قال بول فولكر، رئيس سابق للاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، ذات مرة، إنَّ ماكينات الصرف الآلى هى الابتكار المالى الوحيد المفيد حقاً، ولكن رواد الأعمال والمصرفيين، اليوم، يتطلعون لإثبات أنه مخطئ.
وكانت وجهة نظر «فولكر» كئيبة إلى حد كبير، ولكن بالنظر إلى المجموعة الكبيرة من ابتكارات شركات التكنولوجيا المالية، والتى لدى بعضها إمكانات تغيير قواعد اللعب، يتعين علينا أن نفكر جيداً فى محددات النجاح. وهناك خمسة اختبارت بسيطة للابتكار المالى الحقيقى، هل هو أرخص؟ هل يوفر خدمة أفضل؟ هل هو أسرع؟ هل متاح للجميع؟ وما تأثيراته الجانبية؟ وسوف تجتاز المدفوعات عبر الهواتف، وأيضاً صناديق المؤشرات وكروت الخصم هذه الاختبارات بمنتهى السهولة.
وخفضت المدفوعات، عبر الإنترنت، تكلفة الدفع بأكثر من %80 و%90 فى بعض الأسواق الناشئة، متجاوزة الأنظمة الغربية، مثل نظام «إم بيزا» الكينى، الذى تبلغ قيمة المدفوعات على شبكته، حالياً، حوالى نصف الناتج المحلى الإجمالى للدولة.
كما أن الابتكارات العظيمة محايدة، ويمكن للمدفوعات عبر الهواتف أن تقلص الاحتيال بقدر كبير، وقررت الشرطة الأفغانية تجريب دفع الرواتب للضباط عبر نظام يشبه «إم بيزا» منذ سنوات عدة، وعندما راجع الضباط المختارون هواتفهم أصابتهم الدهشة، فهم اعتقدوا أن رواتبهم ارتفعت بنسبة %30، ولكن تبين أن رؤساءهم كانوا يختلسون هذه الأموال من رواتبهم التى كانت تدفع نقداً فى السابق.
ولكن بعد 10 سنوات من الأزمة المالية العالمية، يمكننا أن نفكر، أيضاً، فى عدة ابتكارات لن تجتاز هذه الاختبارات، دعونا نرى ما سيكون نتيجة اجتياز الأصول الرقمية مثل بيتكوين لهذه الاختبارات؟
أولاً، «بيتكوين» أبطأ من البدائل التقليدية، ويسغرق تأكيد المعاملة عادة من 10 إلى 20 دقيقة، أما فى بداية العام أثناء فترة الجنون بالعملات الرقمية كان يستغرق إتمام الصفقة من ثلاثة إلى خمسة أيام، وهذا يتناقض بحدة مع «فيزا» أو «ماستر كارد» اللتين تجريان عدة آلاف من المعاملات فى الثانية بتأكيدات فورية.
ثانياً، «بيتكوين» غير عملية، فتقلباتها تعنى أن تحويلها مجدداً إلى دولارات أو أى عملة أخرى غير مضمون، كما أن استخدامها غير عملى بالنسبة لتجار التجزئة عبر الإنترنت؛ بسبب التغيرات السريعة فى أسعارها، ونظراً إلى أن المرتجعات قد تصل إلى %40، وبالتالى لا تزال العملات الورقية لا تتربع على العرش.
وأثبتت الأصول الرقمية أنها غالية إلى حد كبير، خاصة فى الصفقات الصغيرة، وتبلغ رسوم المعاملة العادية حوالى 10 دولارات؛ أى مثل استخدام الشبكات المصرفية، ولكنها أغلى بكثير من معاملات كروت الخصم العادية. وعلاوة على ذلك، لا تضيف الأصول الرقمية شيئاً للشمول المالى، فتقلبات أسعارها وتكلفتها تعنيان أنها لا تفيد المعاملات المحلية، وحتى عبر الحدود؛ حيث إنها الأعلى تكلفة عند إرسال أموال إلى الموطن، وتتبدد فوائدها بالنظر إلى تكلفة تحويلها للعملة المحلية وتقلبات سعرها.
وماذا إذاً عن آثارها الجانبية؟ تعد العملات الرقمية كثيفة الاستهلاك للطاقة؛ بسبب عملية «تعدينها»، وبالنظر إلى أن القطاع المالى يتطلع إلى المزيد من الاستقرار والاستدامة، فإنَّ العملات الرقمية ستكون خطوة كبيرة إلى الوراء. وهذا لا يعنى أن المهندسين الأذكياء وقوة الحواسب الآلية لن يجدوا حلولاً لبعض هذه المشكلات، ولا أن تكنولوجيا التشفير والترميز لن تكون مفيدة فى استخدامات أخرى، ولكن الأصول الرقمية بشكلها الحالى وعدم دعمها بعملة لن تحقق نتيجة مرضية تقدم طريقة أفضل لتنظيم المدفوعات. كما أن النقطة الأوسع هى أن الابتكارات المالية تكون جيدة بقدر ما تحل مشكلات المستهلك، وبقدر ما تعتمد على المعايير المصممة لتضمن صحة السوق، وفى الذكرى العاشرة للأزمة المالية العالمية، لا يزال اختبار ماكينات الصرف لـ«فولكر» تذكيراً جيداً بذلك.
بقلم: هيو فان ستينيز
كبير مستشاري محافظ البنك المركزي البريطاني
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا