يبدو وباء «كوفيد – 19 »، بالنسبة للمدير الإدارى لشركة الملابس الرياضية الإيطالية «تكنيكا» فى الصين، ريميجيو برونيلى، كأنه ذكرى سيئة بعد عودة الحياة فى بكين إلى طبيعتها واستعادة المستهلكين لثقتهم.
ويقول برونيلى، إن الفارق بين أوروبا والصين واضح للغاية، فلاتزال مستويات عدم اليقين مرتفعة فى القارة العجوز، ومن المتوقع استمرارها لمدة 6 أو 12 شهرا أخرى على الأقل، فى حين تسود حالة من الثقة فى آسيا، خصوصاً بالصين.
أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن تعليقات برونيلى تُظهر كيف أن الأساليب المختلفة فى التعامل مع الوباء تؤدى الآن إلى اختلافات حادة فى النتائج، فى ظل سير الصين وتايوان واقتصادات آسيا والمحيط الهادئ الأخرى على طريق النمو عام 2020، حتى فى الوقت الذى تعانى فيه الدول، التى أصبح فيها «كوفيد-19» مستوطناً، من انخفاضات اقتصادية حادة.
وتسلط تلك التعليقات الضوء على سؤال مهم فى عام 2021، مفاده: «هل يمكن لشرق آسيا، التى تعتمد تقليدياً على العملاء فى أوروبا وأمريكا الشمالية لتعزيز نموها، أن تصبح بدلاً من ذلك مصدر طلب لبقية الاقتصاد العالمى؟»
ففى الوقت الذى تمتعت فيه أوروبا بانتعاش قوى فى الربع الثالث من العام الحالى، بدأ تعافيها فى فقدان الزخم مع ارتفاع حالات الإصابة بالوباء مرة أخرى فى جميع أنحاء القارة.
ورغم أن العواصم الأوروبية لا ترغب فى إعادة فرض عمليات الإغلاق التى فرضتها من قبل فى مارس الماضى، إلا أنها تبقى القيود على الضيافة والترفيه والسفر.
وقالت الخبيرة الاقتصادية الأوروبية لدى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» البحثية، ميلانى ديبونو: «لا تريد أى حكومة العودة إلى ما كانت عليه فى مارس الماضى، بالنظر إلى التأثير على الاقتصاد، لكن أى قيود ربما تستغرق وقتاً أطول للتخلص منها حتى لا ترتفع حالات الإصابة بالوباء مرة أخرى».
وعلى النقيض من ذلك، قامت دول فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما فى ذلك نيوزيلندا وفيتنام وكذلك تايوان وكوريا الجنوبية والصين، بالسيطرة على «كوفيد-19» عند أدنى مستوياته، ثم حافظت على ضوابط أكثر صرامة ضد احتمالية عودة ظهوره من جديد.
فقد استمرت آسيا فى تعليق السفر الدولى، فى حين استمتعت أوروبا بعطلة الصيف، وأغلقت تايوان حدودها مبكراً وأتبعت ذلك من خلال تتبع المخالطين بطريقة منظمة للغاية وفرض الحجر الصحى والتباعد الاجتماعى للقضاء على بعض التجمعات الأولية.
أما كوريا الجنوبية فكانت أبطأ فى تعليق السفر، لكن الفحوص الجماعية وتعقب المصابين أبقت حالات الإصابة الجديدة عند مستوى يقل عن 100 حالة يومياً، وبالتالى لم يكن أى من البلدين بحاجة إلى فرض قيود الإغلاق.
فى الوقت نفسه، استطاعت الصين قمع الموجة الأولى من الوباء فى مدينة ووهان تماماً، كما أنها تواصل معالجة أى حالة إصابة جديدة بشكل قوى، خصوصاً أن تفشى الوباء فى بكين خلال الصيف أدى إلى فرض عمليات إغلاق محلية صارمة وضوابط على مغادرة المدينة وفحوصات جماعية حتى نجحت البلاد فى القضاء على الوباء.
والآن أصبحت أكبر دولة فى العالم من حيث الكثافة السكانية ومصدر «كوفيد-19» لا تسجل سوى عدد قليل من الإصابات فى اليوم، وكانت النتيجة الاقتصادية لذلك هى أنه أصبح بإمكان الأفراد التصرف وممارسة الحياة الطبيعية دون خوف من الوباء.
وقال الرئيس المشارك للاقتصاد الآسيوى لدى مصرف «أتش.إس.بى.سى» فى هونج كونج، فريدريك نيومان: «فى الأماكن التى رأينا فيها سياسات احتواء الوباء، عاد الناس بسرعة إلى طبيعتهم».
وذكرت «فاينانشيال تايمز»، أن الاقتصاد الصينى ينتعش بشكل عام، وهذا يرجع بشكل كبير إلى البنية التحتية والصادرات، وفيما يخص الاستهلاك، فإن نيومان، الذى أشار إلى تعافى السلع الفاخرة فى الصين بقوة بينما تكافح مبيعات التجزئة، قال إن الاستهلاك متعثر بشكل واضح.
بالإضافة إلى تجنب تضرر الطلب المحلى من الخوف المستمر من «كوفيد19-»، الذى يؤثر على اليابان وأوروبا والولايات المتحدة، استفادت المدن الصناعية فى آسيا من التحول إلى السلع الاستهلاكية بدلاً من الخدمات، كما تتمتع الاقتصادات الصناعية فى ألمانيا وشمال إيطاليا أيضاً بهذا الاتجاه.
وانتشر الطلب العالمى الشديد على السلع الطبية، مثل الأقنعة والملابس الطبية، ولوازم العمل من المنزل، مثل الحواسيب الشخصية، عبر سلاسل التوريد الآسيوية.
ونظراً لأن أوروبا وأمريكا الشمالية توفران نقوداً للعمال الحاصلين على إجازات مؤقتة، فإن الاقتصادات الآسيوية المفتوحة للأعمال التجارية هى التى يمكنها تلبية طلبها على السلع المصنعة.
لكن هذا الأمر يتركنا أمام مشكلتين كبيرتين، أولهما أن نجاح آسيا يعتمد على إيجاد لقاح فعال لـ» كوفيد-19»، لكن إذا لم يظهر أى لقاح فسيظل السكان الآسيويين عرضة للخطر وقد يتحول النجاح الأولى فى منع انتشار الوباء إلى قيود حدودية دائمة لمنعه من الدخول.
أما المشكلة الثانية فتتمثل فى أن مصدر الطلب اللازم للحفاظ على الانتعاش العالمى فى عام 2021 وما بعده غير واضح، فرغم استمرار تقدم الاقتصادات المحلية فى آسيا، إلا أنها لاتزال تعانى من إغلاق السياحة وتعتمد على الطلب العالمى على السلع.
وفى ظل الشكوك التى تدور حول التحفيز المالى الأمريكى، ربما يبدأ المصنعون الآسيويون فى المعاناة من الركود التقليدى، لكن بالنسبة لبرونيلى، المدير الإدارى فى «تكنيكا»، لاتزال الصين رهاناً أفضل من أوروبا، فانعدام اليقين فى أوروبا يرتبط بشكل أساسى بتفشى الوباء، فى حين أن الصين شهدت انخفاض عدد حالات الإصابة الجديدة إلى الصفر، خاصة فى المراكز الكبيرة، وشهدت أيضا تعامل فعال للغاية مع الوباء، مما يساعد على زيادة الطلب وهو نقطة انطلاق جيدة جداً لممارسة الأعمال التجارية.
ورغم انخفاض المبيعات السنوية لشركة «تكنيكا» بنحو %25 على مستوى العالم خلال المرحلة الأكثر خطورة من الوباء، إلا أن برونيلى يتوقع إنهاء العام بانخفاض المبيعات بنسبة %10 فقط فى الصين.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا