ملفات

مهزلة إنجليزية .. الفوضى السياسية تضرب الاقتصاد البريطانى

الاقتصاد البريطاني والخروج من الاتحاد الأوروبي

تعيش بريطانيا حالة عدم يقين سياسية واقتصادية بعد إسقاط مجلس العموم البريطانى بأغلبية كبيرة باتفاق رئيسة الوزراء تيريزا ماى زعيمة حزب المحافظين الحاكم والذى يضع قواعد خروج بلادها من الاتحاد الأوروبى والتأثير على الاقتصاد البريطاني.

وصوت نحو 100 نائب من حزب المحافظين الحاكم ضمن 432 نائباً برفض الاتفاق مقابل 202 فقط وافقوا عليه.
ودعا جيريمى كوربين زعيم حزب العمال على الفور لطلب تصويت فى البرلمان على سحب الثقة من «ماى» على أمل التخلص من منافسته اللدود للأبد والقضاء على مستقبلها السياسى.
وتتعدد السيناريوهات المتوقعة لإيجاد مخرج من الأزمة قبل موعد المغادرة للسوق الأوروبية المشتركة المقرر فى 29 مارس المقبل.
وبحسب التقارير الدولية، فإن التاج البريطانى يواجه أعمق أزمة سياسية مرت عليه خلال 50 عاماً ولا يملك أحد التنبؤ بكيف ستؤول عملية الانفصال عن الاتحاد الذى كانت المملكة المتحدة جزءاً منه منذ عام 1973.
الملف التالى يناقش تصورات مسار الأحداث وتداعيتها فى الشارع البريطانى.

6 سيناريوهات عقب رفض مجلس العموم لاتفاق الانفصال عن أوروبا

فى بداية النقاش داخل أروقة مجلس العموم البريطانى، قال 15 عضواً يمثلون نواة التمرد داخل حزب تريزا ماى رئيسة الوزراء «حزب المحافظين الحاكم» إنهم سيصوتون برفض اتفاقها للانفصال عن السوق الأوروبى الموحد، لكن يبدو أنها لم تأخذ هذا التهديد على محمل الجد.
وعلى «ماى» قبل أن تتقبل هزيمة سياسية ساحقة أن تتقبل «خيانة» أعضاء حزبها لها وتوجيه طعنة لمستقبلها السياسى، إذ أنها قد تفقد منصبها للأبد وقد لا تجد الكثير لتفعله حيث ارتفع عدد الأخوة الأعداء لها من 15 إلى 100 نائب محافظ تصدروا قائمة المصوتين بالرفض والذين بلغ عددهم 432 نائباً مقابل 202 وافقوا.
وبحسب الصحف الإنجليزية وفى مقدمتها «الجارديان» و«التيلجراف»، فإن أعضاء من حزب المحافظين قادوا حركة تمرد تسببت فى هزيمة أخرى لـ«تيريزا ماى» عندما انضموا لقوى حزب العمال الداعمة لمطالب تعديل خطة عملية الخروج من الاتحاد الأوروبى.
ويعنى التصويت بلا، أن الحكومة مضطرة الآن للعودة إلى مراجعة جميع الاستراتيجيات الممكنة للخروج بعد رفض مجلس العموم للاتفاق المقترح والتى قد يكون من بينها استقالة الحكومة وفتح الباب أمام فوضى سياسية عارمة ليس فى بريطانيا وحسب بل فى أوروبا بأسرها.
ولم يُسمح بهذا التصويت إلا بعد أن خرق رئيس مجلس العموم جون بيركو للقواعد البرلمانية من أجل إعطاء النواب فرصة للتصويت على الاتفاق وهو الأمر الذى أدى لخلاف علنى غاضب فى قاعة النقاش بينه والأحزاب المتنافسة على المقاعد الحكومية.
وتمثلت المؤشرات الأولية لهزيمة الحكومة فى معركة التصويت، عندما تحرك نواب حزب المحافظين المتمردين لشل صلاحيات الحكومة فى مجال فرض الضرائب فى حالة فشل التوصل لاتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبى فى محاولة للتلويح بخطورة إسقاط الاقتراح الحكومى.
كل ذلك يضيف إلى صورة رئيسة وزراء تفقد بسرعة السيطرة على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وكذلك السيطرة على المجال العام الذى قد يأخذ البلاد إلى انتخابات عامة مبكرة.
وينظر المراقبون فى المسارات الممكنة لإحداث تغيير ما مع اقتراب بريطانيا من نهاية المهلة التى حددها الاتحاد الأوروبى فى 29 مارس المقبل.
وتقدم صحيفة «الجارديان» السيناريوهات الأكثر احتمالاً بعد رفض خطة «ماى».

1. طرح الاتفاق المقترح للتصويت مرة ثانية

ربما يكون السيناريو المحتمل هو إجراء تصويت ثانى على الاتفاق بعد إدخال تعديلات بشرط الحصول على دعم من قبل النواب، وسيتعين على رئيسة الوزراء وضع خطة جديدة للمجلس خلال 3 أيام ومن ثم يتم مناقشة هذه الخطة الجديدة والتصويت عليها فى نهاية المطاف من قبل النواب.
لكن لن يتضح ما سيبدو عليه هذا التصويت قبل الإعلان عنه فقد يختار النواب ببساطة وضع نفس الاتفاق المرفوض أمام البرلمان للتصويت مرة ثانية، وقد يدعم النواب الاتفاق هذه المرة إذا ما شعروا أن عنادهم سيضع البلاد فى مواجهة احتمال تخريبى بدون وجود اتقاق مع الاتحاد الأوروبى لتخفيف الآثار السلبية للانفصال.
كما أنهم قد يخشون البقاء لفترة طويلة فى فوضى إذا تم اللجوء إلى خيار إجراء استفتاء آخر حول الاستمرار فى الخروج أو البقاء بالسوق المشتركة أو ترى الأحزاب المتنافسة أنها غير جاهزة لانتخابات عامة مبكرة، مما يعطى حكومة «داونينج ستريت» الأمل فى أن النواب القلقين يمكن أن يلقوا الدعم خلف برنامجهم.
ومع ذلك، فإن المشكلة مع طرح نفس السؤال مرتين هو أن الأمور تميل إلى أن ما قد تحصل عليه الحكومة هى نفس الإجابة فى المرتين.
وتقول الصحيفة البريطانية أن معظم أعضاء البرلمان يعتقدون أن الاتفاق سوف يتم رفضه ببساطة مرة أخرى ما لم يتم إعادة التفاوض بشكل جوهرى مع الاتحاد الأوروبى حول بنود أفضل.
وحتى الآن يبدو الاتحاد الأوروبى نفسه متردداً للغاية فى التفكير بذلك وإذا استمر هذا الأمر، فسيتعين على تريزا ماى النظر فى خيارات أخرى.

2. إلقاء الكرة فى ملعب البرلمان

إحدى الأفكار التى تكتسب زخماً داخل حكومة «ماى» هى إلقاء الكرة فى ملعب البرلمان ليتحمل المسئولية عن الخطوات التالية وإذا لم يكن هناك فرصة للحصول بالفعل على أى أغلبية مؤيدة لاتفاق رئيسة الوزراء والتأكد من عدم وجود اتفاق، فإن الحجة ستكون أنه يتعين على النواب القيام بمسئوليتهم فى تقديم بديل لإنقاذ البلاد بما يضمن توافق الأغلبية على حلول فعلية.
وفى حال وجد البرلمان نفسه مضطراً لتقديم الحلول للاحتفاظ بثقة الشعب فيه فيمكن أن يأخذ هذا عدة أشكال بناءاً على تعدد وجهات نظر النواب وقدرتهم على جلب الدعم فى البرلمان لمجموعة من الخيارات المختلفة.

3. إجراء استفتاء ثان حول البقاء فى الاتحاد الأوروبى

يتزايد الدعم المتبادل بين الأحزاب بسبب ما يطلق عليه «تصويت الشعب» أو الاستفتاء الثانى لاسيما بين أعضاء الحزب الديمقراطى الليبرالى والنواب العماليين، وكذلك بعض نواب حزب المحافظين البارزين بمن فيهم دومينيك جريف وجو جونسون، ومع ذلك تعارض الحكومة بشدة إجراء استفتاء آخر، وقالت تيريزا ماى إنها ستكون «خيانة كبرى لديمقراطيتنا».
ويعتبر من شبه المؤكد أن حكومة المحافظين لن تقوم أبداً بإصدار أى تشريع يقود لمثل هذه النتيجة خاصة مع انهيار شعبية الحزب فى استطلاعات الرأى ودعاوى إزاحة زعيمته على الفور.
كما أن قيادة حزب العمال على الجهة الأخرى مترددة للغاية فى تأييد تصويت جديد وترى أنه من الصعب القيام بذلك وأنه سيكلف الحزب غالياً فى الانتخابات القادمة مع اهتزاز ثقة الناس فيهم.
ومع ذلك، فإن كوربين زعيم حزب العمال يتعرض لضغوط متزايدة من أعضاء بارزين فى حزبه، بما فى ذلك سكرتير حزب الظل فى الاتحاد الأوروبى، كير ستارمر لتغيير موقفه، كما يلتزم الحزب، بموجب مؤتمر حزب العمال الأخير بترك خيار التصويت الثانى مفتوحاً إذا فشلت جميع الخيارات الأخرى.
وتعتقد حملة «تصويت الشعب» أن دعم كوربين للتصويت الجديد هو السبيل الوحيد الذى يمكن أن يحدث معه نقلة تقود إلى تفعيل هذه الخطوة داخل البرلمان فإذا ظل غير مقتنعاً بذلك فإن فرص إجراء استفتاء ثان قبل خروج بريطانيا تبدو ضئيلة.

4. انتخابات عامة

إذا لم تتمكن تيريزا ماى من عقد صفقة عبر البرلمان، فإن أحد الخيارات المتاحة أمامها هو إجراء انتخابات عامة وقد تضطر لفعل ذلك بطريقة أخرى يمكن أن تحدث مع قيام حزب العمال بطلب تصويت بسحب الثقة بعد فشل حكومتها فى تمرير الاتفاق، لكن ذلك يعتمد على قدرتهم على العثور على أعضاء البرلمان المحافظين الذين يبدون استعداداً للتصويت ضد حكومتهم، وهو أمر غير مرجح.
ويمكن النظر بطريقة أخرى للقضية فقد ترى «ماى» ببساطة أن الدعوة للانتخابات والفوز بها يعد بمثابة تأمين تفويض جديد لاتفاقها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
ومع ذلك يعتقد جيريمى كوربين أنه يمكن أن يضع ضغطًا كافياً على «ماى» لإجبارها على العودة إلى الناخبين فى البلاد بعد فشلها فى الحصول على دعم لاتفاقها من أعضاء البرلمان.
ولن يكون من المستحيل بالتأكيد إجراء انتخابات، ولكن بموجب قانون البرلمانات الثابتة سيتطلب الأمر ما لا يقل عن انضمام 7 نواب محافظين إلى المعارضة لدعم إجراء انتخابات جديدة.
وعاشت “ماى” تجربة كارثية فى الانتخابات العامة التى جرت العام قبل الماضى، حيث فقدت أغلبيتها بمجلس العموم ما يجعل معظم نواب حزب المحافظين يشعرون بالرعب من احتمال إجراء انتخابات لسبب واحد بسيط أنهم قد يخسرون.
لكن وجود احتمال وصول رئيس وزراء اشتراكى راديكالى للحكم كاف لإخافة جميع أعضاء البرلمان من دعم الدعوة لانتخابات عامة مبكرة.
ومع ذلك، فإن الفشل فى كسب تأييد الأغلبية لاتفاق رئيسة الوزراء أو دعم فكرة الاستفتاء الجديد تعنى من الناحية النظرية أن نواب محافظين قد يكونوا مضطرين لدعم رغبة المعارضة لإسقاط حكومتهم.

5. الاستفادة من المادة 50 لتمديد مهلة الخروج

يعارض القاطنون فى «داوننج ستريت» رسمياً تمديد المادة 50 وتأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بعد طلب ذلك من بروكسل، لكن مثل هذه النتيجة أصبحت أكثر احتمالاً، حيث أصبح الوزير مارجوت جيمس أول من يكسر الصفوف قبل التصويت أصلاً ويقول إن الحكومة ستحتاج إذا ما تم رفض اتفاق «ماى» فى البرلمان إلى تفعيل هذا البند.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أن المسئولين الحكوميين كانوا يعبرون عن رغبتهم أثناء المناقشة مع الاتحاد الأوروبى فى الاستفادة من إمكانية التمديد حال رفض البرلمان للخطة المقترحة.
ويتحرك حزب العمال أيضاً تدريجياً نحو دعم التمديد، حيث قال وزير الخروج البريطانى فى حكومة الظل كير ستارمر، إن القيام بذلك قد يكون الآن حتمياً، وحتى قيادة حزب العمال تبدو وكأنها تتحول فى هذا الاتجاه، مع تأكيد المتحدث باسم كوربين على أنه بينما هم الآن يضغطون للتمديد قد يحدث ذلك فعلاً بمبادرة من الحكومة.
ومع ذلك، فقد أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنه لن يمنح المملكة المتحدة ميزة التمديد وفق المادة 50 فى ظروف معينة مثل التصديق على الاتفاق مع الحاجة لاستعدادت معينة أو إجراء انتخابات عامة، أو إجراء استفتاء ثان.
ومن المرجح أيضاً ألا يستمر أى تمديد إلا لبضعة أشهر، مما يعنى أنه لايزال يتعين اتخاذ قرارات حاسمة فى المملكة المتحدة خلال العام الجارى.
ومن المرجح ألا يتم منح تمديد أطول، إلا إذا كان على «ماى» التخلى عن خطوطها الحمراء للتفاوض على ترك الاتحاد الجمركى والسوق الموحدة، وهو ما التزمت مراراً وتكراراً بعدم القيام به.

6. الخروج بدون اتفاق

هزيمة الحكومة فى معركة فرض الضريبة الذى قدمته وزارة المالية أوضح أنه لا توجد الآن أغلبية فى البرلمان تؤيد الخروج بدون اتفاق.
ومع ذلك، وبموجب أحكام المادة 50 ليس هناك حاجة إلى أغلبية لطلب التمديد، لكن عدم التمديد لأى سبب يعنى أن بريطانيا ستكون خارج سوق أوروبا الموحدة بحلول 29 مارس إذا لم يتم الاتفاق على أى شىء.
ويوجد نوعان مختلفان من الخروج بدون اتفاق يتمثل الأول باعتراف الجانبان فى لندن وبروكسل بعدم قدرتهما على توقيع اتفاق، ومحاولة تقليل الفوضى التى ستضرب الشركات والأفراد إلى الحد الأدنى من خلال التوصل إلى اتفاقات جانبية مخصصة بمجالات مهمة مثل مراقبة الحدود وعقود التمويل عبر الحدود.
البديل الثانى هو خروج قوى وصعب للغاية مع عدم دفع المملكة المتحدة لأى أموال، ورفض الاتحاد الأوروبى الصفقات الجانبية.
ومع ذلك، فإن مثل هذه النتيجة غير مرجحة وفقاً لما قاله تشارلز جرانت فى مركز الإصلاح الأوروبى، الذى يعتقد أن المسئولين عن الفوضى سيصبحون قريباً بغير شعبية مع ناخبيهم؛ كما أن رد فعل الأسواق المالية سيكون أكثر تطرفاً، مع ضعف حاد فى قيمة الجنيه الاسترلينى.
وتبقى الحقيقة أنه لن يتم تجنب خروج بريطانيا بدون إتفاق إلا إذا اتخذت حكومة «ماى» خطوات متعمدة لمنعها وحتى الآن، فإن خيار عدم التوصل إلى اتفاق هو البديل الوحيد بعد رفض البرلمان لخطتها، وإلى أن تختلف هذه التغييرات تظل احتمالية خروج بريطانيا بدون اتفاق واقع حقيقى.

ضجيج الطبقة السياسية يرتطم بجدار تجاهل المواطنين

57 % من حزب المحافظين الحاكم يفضلون الخروج من أوروبا دون اتفاق

الناخبون يفقدون الثقة فى القيادات الحكومية والحزبية

تعرضت بريطانيا لتحذيرات عالية المستوى فى الأيام الأخيرة من المخاطر الجسيمة المترتبة على مغادرة الاتحاد الأوروبى دون التوصل إلى اتفاق من بينها فقد مليون وظيفة وانخفاض بنسبة %8 فى الناتج المحلى الإجمالى وكساد فى المصانع بل ونقص بدواء الأنسولين وهروب رأس المال وانهيار الجنيه الإسترلينى.
لكن بحانة «هير آند هاوندز» فى «صنبيرى – أون – تيمز»، فى إنجلترا وهو حى صوت بقوة لمغادرة الاتحاد الأوروبى، قوبلت استطلاعات الرأى حول الخروج من الاتحاد بدون اتفاق بعدم الاهتمام، لكن لم يكن السبب فى أن الرجال والنساء الذين كانوا يحتسون الشراب لم يسمعوا التحذيرات بشأن ذلك بل، لأنهم لم يصدقوها.
وقال ستيف ريدلى، «60 عاماً»، إن الحكومة كذبت عليهم مرات عديدة، وتنبأ أن عمله فى استيراد قطع غيار الدراجات النارية لن يتأثر كثيراً بالخروج من سوق أوروبا الموحد بدون اتفاق.
ويرى ريدلى، أن الأمر سيعنى القيام بالمزيد من الأعمال الورقية وفرز الدفاتر حتى ينتهى الساسة من إيجاد الحلول الملائمة فى النهاية معتبراً أن التحذيرات مجرد أسلوب لبث الخوف بين الناس.
وتقول إلين بارى مراسلة نيويورك تايمز فى لندن فى تحليل لها أن هذا هو المكان الذى تقف عليه بريطانيا وهى على أعتاب واحدة من أكبر الخيارات السياسية فى تاريخها فبعد 3 سنوات من الانتهازية السياسية والمناظرة الحزبية، فإن العديد من الناخبين يتمتعون بثقة أقل فى مؤسسات الدولة.
ويسلّط عدد قليل من التغطيات الاعلامية الضوء على هذا الأمر على أنه خطر مماثل للخروج بدون اتفاق ينظم العلاقات مع الاتحاد الأوروبى خصوصاً التجارية، فالأمر الذى يثير مخاوف المشرعين البريطانيين هى رفض قانون الضرائب حال فشل التوصل لاتفاق ومن بعده رفض مجلس العموم للاتفاق المقترح من قبل حكومة تريزا ماى، مما قد يفتح باباً واسعاً للمغادرة دون اتفاق.
ومع اقتراب موعد الخروج اقتربت بعض أقوى الأصوات المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبى مثل وزير البيئة مايكل جوف بحسب صحيفة «ديلى ميل» من المواقف الأوروبية المتكررة الذى انضم إلى التحذير من ذلك السيناريو.
وسبق وحذرت رئيسة الوزراء المشرعين فى مجلس العموم من أن الإصرار على منح أيرلندا الشمالية وضع قانونى متميز فى الاتفاق المقترح، قد يؤدى إلى تفكك المملكة المتحدة، لكن الكثير من عامة الناس بحسب ما تشير استطلاعات الرأى لا يهتمون بمثل هذه التحذيرات.
وفى الاستطلاعات التى أجرتها «يو جوف» و«بيست» قال %31 من المستطلعين، إنهم يفضلون مغادرة الاتحاد الأوروبى دون التوصل إلى اتفاق إذا ما تم رفض اتفاق «ماى» المقترح مقارنة بـ%36 يختارون اللجوء إلى الاستفتاء الثانى و%16 منهم قال إنه لا يعرف ما الذى يمكن فعله للخروج من هذا المأزق.
وترتفع نسبة عدم تفضيل أى اتفاق إلى %57 بين أعضاء حزب المحافظين البالغ عددهم 124 ألفاً والذين يلعبون دوراً رئيسياً فى اختيار قادة الحزب.
وقال روب فورد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مانشستر، إن تحذيرات الحكومة تراجعت جزئياً لأن «ماى» أعلنت مراراً وتكراراً أن عدم التوصل لاتفاق مع بروكسل أفضل من صفقة سيئة بالنسبة لبريطانيا مضيفاً أنه لا يعتبر الحكومة مصدراً موثوقاً به.
وأشار إلى أن التحذيرات فى الأسابيع الأخيرة متأخرة للغاية ولا يمكن أن تترسخ بمصداقية وسط هذا الزخم السياسى لأن قناعة الأشخاص تحتاج لفترة طويلة فى مثل هذه الأشياء لتصبح مترسخة جداً.
وقال: «كان يجب أن يقولوا هذا الكلام فى يوليو 2016، وكان ينبغى أن يقال من جميع الأطراف والجهات فى ذلك التاريخ»، فى إشارة إلى الاستفتاء الذى انتهى بالتصويت لصالح الانفصال عن أوروبا الموحدة بعد تصويره أزمات البلاد مثل الهجرة ونقص الوظائف وغيرها من هموم الناس.
ويميل المواطنون فى القضايا التقنية العالية مثل تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى على السياسة التجارية إلى تبنى وجهات نظر المصادر التى يثقون بها كما يقول فورد، مثل هؤلاء السياسيين، ومنصات بث الأخبار، والجماعات المدنية ذات الشعبية التى تعكس نظرتهم للعالم.
وتوصل تحليل فورد للآراء البريطانية حول الخروج بدون اتفاق إلى استنتاجين هما أن الخبراء أخذوا المخاطر أكثر جدية من عامة الناس، وكان الرأى مستقطباً على طول خطوط عمل الأحزاب، مما يوحى بأنها كانت متجذرة فى الولاءات السياسية وليست قناعات شخصية، فيما يشبه الولاء للقبيلة.
وقال إنه بمجرد أن يسيطر التفكير القبلى لا يمكن أن يكون هناك أى شخص قادر على السيطرة بشكل جمعى على منطق الجمهور العام وهذا يعد مصدر كبير للقلق، لأن الشىء الوحيد الذى يمكن أن يحرك عملية التصويت على سبيل المثال هو الاتصال الهاتفى وليس إيمان الأشخاص بالعواقب السيئة للخروج التى قد تحدث لهم.
وأوضح فورد، أن البريطانيين قد يجدون صعوبة أكبر فى تصور الانهيار، بعد أن فروا من الاحتلال النازى فى الحرب العالمية الثانية وعاشوا نوع التغيير الجذرى الذى اجتاح أوروبا الشرقية ما بعد الشيوعية.
وتابع أن فكرة أن كل شىء يمكن أن يقع ويتحطم وأن الأشياء الأساسية يمكن أن تتوقف فقط لا يمكن تخيله فعلياً فهناك فكرة مسيطرة تقول أن الجيمع سيكون على ما يرام فى النهاية، لكن الكارثة أنه قد لا يحدث ذلك.
لكن القلق كان منخفضا فى «هيراند هاوندز» داخل قاعة استراحة للعمال خارج ساعات العمل فى مطار هيثرو، على بعد حوالى 15 ميلاً جنوب غرب لندن.
وكانت هذه المدينة موطناً للعديد من الميكانيكيين والفنيين والعاملين فى المطار الذين صوت أغلبهم لمغادرة الاتحاد الأوروبى بنسبة %60 إلى %40، وبحانة فى لندن يتردد عليها عمال بقطاع التمويل من المرجح أن تكون الإجابات مختلفة تماماً.
ويقارن ريدلى بالتوقعات المتصاعدة قبل المهلة التى حددها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بمستوى التوقعات عند الاستعداد لدخول الألفية الجديدة، حيث سارعت الشركات فى جميع أنحاء العالم لتجنب الأعطال التقنية عندما تحولت الأنظمة الرقمية من عام 1999 إلى عام 2000 وظن الناس أن قلب العالم سيتوقف بداية من معامل التحاليل الطبية إلى المفاعلات النووية التى قد تخرج عن السيطرة بحسب الشائعات فى حينها.
وأكد ريدلى، أنه يتذكر أنهم كانوا فى مثل هذه الحالة من الذعر والهلع من أن العالم سينتهى وستتوقف شبكة الكهرباء ولا شىء من ذلك حدث.
وقال سميث وهو ميكانيكى للشاحنات، إنه نادراً ما شارك فى عملية تصويت طوال حياته، لأنه كفرد من الطبقة العاملة لا يعتقد أنه يمكنه الوثوق بأى من السياسيين، ولكن فى اليوم الذى صوت فيه على ترك الكتلة الأوروبية خرج لأنه عاش لحظة نادرة من الإيمان فى النظام لن تتكرر.
أضاف أنه سيتكيف مع مشاكل مثل التأخير فى الطيران والسفر عبر الحدود فإذا كانت قائمة الانتظار أطول قليلاً من الأخرى فهذا جيد فعليهم فقط الانتظار قليلاً فقط وهذا ليس بكارثة من وجهة نظره ففى النهاية لا يملك سوى التجاهل فلا أحد يستطيع أن يقول ما الذى سيحدث لأنه ببساطة لا أحد يعرف.

حدود أوروبا مغلقة فى وجه الشركات البريطانية

لاتزال بريطانيا مشلولة سياسياً، لكن الشركات تمضى قدماً وتستعد لاحتمال أن تتعطل البلاد وتخرج من التكتل الأوروبى بدون اتفاق فى نهاية مارس ما يعنى إغلاق حدودى ولو مؤقتاً.
وقالت شركة هوندا اليابانية لصناعة السيارات التى تنتج نحو 150 ألف سيارة سنوياً فى مصنعها بـ«سويندون» جنوب غرب إنجلترا إنها ستوقف الإنتاج لمدة 6 أيام فى شهر إبريل لتقييم سلسلة التوريد والاضطرابات المحتملة من تعطيل المرور عبر الحدود بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
أضافت الشركة، أن موظفيها البالغ عددهم 4 آلاف موظف سيذهبون للعمل، لكنهم سيقضون الوقت فى الخضوع للتدريب أو القيام بأعمال الصيانة، وأعلنت شركة «بى إم دبليو» بالفعل أنها ستغلق مصنعها المصغر فى أكسفورد لإجراء الصيانة لشهر واحد ابتداءً من الأول من أبريل فى حال تسبب عدم التوصل إلى اتفاق فى تعطيل إنتاجها.
وكانت «هوندا» هى الشركة الأكثر شهرة التى جعلت خطط الطوارئ الخاصة بها معروفة وقد شهدت الزيارة الدبلوماسية لـ«شينزو آبى» رئيس وزراء اليابان إلى لندن للاجتماع برئيسة الوزراء «تيريزا ماى» مناقشة هذا الملف معرباً عن أمله أن يتم تجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بهذه الطريقة.
الشركات اليابانية الأخرى أيضاً لا تنتظر أخبار مطمئنة، حيث قال «كوجى تسوروكا»، سفير اليابان فى بريطانيا لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» إن هناك استعدادات جارية لم يفصح عنها مضيفاً أن الشركات اليابانية مستعدة لجميع الاحتمالات.
وإذا تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبى دون أى صفقة، فإنه يمكن أن يعيث فساداً بقطاع التصنيع فى الوقت الذى يعتمد على البضائع التى تعبر الحدود البريطانية من فرنسا والوصول إلى المصانع فى غضون دقائق لمرحلة التجميع النهائى.
وهذه الميزة التى جعلت الشركات فى بريطانيا باقية على قيد الحياة فى هذه البيئة التنافسية للغاية، فإذا لم يعد ذلك متاحاً، فيجب بالطبع التفكير ملياً فى كيفية الاستمرار فى العمل.
كما تم نصح شركات التجزئة بالإعداد للأوقات المضطربة، حيث قالت شرطة العاصمة، إنهم كانوا ينصحون المتاجر بالنظر فى توظيف المزيد من الأمن فقط فى حالة تسبب النقص الناتج عن خروج بدون اتفاق فى اندفاع المتسوقين لشراء احتياجاتهم.
وقالت الشرطة فى بيان أرسل بالبريد الإلكترونى، إن هذه النداءات من أجل تقليل طلبات حضور الشرطة لتنظيم أى حشود أو طوابير كبيرة فى المحلات التجارية وكجزء من التزامها المدنى الاعتيادى فى التواصل مع الشركات.
وفى ما ثبت أنه جهد غير مقنع لتهدئة القلق العام، أجرت الحكومة البريطانية تمرينًا لاختبار كيفية إدارة الانقطاع على الحدود، وقدمت لشركات الشاحنات نحو 700 دولار لكل شاحنة لجمع مركبات فى مطار مارستون، على بعد 20 ميلاً إلى الغرب من ميناء دوفر، حتى تتمكن من اختبار مدى فعالية إدارة النسخ الاحتياطية إذا ما اضطرت السيارات للتكدس على الحدود مع أوروبا للخضوع للتفتيش الجمركى.
وظهرت 89 شاحنة فقط مقارنة بـ150 شاحنة مطلوبة وتم الاستهزاء بالعملية على نطاق واسع وكانت روايات الأخبار الإذاعية والتليفزيونية مليئة بالتعليقات من أشخاص غاضبين من لعبة الانتظار.
وقال إيان أندرسون، الرئيس التنفيذى لشركة سيسرو، وهى شركة استشارية إن الضغط الوحيد الذى يجرى الآن هو من خلال موجات الأثير، ليوضح للسياسيين وللحكومة أنه يتعين عليهم تسوية هذا الأمر، وأضاف أنه كلما استمرت هذه الدراما السياسية كلما أصبحت المملكة المتحدة أقل جاذبية بالنسبة للمستثمرين.

 

الاقتصاد البريطاني

فوضى الحسابات المعقدة لمغادرة التكتل الأوروبى تهز البريطانيين

لا توجد شروط جيدة للمغادرة فى مواجهة ارتفاع الأسعار والبطالة

لا تنطوى معظم تفسيرات خروج بريطانيا على الكثير من الرياضيات كما يقول البريطانيون، لكن المعادلات الرياضية المعقدة لحسابات الخروج من الوحدة الأوروبية على وجه الخصوص خلقت صعوبة لدى الناس فى فهم الاحتمالات المترتبة عليها، مما لعب دوراً مهماً فى خلق الفوضى التى تعيشها البلاد.
ويشير ديفيد ليونهارديت فى مقاله بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أنه فى عام 2013، كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يتطلع إلى حملة إعادة انتخابه ويحاول تجنب خسارة الكثير من الناخبين لصالح حزب سياسى مناهض للاتحاد الأوروبى وهو حزب المحافظين الحاكم حالياً.
لذا فقد وعد فى حال إعادة انتخابه بإجراء استفتاء حول ما إذا كانت بريطانيا ستظل فى الاتحاد أم لا، وقال إن الاستفتاء سيكون أمامه خيار فقط فى الداخل والخارج بأن يكون ملزماً.
عندما أوفى كاميرون بالوعد كان هو ومستشاروه يعتقدون أن الاستفتاء حيلة لخفض المخاطر نسبياً للتعامل مع مشكلة سياسية قصيرة الأمد، كما أوضحت صحيفة التايمز البريطانية فى وقت لاحق. ويعتقد جميع المحللين السياسيين تقريباً أن فرص التصويت بنعم فى الاستفتاء كانت أقل من %50، أما كاميرون إلى جانب الكثير من حزب المحافظين البريطانى فقد ارتكبوا خطئاً كلاسيكياً فى تقييم معادلة الاحتمالات بتقريب نسب التوقعات.
وخلط القادة السياسيون بين مجرد وجود احتمال معين وبين استحالة افتراضية حدوثه، مهددين بالضرر الهائل الذى قد يحدثه تصويت «نعم»، لكن ذلك لم يجد نفعاً وعلى العكس جاء التصويت بـ«لا» مما ترك بريطانيا في وضع بائس فلا توجد طريقة جيدة للبقاء فى الاتحاد الأوروبى، كما أن عدم المغادرة من شأنها أن تكسر الوعد الأساسى للاستفتاء بالقبول بأى نتيجة واعتبارها ملزمة.
لكن مغادرة الاتحاد تفرض أعباء كبيرة على بريطانيا، من حيث تكاليف المعيشة المرتفعة وفرص العمل وهذا هو السبب فى أن البلاد تواجه مثل هذا الوقت العصيب فى اتخاذ قرار بشأن الشروط المحددة لعملية الخروج حيث لا توجد شروط جيدة.
ودشن المدافعون عن «نعم» حملة من خلال تقديم وعود غير واقعية مما جعل البلاد تواجه الآن حقيقة أقل لطفاً تماماً مما يعنيه تطليق الاتحاد الأوروبى.
كان من الممكن تجنب كل هذا لو أن حكومة كاميرون قد أخذت على محمل الجد احتمالية تمرير الاستفتاء، فالتصويت بـ«لا» بنسبة %40 أو %20 أو %10 أو حتى %3 لا يختلف كثيراً عن %الصفر عندما تكون عواقب الحدث كارثية.
وجاء تصويت البرلمان البريطانى على خطة رئيس الوزراء تيريزا ماى فى ظل تقييم عام لها بأنها أقل تشدداً مما يطلب وبينهم العشرات من زملائها فى حزب المحافظين ولذلك سبقت التوقعات نتيجة التصويت بأن تفشل عملية تمريره، لكن هذه الخسارة القريبة قد تمكنها من السعى للحصول على شروط أفضل قليلاً من الاتحاد الأوروبى بينما الخسارة الكبيرة بسحب الثقة مثلاً تخلق المزيد من الاضطراب السياسى.
وقال روبرت شريمسلى قبل التصويت برفض اتفاق ماى لصحيفة فاينانشيال تايمز، إن الهزيمة الأولى برفض قانون الضرائب بشرت بفشل تمرير خطة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حيث تم الانتهاء من تقيمها بشكل شامل للغاية من قبل مجلس العموم.
أضاف أن أعضاء البرلمان يكادون يشعرون بالشفقة حول ما يمثله الرفض الأكثر زعزعة لأى رئيس وزراء فى العصر الحديث.
كما كتب يوخين بيتنر فى صحيفة نيويورك تايمز «يبدو من الممكن أن كل هذا سيحدث بأسوأ طريقة ممكنة، دون ترتيب بين بريطانيا والاتحاد حول كيفية إدارة عملية الانفصال».
وتجادل بولى توينبى من صحيفة الجارديان حول إمكانية التوصل لحل وسط مثل إجراء استفتاء ثان فبغض النظر عن ذلك لا تبدو نهاية لهذا الاضطراب فى الأفق بل قد يتسع الصراع إلى ما يشبه حرب أهلية تستمر على مدى جيل، لكن مجلة «إيكونوميست» البريطانية تفضل إعادة التصويت على القانون مرة ثانية.
وترى صحيفة «ذى تليجراف»، التى تطلب وضع اتفاق خروج قوى أن الرفض البرلمانى بأعداد كبيرة كافى لقتل اقتراح ماى لأن الرفض المحدود سيجعلها ذات حجة فى إعادته للتوصيت داخل مجلس العموم حتى تنجح فى تمريره.

المصدر: جريدة البورصة

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية