوي لقطاع ريادة الأعمال المصري (SDR 2025).
أشار إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار دور الجونة كواحدة من أبرز الوجهات السياحية على ساحل البحر الأحمر، من خلال هويتها كمدينة متكاملة تعمل على مدار العام.
ذكر عامر أن «الجونة» تضم أكثر من 25 ألف مقيم دائم من أكثر من 50 جنسية، وتضع معايير رفيعة للضيافة والثقافة والرياضة والتجارب السياحية عبر منصات مثل مهرجان الجونة السينمائي، وG-Space، وG-Valley، والبطولات الرياضية العالمية، وTaste El Gouna، مع ترسيخ مكانتها كمركز جاذب للابتكار وريادة الأعمال وتكنولوجيا السياحة.
أضاف عامر أن نموذج «الجونة» يسهم في تحقيق نمو اقتصادي شامل من خلال توفير فرص عمل مستقرة على مدار العام في قطاعات الضيافة، والتجزئة، والثقافة، والعقارات، والتعليم، والرعاية الصحية.
لفت إلى أن تمكين مدينة الجونة للشركات الناشئة والمشروعات الإبداعية من العمل في بيئة مهنية ومحفزة يعزز دور الوجهات السياحية في دعم ريادة الأعمال وتحسين الأداء طويل الأجل لقطاع السياحة في مصر.
أشار التقرير إلى أن التحديات التي تواجه السياحة في مصر لم تعد مرتبطة بالطلب أو التنافسية العالمية، بل بتجزؤ المنظومة المؤسسية، حيث لا يزال النشاط السياحي متركزًا جغرافيًا، بينما تظل مناطق واسعة من صعيد مصر، والصحراء الغربية، والوجهات التراثية والبيئية الثانوية غير مستغلة بالشكل الكافي.
كما تتوزع مسؤوليات الحوكمة بين عدة وزارات وجهات، ما يؤدي إلى تكرار الإجراءات، وتجزؤ منظومة التراخيص، وضعف التنسيق بين تخطيط السياحة، والتحول الرقمي، وسياسات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وجذب الاستثمارات.
وفقًا للتقرير، تتراوح مدد استخراج التراخيص السياحية في مصر عادة بين 6 و12 شهرًا، وتشمل ما بين 10 و16 جهة حكومية، ولا تتجاوز نسبة الرقمنة فيها 10–30%.
في المقابل، تستغرق إجراءات الترخيص في الأسواق المقارنة الرائدة، مثل الإمارات، ما بين شهر إلى شهرين، مع نسب رقمنة تتراوح بين 85 و95%، ما يخلق فجوة تنافسية واضحة أمام الشركات السياحية الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر.
يُعد استمرار فجوة، أو الحلقة المفقودة، لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة في قطاع السياحة أحد أبرز المخرجات الأساسية في التقرير، حيث تواجه المشروعات السياحية الصغيرة والمتوسطة عوائق هيكلية تحول دون توسعها، رغم قدرة المشروعات الكبرى والمشغلين على جذب رؤوس الأموال.
كشف التقرير أنه لا تزال معدلات الاقتصاد غير الرسمي مرتفعة في محافظات مثل الفيوم، والمنيا، وقنا، حيث تصل مؤشرات عدم الرسمية المركبة إلى 4.5 من 5، نتيجة لتعقيد إجراءات التسجيل وارتفاع تكاليف التراخيص.
قالت رئيس قطاع الدراسات والسياسات العامة بشركة انطلاق، ريهام المرلي، إن التقرير يسلط الضوء على تكنولوجيا السياحة والتحول الرقمي كأكثر محركات النمو غير المستغلة في قطاع السياحة المصري.
أضافت أنه على الرغم من إطلاق أدوات رقمية مثل التأشيرة الإلكترونية، والتذاكر الإلكترونية للمواقع الأثرية، وأنظمة الدفع الفوري، إلا أن هذه المبادرات لا تزال مجزأة وغير مترابطة ضمن بنية وطنية موحدة لبيانات وخدمات السياحة.
أوضحت أن المقارنات المرجعية الواردة في التقرير تظهر أن مصر لم تطبق عددًا من مؤشرات السياحة الذكية الأساسية، مثل أنظمة إدارة الوجهات الذكية على المستوى الوطني، ومنصات التجربة السياحية الرقمية المتكاملة، وتبادل البيانات السياحية بين الجهات الحكومية.
أشارت المرلي إلى أن دولًا مثل المغرب، وإندونيسيا، وكينيا، والهند، قامت بتطبيق منصات سياحية رقمية متكاملة دعمت تسجيل المشروعات الصغيرة، وإدارة تدفقات الزوار، وصنع القرار القائم على البيانات، ما أدى إلى رفع متوسط الإنفاق السياحي وتحقيق توزيع جغرافي أكثر توازنًا للعوائد.
قدم التقرير مقترحات إصلاح متكاملة تشمل البنية التحتية الرقمية، والحوكمة، وتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتنمية رأس المال البشري، مشيرًا إلى أن توسيع نطاق خدمات الجيل الخامس وحده يمكن أن يضيف ما بين 1.3% و2.0% إلى الناتج المحلي الإجمالي مقابل كل زيادة بنسبة 10% في معدلات الانتشار، كما يمكن لبرامج رقمنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة أن ترفع إيراداتها بنسبة 20–26%.
لفت التقرير إلى أنه يمكن لأنظمة إدارة الوجهات الذكية أن تقلل الخسائر الناتجة عن الازدحام في المواقع التراثية الرئيسية بنسبة 15–20%.
أوضح التقرير أنه مع تنفيذ إصلاحات منسقة ومتكاملة بين الجهات المعنية في القطاع، يمكن لقطاع السياحة في مصر أن يتحول من نموذج تعافٍ قائم على الحجم إلى محرك نمو عالي القيمة قائم على الابتكار، والنمو الشامل، والقدرة على الصمود، في ظل اقتصاد سياحي عالمي يشهد تحولًا متسارعًا.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا