كان التباين فى أداء الأسواق المختلفة معقولاً حيث تضررت الأسهم الآسيوية بقدر أكبر من تلك فى الولايات المتحدة
الأسواق لا تواجه القوى الانكماشية التضخمية المرتبطة بالصدمة الجديدة فقط ولكن تواجه أيضاً قائمة كبيرة من أوجه عدم اليقين
كان رد فعل السوق يوم الاثنين على المخاوف من انتشار فيروس «كورونا» نموذجياً إلى حد كبير ومتماشياً مع التوقعات، ومنظماً تماماً، ومع ذلك، لم يفعل الكثير ليخفى أوجه عدم اليقين طويلة الأجل التى طغت عليها الأسس الفنية القوية خلال السنوات القليلة الماضية، ما تسبب فى أطول وأفضل فترات الصعود للاستثمارات الخطيرة وغير الخطيرة.
وقادت معنويات تجنب المخاطر ردة فعل السوق واللجوء إلى الملاذات الآمنة، ما تسبب فى موجة بيع فى أسواق الأسهم والسلع العالمية بشكل عام، وارتفاع فى التقلبات السوقية، وتحرك ملحوظ لأسفل فى عائدات السندات الحكومية.
وتتماشى تلك التحركات مع التأثير الاقتصادى والمالى الفورى لفيروس «كورونا» ومن بينها الرياح المعاكسة الركودية الانكماشية التى يواجهها الاقتصاد الصينى وعدم اليقين بشأن مدى ونطاق العدوى المحتملة داخل الصين وخارجها.
وكان التباين فى أداء الاسواق المختلفة معقولاً، حيث تضررت الأسهم الآسيوية بقدر أكبر من تلك فى الولايات المتحدة، وتراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة %1.6.
ورغم أن الأسواق الصينية سوف تظل مغلقة حتى 3 فبراير بعد أن مددت السلطات عطلة العام القمرى الجديد، فإن العقود الآجلة فى مؤشر «فوتسى تشاينا إيه 50» فى سنغافورة تراجعت بما يعادل %5.9 يوم الاثنين، وخسرت الأسهم اليابانية مكاسبها فى 2020 بعد التراجع بنسبة %2، وهبطت الأسهم فى تايلاتد بحوالى %3، وهو ما يتفق مع علاقاتهم الوثيقة مع الصين فى جانبى العرض والطلب لمجموعة واسعة من البضائع والتدفقات الاستثمارية والخدمات بما فى ذلك السياحة، كما تأتى الصدمة الركودية التضخمية فى وقت صعب تقليدياً على بعض تلك التعاملات، وفيما يخص السلع، فإن موجة البيع العامة لم تصل إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب الذى ارتفع بنسبة %1.1.
ولكن رغم أن ردة فعل السوق الفورية كانت نموذجية، تلوح الأسئلة طويلة الأجل بشكل أكبر اليوم فى مجتمع المستثمرين والمتداولين، وهو ما يؤكد عليه انتشار العائدات السلبية والارتباط غير المعتاد بين الأسهم والسندات الحكومية فى السنوات الماضية.
وفى الماضى القريب، كانت ردة فعل الأسواق على هذه الصدمات الخارجية يليها نهج متسارع نظراً لأن المستثمرين أصبحوا متمرسين عليه وهذا النهج يتسم فى البداية بتجنب المخاطر وهو ما يخلق فرصة «الشراء فى وقت تراجع الأسعار» وهو اتجاه تزداد حدته نتيجة «الخوف من أن تفوت الفرص»، وكانت هذه الاستراتيجية ناجحة للغاية مؤخراً فى تحقيق المكاسب للمستثمرين، ووفقاً لذلك، تكون موجة البيع قصيرة تعانى فيها الأسماء الأضعف من الأضرار الأكثر دوماً.
وتكرر هذا النهج على سبيل المثال فى عدة أحداث سابقة ودعونا نتذكر كيف استجابت الأسواق للهجوم المفاجئ الذى أخذ نصف القدرة الإنتاجية للبترول فى السعودية فى سبتمبر 2019، وأيضاً الهجوم الصاروخى الأمريكى الذى قتل جنرال إيرانى رفيع المستوى أوائل الشهر الجارى، وبالطبع التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة فى 2018 و2019.
ودعم هذا النهج السلوكى فى السوق عاملين اثنين، الأول الإيمان بأن أسس الاقتصاد والشركات مرنة بما يكفى للإبحار فيما سيكون صدمة خارجية مؤقتة وقابلة للاحتواء أو الزوال سريعاً نسبياً، والعامل الثانى والأكثر أهمية هو الاعتقاد بأن البنوك المركزية لديعا الاستعداد والقدرة على تقديم محفزات من خلال ضخ السيولة المباشرة أو غير المباشرة، والتى تسببت فى ارتفاع التقييمات فوق ما تسمح به الأسس.
ونظراً إلى انه من المبكر للغاية أن نقدر حجم العدوى المالية للفيروس، فإنه من المبكر للغاية أيضاً أن نقول إذا كانت اتجاهات «الشراء فى وقت التراجع» و»الخوف من أن تفوت الفرص» سوف تستمر أم لا، وهذا ليس وجه عدم اليقين الوحيد فى الصورة، فالأسواق لا تواجه فحسب القوى الانكماشية التضخمية المرتبطة بهذه الصدمة الجديدة، ولكنها أيضاً تواجه قائمة كبيرة من أوجه عدم اليقين على المدى المتوسط مثل ضعف آليات النمو الهيكلى، وانحسار العولمة، وفاعلية البنوك المركزية، والتغير المناخى، والاضطرابات التكنولوجية، وتغير التركيبة السكانية، وعملية التنمية الصينية التاريخية.
بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا