لايزال الآلاف من الشباب فى منطقة الشرق الأوسط يبحثون عن وظائف لتغطية نفقاتهم الشخصية وتحمل تكاليف الزواج والسكن فى ظل زيادة الضرائب وارتفاع أسعار بعض المنتجات مثل السيارات والإنترنت وحتى المكالمات الهاتفية.
وكشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن منطقة الشرق الأوسط تعانى من أعلى معدل بطالة بين الشباب فى العالم، حيث أن %30 من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً عاطلون عن العمل، فضلاً عن أن معدلات النمو السكانى فيها من بين الأسرع، وتعانى حكوماتها من الأزمات المالية لإصلاح نظم الدعم المكلفة.
واجتاح إيران أكبر مظاهرات مناهضة للنظام منذ عقد من الزمان فى ديسمبر الماضى بدافع تدابير التقشف والاستياء من تفشى الفساد.
يأتى ذلك فى الوقت الذى نشبت فيه بعض الاحتجاجات المحدودة فى الجزائر والأردن مطلع العام الجارى بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتخفيض الإنفاق العام.
وأوضحت الصحيفة، أن نوبات الاضطراب تعكس خيبة الأمل التى يشعر بها كثيرون فى جميع أنحاء الشرق الأوسط الذين يلومون قادتهم على تجاهل مطالبهم بتشكيل أنظمة أكثر إنصافاً تعمل على توفير الوظائف والحريات الاجتماعية والازدهار.
يذكر أن نوبات الغضب المتزايدة كانت العامل العامل الأكبر فى نشوب انتفاضات 2011 التى أججت الصراعات فى سوريا وليبيا واليمن ووفرت أرض خصبة لخلق جماعات متطرفة مثل «داعش».
وعلى الرغم من فقدان الجماعات المتطرفة معاقلها فى العراق وسوريا يحذر الخبراء من أن المنطقة لاتزال تعانى من أزمة كبيرة تشكل تهديداً أكثر خطورة لاستقرارها على المدى الطويل والمتمثلة فى فشل الحكومات بإصلاح الأنظمة المعيبة التى جمعت بين القمع والتهدئة للحفاظ على الاستقرار على مدى عقود.
وقال مروان المعشر، وزير الخارجية الأردنى السابق ونائب رئيس مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، إن تمزق المجتمع هو المشكلة الأكبر ولسوء الحظ، فإن عدد قليل جداً من القادة يولى اهتماماً بهذه المشكلة وإذا لم تخرج الحكومات بخطة سياسية واقتصادية جديدة ستظهر نسخة جديدة من داعش.
وأشارت الصحيفة إلى أن العقد الاجتماعى التقليدى فى الشرق الأوسط، الذى يدعمه مدفوعات الدولة، والتى تمولها البترودولارات مقابل الحرية السياسية المحدودة أصبح يتلاشى.
وبعد فترة طويلة من انخفاض أسعار البترول وعدم الاستقرار والركود الاقتصادى دخلت الحكومات فى معارك للتصدى لعجز الموازنة واعتمدت بصورة متزايدة على الديون الخارجية.
وكشفت بيانات صندوق النقد الدولى، أن حكومات الشرق الأوسط أنفقت 74 مليار دولار على دعم الوقود خلال عام 2016 وهو ما يمثل ربع الدعم العالمى للطاقة.
وقال الخبراء، إن الإصلاحات قد طال انتظارها وتحدث فى بيئة متقلبة تتسم بشعور متزايد بالظلم بين السكان الشباب المتحضرين والمستنيرين الذين تفاقمت حياتهم فى السنوات الماضية منذ عام 2011.
وأشارت الصحيفة إلى أن تونس تعد الدولة العربية الوحيدة التى حققت التحول الديمقراطى فى أعقاب انتفاضات عام 2011، ولكن المكاسب السياسية لم يقابلها النجاح الاقتصادى حيث أن الدولة لاتزال تعانى من معدل بطالة بين الشباب تبلغ نسبته %25.
وفى عام 2016 وافقت تونس على حزمة من القروض تبلغ قيمتها 2.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، وهو ما يعنى دفع الإصلاحات المؤلمة بما فى ذلك إجراءات التقشف التى تسببت فى احتجاجات يناير الماضى.
واتخذت مصر طريقاً مماثلاً، حيث حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، خفضت بموجبه القاهرة دعم الوقود وقيمة الجنيه.
وعلى الرغم من ترحيب المستثمرين والشركات بهذه التحركات، إلا أن طبقات الشعب العادية أصيبت بمزيد من الألم بسبب زيادة أسعار المواد الغذائية وارتفاع التضخم إلى ما يزيد على %30.
وفى المملكة العربية السعودية يتخذ ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، نهج متعدد الجوانب لإصلاح الاقتصاد القائم على البترول.
وقام وريث العرش البالغ من العمر 32 عاماً بتقديم وعود للشباب بخلق مجتمع أكثر انفتاحاً واتخذ اجراءات جديدة بما فى ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات.
وسعى أيضاً إلى تضييق العجز المالى عن طريق خفض رواتب القطاع العام وزيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى %127 وإدخال ضريبة القيمة المضافة.
وقالت الصحيفة، إن الجيل القادم فى المملكة سيتعين عليه تخفيض توقعاته بشأن الرواتب والامتيازات ويتوقع المزيد من التنافس على وظائف القطاع الخاص.
وأوضح راجوى أسعد، الأستاذ المصرى للتخطيط والشئون العامة بجامعة «مينيسوتا»، إن مشاكل المنطقة تتفاقم بسبب ضعف القطاع الخاص غير القادر على استيعاب الوافدين الجدد للوظائف وارتفاع وتيرة الباحثين عن عمل مع زيادة معدلات التحصيل العلمى.
أضاف أن الاستثمارات الأجنبية لم تتحقق وفى المقابل دخلت الاستثمارات المحلية إلى مناطق آمنة جدا لا تنتج فرص عمل جيدة مثل العقارات.
وأدرك صندوق النقد الدولى، هذه المخاطر، حيث طالبت كريستين لاجارد، مديرة الصندوق فى يناير الماضى الدول العربية بتسريع وتيرة خلق فرص العمل وحذرت من حالة عدم الرضا العام الذى يتفجر فى العديد من بلدان المنطقة.
أضافت لاجارد، أن 27 مليون شخص سيدخلون سوق القوى العاملة العربية فى السنوات الخمس المقبلة.
ودعى صندوق النقد الدولى، الحكومات العربية إلى الكفاح من أجل جذب الاستثمارات لقطاعات تولد فرص عمل مثل التصنيع وتخفيف حدة الضغوط من خلال إدخال برامج الحماية الاجتماعية لشرائح المجتمع الأكثر فقراً وتغيير نظم الدعم التقليدية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا