تعد شركة البترول السعودية “أرامكو” شركة عملاقة تمتلك احتياطيات بترول ضخمة، وتولد كميات هائلة من الأموال كل عام من خلال ضخ البترول وبيعه، كما أنها شركة حكومية يرتبط مصيرها بالأسرة الحاكمة فى المملكة، كما أن لديها تاريخاً لبعض الخلط بين رغبات هذه الأسرة والاحتياجات التجارية للشركة، كما أنها أو أنهم معاً – أرامكو والأسرة الحاكمة – يريدون جمع ما يقرب من 100 مليار دولار لتنويع اقتصاد المملكة.
وتتمثل الفكرة المجردة فى أن المستثمرين سيرغبون فى إعطاء «أرامكو» الكثير من الأموال، لتعطيها الشركة إلى الحكومة السعودية، وستستثمر الحكومة الأموال فى صندوق الاستثمار العام، وبالتالى، سيكون للمستثمرين الأجانب حصة فى «أرامكو»، وتقلص الدولة استثمارها فى الشركة وتنوع نفسها من خلال استخدام صندوق الاستثمار العام لشراء حصص مماثلة فى شركات تكنولوجيا صاعدة أو غيرها.
واستناداً إلى هذه الخلفية المبسطة، هل يتعين على «أرامكو» طرح سندات أم أسهم؟ وبالنسبة لى توجد بعض الحجج الجيدة حقاً المؤيدة للسندات، أولاها أن «أرامكو» شركة عملاقة لديها محيطات من احتياطيات البترول وأطنان من التدفقات النقدية، وبالتالى تستطيع، على الأرجح، سداد أى أموال تقترضها، ثانيتها أن «أرامكو» متداخلة بشدة مع الأسرة الحاكمة، وسيصعب التعامل معها على أنها شركة حكومية مستقلة ذات واجبات ائتمانية واضحة تجاه مستثمريها الأجانب، وتتمتع بالحوكمة المطلوبة واللازمة لإدارة تضارب المصالح.
ونوعاً ما، تعد هذه الحالة المثالية لإصدار سندات، فالسند هو بالأساس ترتيب تعاقدى وواضح، أما السهم فهو أمر يتعلق بالثقة والحقوق الائتمانية والملكية المشتركة، فعندما تطرح أسهم، فإنت تقول للمستثمرين: «سوف نأخذ أموالكم، ولا نستطيع أن نعدكم أننا سنعيدها، ولكننا سنكون فى ذلك معاً إذا أبلينا جيداً فستبلون جيداً معنا»، أما عندما تصدر سندات، فإنك تقول للمستثمرين: «سوف نأخذ أموالكم ونعيدها بفائدة، وبخلاف ذلك دعونا وشأننا».
وما أقصده أنه من الأسهل جمع عشرات المليارات من السندات دون أن تبعد «أرامكو» نفسها عن الأسرة الحاكمة أو تلتزم بإدارة نزاع المصالح، أو العمل بكل تلك الشفافية المطلوبة، وإنما تأخذ أموالاً، وتسددها، بهذه البساطة.
وعلى كل حال، كانت تعمل السعودية منذ فترة على الطرح الأولى لـ«أرامكو»، ولكن تعثر الطرح بسبب تردد الحكومة نتيجة مستويات الشفافية المطلوبة والإفصاح القانونى، وحقوق الإدارة للمساهمين، وغيرها مما يتطلبه الإدراج العام فى البورصات الكبرى الخارجية، وبالتالى، فإنَّ الدين هو الخيار الأنسب.
وأوردت وكالة أنباء «بلومبرج» عن مصادر، أن مستشارى ولى العهد محمد بن سلمان يحثون «أرامكو» على إصدار سندات لتمويل شراء حصة أغلبية فى شركة بتروكيماويات من صندوق الدولة السيادى، وأن هذه الصفقة المحتملة قد تتراوح قيمتها من 50 إلى 70 مليار دولار لكل أو جزء من شركة الصناعات الأساسية السعودية «سابك» التى تعد أكبر شركة حكومية مدرجة فى البورصة بقيمة سوقية تبلغ 100 مليار دولار.
وإذا قامت «أرامكو» بطرح أولى للجمهور فسيكون الأمر وكأن الحكومة تبيع أسهمها بشكل مباشر إلى المستثمرين، أما إذا اقترضت، فسوف تعطى الشركة هذه الأموال إلى الحكومة مقابل شىء، وهذا الشىء يبدو أنه «سابك»، وهذا الدين سوف يكون خليطاً من قروض مصرفية وسندات دولية، وهو ما سيفتح حساباتها للتدقيق من قبل المستثمرين، ويبدو أن لا «أرامكو» ولا «سابك» متحمستان للصفقة، مثلما أوضحت المصادر، ولكن الشركات قبلت بضغط من مستشارى الأمير.
ومع ذلك، هناك عيبان لإصدار الديون، الأول أنه لا يخدم هدف التنويع مثلما تفعل الأسهم، فإذا باعت السعودية حصة من «أرامكو»، فهى بذلك تقلل تعرضها لقطاع البترول، أما إذا باعت ديوناً، فيتعين عليها سداد هذا الدين حتى إذا ساءت أحوال «أرامكو»، ولكن العيب الأكبر هو أن كل الأمور المتعلقة بالحوكمة كانت الهدف من الطرح، مثل فتح دفاتر «أرامكو»، ووقوفها على أرجلها بنفسها، وإعطائها هيكل شركة مدرجة حقيقياً، أما بيع الديون واستخدام أمواله للقيام بصفقة غريبة لا تساعد إلا الحكومة السعودية ولا ترغب فيها «أرامكو»، فهو بمثابة خطوة فى الاتجاه المعاكس.
بقلم: مات ليفين
كاتب مقالات لدى بلومبرج ومصرفي سابق في جولدمان ساكس
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا