منذ مطلع العام الجاري، شهد سعر صرف الدولار أمام الجنيه موجة ملحوظة من التراجعات المتتالية، على فترات قصيرة، وذلك امتداداً للمسار النزولي الذي بدأه في عام 2019، نتيجة عدة أسباب، أهمها، ارتفاع عوائد السياحة، وزيادة تدفقات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تزايد شهية المستثمرين الأجانب، للاستثمار في أدوات الدين العام، نظرا لارتفاع العائد عليها.
وخلال تعاملات اليوم الخميس، سجل سعر صرف الدولار في البنك الأهلي المصري 15.80 جنيها للشراء، و15.90 جنيها للبيع، وفي البنك التجاري الدولي، انخفض سعر شراء الدولار إلى 15.77 جنيها، وسعر البيع سجل 15.87 جنيها.
ولكن بعد تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، هل هناك بعض المتضررين من ذلك؟ وهل البعض الآخر عزز من مكاسبه نتيجة الانخفاض؟
في هذا الاستطلاع الذي أجراه “إيكونومي بلس”، نجيب على هذا التساؤل، ونتعرف على آراء المختصين حول القطاعات الأكثر استفادة من ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، والأخرى المتأثرة سلبا، لا سيما أن معظم آراء المختصين مالت إلى استفادة جميع القطاعات الاقتصادية من تراجع الدولار، لما لذلك من انعكاس مباشر على معدل الإنتاج وانخفاض تكاليف التشغيل، فيما انحسر الخاسرون من تراجع الدولار في قطاعي التصدير والبورصة.
كيف سيتأثر القطاع المصرفي؟
يقول نائب رئيس بنك القاهرة، حازم حجازي، إن جميع القطاعات الاقتصادية مستفيدة من صعود الجنيه أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية الأخرى، موضحا أن استمرار الجنيه في رحلته الصعودية، يعزز من أداء الاقتصاد المصري بوجه عام.
وأضاف حجازي، أن البنك المركزي قد عاود في نوفمبر من العام الماضي استئناف سياسة التيسير النقدي، وذلك بعد أن تمكن من كبح جماح التضخم، وخفضه إلى مستوى أقل من مستهدفاته في الربع الأخير من العام الماضي، مؤكدا أن هدف المركزي من الاستمرار في سياسته النقدية التحفيزية، هو تنشيط الاقتصاد القومي، وتحفيز رجال الأعمال على الاقتراض لتمويل الأنشطة الاقتصادية بأسعار معقولة.
ويقول رئيس قطاع الأفراد في بنك الكويت الوطني – مصر، وليد ناجي، إن النطاق الحركي للجنيه المصري أمام الدولار، سواء صعودا أو هبوطها بنسبة 10%، لا يؤثر على أداء أو أرباح القطاع المصرفي، مشيرا إلى أن البنوك لديها القدرة المالية للتعامل مع تغيرات الأسعار اللحظية للعملات المختلفة مقابل الجنيه، وهو الأمر الذي يدعم مستوى الاستقرار في القطاع المصرفي، فضلا عن استقرار أسعار الصرف.
وأضاف ناجي، أن الانعكاس الوحيد الذي قد يقع على القطاع المصرفي من انخفاض الدولار أمام الجنيه، هو تراجع أرباح المحافظ الدولارية لدى البنوك، موضحا أن قيمة التراجع لن تكون كبيرة، نظرا لأن مستوى الانخفاض لا يزال متواضعا.
وأكد ناجي، أن القطاع المصرفي، كان له دور رئيسي في دعم عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر، خاصة بعد القرار الجريء الذي اتخذه البنك المركزي بتحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، وهو القرار الذي ساهم بشكل قطعي في اختفاء السوق السوداء، وتحديد سعر موحد لصرف الدولار.
ويؤكد رئيس قطاع تمويل المشروعات المتوسطة ببنك التنمية الصناعية، السيد فتح الله، على أن انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه يدعم القطاع المصرفي بشكل كبير، معللا ذلك بأن تراجع سعر الدولار سيفتح شهية المستثمرين للاقتراض لتوسيع عملياتهم الاستثمارية، وزيادة حجم أعمالهم، بالإضافة إلى تنشيط حركة الإنتاج في القطاع الصناعي، حيث يعد أكثر القطاعات استفادة من تراجع الدولار، بسبب انخفاض قيمة مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج، الأمر الذي يسهم في تعزيز ربحية القطاع وزيادة صادراته.
وأوضح فتح الله، أن تراجع الدولار يدعم أرباح القطاع المصرفي خلال الفترة القادمة، مشيرا إلى أنه منذ بدء موجة صعود الجنيه، تشهد البنوك زيادة ملحوظة في محافظ الإقراض، لارتفاع عمليات تمويل المشروعات بالجنيه، سواء شركات أو مصانع، مضيفا، أن انخفاض أسعار الفائدة أيضا يرفع من مستوى أرباح القطاع، ويدفع بالصادرات المصرية إلى مستويات غير مسبوقة.
وقالت مؤسسة “seeking alpha” للأبحاث، إن الاستثمار في البنوك هو أحد أفضل الطرق للتعرف على النمو الذي حققته مصر خلال الفترة الماضية، إلى أن القيمة السوقية لبعض أكبر البنوك في مصر لا تزال متواضعة مقارنة ببنوك الأسواق الناشئة الأخرى، إلا أن النمو الاقتصادي في مصر تفوق على جميع البلدان في السنوات الأخيرة.
العقارات المستفيد الأكبر
صرح رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، المهندس طارق شكري، إن القطاع العقاري يعد أكثر القطاعات استفادة من تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه، وذلك لعدة أسباب، أهمها، انخفاض تكلفة أعمال الإنشاء والبناء، مشيرا إلى أن قيمة تكلفة البناء الناتجة على وجود سعر صرف مرتفع، كانت تضاف إلى أسعار الوحدات العقارية، وهو المر الذي يغير من قيمة العقار.
وأضاف شكري، أن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، يعزز من القدرة الشرائية للمصريين بالخارج، وأيضا العرب والأجانب، خاصة وأن فرصتهم في الاستثمار العقاري كانت كبيرة خلال الفترة الماضية، وهو ما فتح المجال أمامهم لزيادة استثمارهم في القطاع العقاري، لا سيما بعد أن أثبتت التجربة على المدى المتوسط، تحقيق المستثمرين في القطاع لأرباح جيدة، الأمر الذي سيشجع المستثمر خلال الفترة الحالية على اتخاذ قرار الاستثمار العقاري، وهو يعد أحد أهم المحفزات للقطاع.
وأوضح رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، أن ديناميكية الاقتصاد بشكل عام، وتحسن أداء المؤشرات الاقتصادية، من تراجع لمعدلات التضخم والبطالة، وتقليل عجز الموازنة، وارتفاع معدل النمو، جميعها تدعم من فرصة التوسع لدى المستثمرين، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة، مشيرا إلى أن القطاع استطاع ان يحقق معدل ربح جيد خلال عام 2019، ومن المتوقع ان يستمر في التحسن خلال 2020.
وتقول محلل قطاع العقارات بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية – مصر، سارة ماهر، إن معظم شركات التطوير العقاري قامت بزيادة الأسعار لتُبقي على هوامش ربحيتها بعد فترة وجيزة من نوفمبر 2016، عندما قام البنك المركزي بتعويم الجنيه، وحينها قام العديد بشراء العقارات للتحوط ضد ارتفاع الأسعار بعد عملية التعويم، معتبرين ملكية المنازل فرصة استثمارية مستقرة، مما أدى إلى ارتفاع مبيعات شركات التطوير العقاري.
وأوضحت أن انخفاض قيمة الدولار، قد يمنح بعض الشركات الفرصة لزيادة هوامش ربحيتها، حيث أن تكلفة البناء قد تقل، بينما لا تزال أسعار البيع في السوق الأولية مرتفعة، وذلك في حال بقيت أسعار الأراضي ثابتة.
من ناحية أخرى، فإن حركة سعر الصرف ستؤثر على الشركات بشكل غير مباشر، فعلى سبيل المثال شركة أوراسكوم للتنمية سجلت أرباحاً من فرق سعر العملة، حيث أن 80 % من الديون القائمة على الشركة مقومة بالدولار.
السياحة مرنة في التعامل من حركة العملة الخضراء
وتحدث نائب رئيس لجنة السياحة، بجمعية رجال الأعمال المصريين، محمد منتصر، عن صعوبة القول بأن القطاع السياحي مستفيد أو متضرر بشكل كامل، من ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، مشيرا إلى أن القطاع يتمتع بمرونة في التعامل مع أسعار الصرف، وهو المر الذي يعزز من مسألة التوازن في أداء القطاع.
وأوضح أن انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار يعزز من تنافسية المنتج السياحي المصري، حيث أن ارتفاع سعر الدولار يسهم في جذب المزيد من الوفود السياحية إلى مصر، نظرا لانخفاض أسعار المنتجات السياحية حال تقييمها بالعملات الأجنبية.
وفي المقابل، فإن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار يسهم في خفض تكاليف التشغيل وآليات الإنتاج، حيث أن معظم مدخلات الإنتاج في القطاع السياحي يتم استيرادها من الخارج.
وأوضح منتصر، أن من أهم التحديات التي يواجهها القطاع حاليا، هي ارتفاع قيمة اتوبيسات النقل السياحي، لذلك فإن انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه يسهم في خفض تكلفة استيراد الاتوبيسات، وهو الأمر الذي يعزز من ارباح القطاع، ويساعد على تجديد أسطول النقل السياحي.
وأشاد نائب رئيس لجنة السياحة في جمعية رجال الأعمال بالمصريين، بالمبادرة التي أطلقها البنك المركزي لدعم قطاع السياحة بقيمة 50 مليار جنيه، مؤكدا أن مردودها على القطاع سيكون كبيرا ومفيدا خلال الفترة المقبلة.
ووفقا لبيانات البنك المركزي، حقق قطاع السياحة قفزة في الإيرادات خلال عام 2019، لتصل إلى 12.6 مليار دولار، وهي الأعلى منذ عام 2015.
وفي مطلع العام الحالي، أعلن البنك المركزي المصري عن مبادرة جديدة لدعم قطاع السياحة بقيمة 50 مليار جنيه، وبفائدة متناقصة 10%، وذلك استكمالا للمبادرات الخاصة بالقطاع السياحي ودعم الشركات والمنشآت السياحية المنتظمة التي ترغب في إحلال وتجديد فنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل السياحي.
الصادرات والواردات
قالت الرئيس التنفيذي للمجالس التصديرية، مها صالح، إنه رغم تراجع قيمة سعر صرف الدولار أمام الجنيه خلال الفترة الماضية، إلا أن الصادرات المصرية شهدت خلال الفترة الماضية زيادة ملحوظة، وهو ما يدل على زيادة نسبة مساهمة القيمة المضافة في الصادرات المصرية خاصة المكون المحلي والتكنولوجيا والعمال المدربة، بالإضافة إلى الابتكار والتسويق.
وأوضحت مها، أن ارتفاع أو انخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري لا يؤثر بشكل كبير على الصادرات أو الواردات، خاصة إذا كان هناك توازن بينهما، وهو ما يأتي من تعزيز مشاركة القيمة المضافة في المنتج المحلي، مؤكدة أن اعتماد الصناعة المصرية على القيمة المضافة بشكل أكبر من المستوى الحالي، يقلل من تأثرها بحركة أسعار الصرف.
ويؤكد رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية، هاني برزي، أن ارتفاع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ينعكس إيجابا على مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة التضخم، لا سيما أن مصر لا تزال تستورد جزءا كبيرا من مكونات الإنتاج الخام من الخارج، وبالتالي فإن ارتفاع قيمة الجنيه أمام مختلف العملات الأجنبية يسهم في المحافظة على مستوى الأسعار، وخفض معدل التضخم.
في المقابل، أوضح برزي أن المتضررين من تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه هم المصدرين فقط، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن تحركات أسعار الصرف لا تزال في النطاق المحدود.
وأكد برزي أن تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه إيجابية في جميع الأحوال، متمنياً أن يشهد الجنيه مزيدا من الصعود خلال الفترة المقبلة، وهو ما يدعم الصادرات المصرية، عبر تقليل تكلفة خامات الإنتاج، وبالتالي يزيد من تنافسية المنتجات المصرية.
وفي العام الماضي، وافق مجلس إدارة صندوق تنمية الصادرات، على الإطار الاستراتيجي العام للبرنامج الجديد لرد الأعباء التصديرية، والذي تضمن
تخصيص نحو 40 % من موازنة البرنامج رد الأعباء النقدية، و30% تسويات وزارة المالية، بالإضافة إلى 30 % دعم غير مادي يشمل الدعم الفني والتكنولوجي.
أدوات الدين العام
وتقول محلل الاقتصاد الكلي في شعاع – مصر، إسراء أحمد، إن توقيت الدخول في الاستثمار ومدى طول أجل الاستثمار، بالإضافة إلى مدى استمرارية ارتفاع الجنيه، جميعها عوامل تؤثر بشكل مباشر على مستوى الاستثمار في أدوات الدين العام، وليست بنفس القدر على الأطراف كافة، لكن بنظرة عامة نستطيع القول إن المستثمرين الأجانب هم أول الرابحين، خاصة من استثمر في أدوات الدين وقت انخفاض قيمة الجنيه، مشيرة إلى أن مستوى استفادة المستثمرين يرتبط بقيمة الجنيه لحظة خروجهم.
وأضافت إسراء، أن الحكومة تعتبر رابحا أيضا من تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه، إذا أُخذ في الاعتبار أن انخفاض قيمة الدولار، وتوقعات استمرار ارتفاع قيمة الجنيه، في حد ذاتها تعد عامل جذب للمستثمرين الأجانب خلال الفترة الحالية والمقبلة، وبالتالي سينتج عن ذلك زيادة في السيولة الدولارية من جهة، ومن جهة أخرى تزايد الإقبال على الأذون والسندات بسبب تراجع العائد المطلوب منها – التكلفة على الموازنة – وبالتالي ستؤثر على قيمة خدمة الدين خلال الفترة التي دخول وخروج المستثمر.
وسلطت إسراء الضوء عامل أن عامل “الخطر” قد يقلب المعادلة، موضحة أن الخطر يتشكل في الاستمرارية القوية للجنيه والتوقعات، وحال حدوث توقعات عكسية في أي وقت، فقد تنقلب الأمور لغير صالحنا.
وطبقا لبيانات البنك المركزي، فإن تراجع سعر الدولار أمام الجنيه جاء نتيجة زيادة ملحوظة في موارد البنوك من النقد الأجنبي، خاصه من استثمارات صناديق النقد الأجنبي في الأسواق المالية المصرية.
بورصة الأوراق المالية
ويقول عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، إيهاب السعيد، إن تعاملات سوق المال تميل إلى الخسارة بسبب ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، وذلك نظرا لتراجع حجم الاستثمارات التي يتم ضخها في السوق بالعملة الأجنبية، موضحا أنه كلما انخفضت قيمة الدولار أمام الجنيه، فإن حجم الإقبال على الاستثمار في البورصة المصرية يتراجع.
وأضاف السعيد، أن هناك بعض الأسهم التي قد تستفيد من ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، خاصة أسهم الشركات المصدرة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن معظم الشركات في مصر تعتمد في إنتاجها على المواد الخام المستوردة من الخارج، أو التجميع المحلي، إلا أن مجمل التعاملات يميل إلى التأثر سلبا بسبب ارتفاع قيمة العملة.
ووفقا للبورصة المصرية، فقد حقق المؤشر الرئيسي خلال 2019 ارتفاعا بنسبة 7.1% مقوما بالجنيه، و19.6% مقوما بالدولار، بينما تراجع مؤشرا الشركات الصغيرة والمتوسطة والأوسع نطاقا، نتيجة لانخفاض عدد الشركات التي تسيطر على المؤشرين.
وبلغت قيمة رأس المال السوقي للأسهم 708.3 مليار جنيه، وسجلت القيمة السوقية للسندات 956 مليار جنيه، وبلغ عدد الشركات المقيدة 244 شركة، موزعة بين 215 شركة بالسوق الرئيسي، و29 شركة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، و130 سماسرة معتمدون، و353 ألف مستثمر.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا