لعبت البنوك المركزية حول العالم، دورًا محوريًا في دعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، لمواجهة التداعيات السلبية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا، وذلك من خلال سلسلة من القرارات وحزم التحفيز والتيسير، التي أسهمت في تخفيف من حدة الآثار السلبية على الأنشطة الاقتصادية.
وعلى الصعيد المحلي، قام البنك المركزي المصري، عبر مجموعة من الآليات والأدوات الخاصة بالسياسة النقديه، في وضع تدابير تساعد في تخفيف الآثار السلبية الناتجة عن انشار “كورونا” على الأفراد وقطاع الأعمال، الأمر الذي يؤكد على مدى احترافية “المركزي” في مواجهة هذا التحدي، بحسب وصف خبراء مصرفيين واقتصادين.
وأصدر البنك المركزي، منذ منتصف مارس الماضى، أربعة قرارات وصفت بالمهمة والقوية، للتخفيف من التداعيات السلبية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا.
قرار باستمرارية عمل القطاع المصرفي
من جانبه، قال الخبير المصرفي هانى أبو الفتوح إن هذا القرار الزم البنوك باتخاذ التدابير الوقائية لحماية العملاء والعاملين من العدوى بالفيروس، على أن توافي البنوك “المركزي” بخطة استمرارية العمل.
ولفت أبو الفتوح، إلى إجراءات تيسير الحصول على الخدمات المصرفية من خلال الخدمات المصرفية الائتمانية وتمويل التجارة الخارجية، ومتطلبات رأس المال العامل للشركات، وإجراءات خاصة تضمن كفاءة إدارة النقد في الفروع وماكينات الصراف الآلي، وزيادة الاعتماد على استبدال المسحوبات النقدية بالمبالغ الكبيرة بتحويلات أو شيكات مصرفية، مع اعفاء العملاء من المصروفات البنكية المطبقة على رسوم نقاط البيع والسحب من الصرفات الآلية والمحافظ الإلكترونية لمدة ستة أشهر، ومن شأن هذه الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي الحفاظ على الاستقرار المصرفي والنقدي خلال الازمة.
خفض أسعار الفائدة بواقع 3%
وجاء القرار الثاني بخفض أسعار الفائدة الأساسية استثنائيا بواقع 3% ليصبح سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة عند مستوى9.25% 10.25%، و9.75% على التوالي.
وقال أبو الفتوح أن هذا القرار يهدف إلى تحفيز الطلب على الأموال ما يشجع القطاعات الاقتصادية على الاقتراض، وبالتالي الحفاظ على معدلات التشغيل، وتثبيط معدل البطالة، على الرغم من التأثير السلبي المحتمل على استثمار الأجانب في أدوات الدين المحلي.
كما أصدر البنك المركزي قرارا بشأن تمديد فترة السماح للبنوك باستثناء كل من الأرز والفول والعدس من الغطاء النقدي بواقع 100% وذلك لمدة عام اخر ينتهي في ينتهي في 15 مارس 2021. وهذا القرار يراعي توفير هذه السلع الغذائية الرئيسية بسعر مناسب للمواطنين.
وألزم البنك المركزي المصري البنوك بتأجيل كافة الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والأفراد لتشمل القروض لأغراض استهلاكية والقروض العقارية للإسكان الشخصي، وذلك لمدة 6 أشهر، مع عدم تطبيق عوائد أو غرامات تأخير إضافية على التأخر في السداد.
ويرى أبو الفتوح أن هذا القرار يهدف إلى تخفيف العبء المفروض على عملاء البنوك نتيجة للتأثير السلبي الكبير الناتج عن تفشي فيروس كورونا الذي أثر على عدة قطاعات اقتصادية بدرجات متفاوتة.
ومن ناحية أخرى، أصدر البنك المركزي قرار ينظم لفترة مؤقتة الحدود اليومية لعمليات الإيداع والسحب النقدي بفروع البنوك وكذلك الحد اليومي لعمليات الإيداع والسحب النقدي من ماكينات الصراف الآلي،
وأشار ابو الفتوح إلى ان هذا القرار يعد صائباً في سياق الحد من أخطار انتشار الفيروس من خلال التعامل بالعملات الورقية التي تعتبر وسيط ملائم لنقل العدوى بالفيروس، وهو ما أوصت به تعليمات الصحة والوقاية التي أقرتها منظمة الصحة العالمية.
كما يهدف القرار الى ترشيد المسحوبات النقدية المكثفة تحت ضغط مخاوف غير مبررة من نقص النقود، ما يؤدي الى ضغوط على السيولة في البنوك، بالإضافة الى المصاعب اللوجستية المصاحبة لنقل الأموال من البنك المركزي الي البنوك، ومن البنوك الى فروعها.
وراعى قرار البنك المركزي الحالات التي يتم التجاوز عن الحدود المقررة بما لا يعوق تنفيذ المعاملات المصرفية .
ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تكون فترة تطبيق هذا القرار بمثابة فترة اختبار حقيقية للتحول التدريجي الى مجتمع اقل اعتمادا على النقد، باللجوء الي وسائل الدفع الالكتروني الذي يعتبر أحد اهداف الشمول المالي الذي تسعى الحكومة الى تحقيقه في إطار استراتيجية التحول الرقمي.
فوائد عديدة لقرار خفض الفائدة
وقال محمد عبد العال عضو مجلس ادارة بنك قناة السويس إن قرار عفض الفائدة صائب وموفق وجرئ، وكان اكثر طموحًا وقوة وفاق كل التوقعات , وحقيقة الأمر ان لجنة السياسة النقدية، وبهذا التخفيض الحاسم فد حققت عدة أهداف بسهم واحد اهمها، أن اسعار الفائدة الآن فى حدود تساوى او تقل عما كانت عليه قبل برنامج الاصلاح الاقتصادى والمالي، ومتماشية مع معدل التضخم السارى ومتوافقة مع معدل التضخم المستهدف، ومحفزة لكل القطاعات الإنتاجية فى الاقتصاد القومى للتوسع والنمو بتكاليف تمويل معقولة .
وأكد عبد العال، أن قرار التخفيض، جاء فى وقتة ، والعالم كلة يمر بمشارف أزمة عالمية ، لم تكن فى الحسبان من جراء وباء كرونا، عجز الطب والعلم والاقتصاد حتى الآن على كبح جماحه او قهر تداعياته السلبية والمتشابكة ، وعلى رأسها إمكانية دخول دول العالم فى حالة من الركود ، وانغلاق التجارة الدولية ، وتقلص فرص العمل ، ومنذ امس ومعظم البنوك المركزية فى العالم أخذت ذمام المبادرة وقامت بتخفيض الفائدة على عملاتها (أمريكا واوربا الآن فائدة صفرية ) وكانت مصر معهم حتى تتحرك جميع الدول لدفع عجلة النشاط الاقتصادى تجنباً من الدخول فى حالة من الركود يصعب الخروج منه .
وأشار عبد العال إلى أن خفض الفائدة سيشجع القطاعات الإنتاجية الصناعية المصرية الكبرى ومتعددة الجنسيات وسوف يحفز الاستثمار الاجنبى المباشر على الحضور لمصر رغم الظروف العالمية المحيطة ، من ناحية اخرى ان قرار خفض الفائدة سيكون خير داعم للقطاعات المتضررة اقتصاديا وماديا من أزمة كرونا وعلى الأخص قطاعات وأنشطة الخدمات التى تقدم للناس كالطعام والسياحة والمواصلات .
ونوه إلى أن خفض الفائدة بالطبع تستفيد منه الخزانة العامة فى خفض كلفة الدين العام الداخلي، وعجز الموازنة ، كما ودائع القطاع العائلى لدى البنوك لن تتأثر بالقرار لأنه مازال هناك فارق ايجابى كبير لصالح الجنيه المصرى ومعدل التضخم المحلى وايضا فارق كبير بين الفائدة الحالية على الجنيه و الفائدة على العملات الاخرى المنافسة . وهو ما يدعم استقرار سعر صرف الجنية فى ظل آلية العرض والطلب .
واضاف عبد العال أن لدى البنك المركزى ادوات اخرى مازالت فى جعبته يخرجها فى الوقت المناسب لتحفيز النشاط الاقتصادى ودعم قدرة الدولة على امتصاص صدمات كرونا الاقتصادية و هناك العديد من الخطط ، منها على سبيل المثال خفض نسبة الاحتياطى القانوني لمنح البنوك المزيد من السيولة وهناك حزم المبادرات التى يمكن ان يدعم بها أنشطة بعينها تضررت لأول مرة من تداعيات كرونا لضمان استمرار عرض تلك الخدمات بما يضمن فى المقابل استمرار الطلب المشتق عليها
واشار عبد العال إلى أن احد اهم أسباب الأزمة المالية العالمية 2008 ، هو أن المصارف كانت تفترض ان كل القروض التى تمنحها جيدة ، وكانت تؤجل الاعتراف بخسائر الديون إلى حين وقوعها فعلاً ، وبالتالى لم تاخد مخصصات مقابل إحتمالات تعثر العملاء فى المستقبل ، وبعد انتهاء الازمه، وعيت البنوك المركزية الدرس وألزمت البنوك ان تأخذ مخصصات بنسب معينة ، مقابل الخسائر المحتمل حدوثها فى المستقبل .
وأضاف أنه بالرغم من ذلك فوجئ المشرعين ، ومديرى وواضعى استراتيجيات القياس والتحكم والتحوط فى المخاطر بالهجمة الشرسة من “كوفيد 19″، والتى هزت اواصر محددات ومقررات ومتطلبات ومقاييس التحكم فى المخاطر بكل أنواعها وآخرهم المعيار المحاسبى الدولى رقم 9.
وأشار إلى أن البنوك المركزية فى كل أنحاء العالم أضطرت لاتخاذ إجراءات وتدابير مباشرة وغير مباشرة للتخفيف والتصدي ومحاصرة المخاطر الناتجة من تداعيات أزمة كرونا العالمية. كلٍ وفقاً لإوضاعه وظروفه المحلية ، ودرجة شدة المخاطر التى يتعرض لها .
وأوضح عبد العال أنه منذ بوادر الازمةً اتخذ البنك المركزى المصرى مبكرا مجموعة من المبادرات والحزم التمويلية للقطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتبنى بقوة سياسات نقدية محفزة للاقتصاد بخفض الفائدة، ودعم مراكز الشركات والأفراد المتعثرين، وأجل اقساط وفوائد قروض الشركات والأفراد لمدة تصل الى ستة أشهر، وألغى القوائم السوداء للشركات والسلبية للأفراد ، كل ذلك سعيا لدفع معدل النمو والاحتفاظ بمعدلات التشغيل دون تراجع . وفى نفس الوقت الاحتفاظ بدرجة عالية من الالتزام والشفافية فى الادارة والتحكم والرقابة على المخاطر المصرفية ،
وقال “لن نستطيع ان ننكر ان هناك مخاطر وتحديات جمة ستتولد من تداعيات أزمة كرونا العالمية نتيجة دخول العالم فى موجه متوقعة من الركود الاقتصادى مثل المخاطر الائتمانية ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية ، إلى جانب ذلك ستتولد مخاطر اخرى جديدة ومعقدة مثل مخاطر المدفوعات الالكترونية ومخاطر، العمل عن بعد وهناك ايضاً مخاطر طريفة مثل مخاطر عدم الالتزام بالمسافات الاجتماعية واستخدام الكمامات، ولكن علينا ان نعمل بلا توقف ساعين ان نحقق التوازن بين مخاطر العمل ومخاطر الأمان الصحى.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا