كانت هناك أوقات فى منتصف العقد الماضى عندما كان الجنيه الاسترلينى يساوى 1.4 يورو، وخلال معظم الوقت منذ ذلك الحين، كان السعر يحوم حول 1.1 يورو، ما الذى يمكنك فعله، باعتبارك مؤيداً لبقاء بريطانيا جزءا من الاتحاد الأوروبى، بخلاف تحية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لتقريبنا أكثر من إخوتنا وأخواتنا الأوروبيين؟ الابتهاج بأن الحلم النهائى، حلم التكافؤ، ما زال على قيد الحياة.
يا لها من دولة قارية أصبحت بريطانيا منذ خروجها من الاتحاد الأوروبى، ويا له من مشروع خروج أوروبى مخادع يتحول إلى حقيقة. تحت المشاجرات السطحية – حول اللاجئين وحول أيرلندا الشمالية – كان هناك تقارب مستمر عبر القناة. يعد المسار الأجدث للعملتين مقابل الدولار هو المثال الأكثر لفتاً للنظر، ولكنه ليس الأكثر عمقاً.
وإنما الشيء الأعمق هو احتضان بريطانيا لحكومة كبيرة. فى عام 2028، من المتوقع أن يكون عبئها الضريبى – الإيرادات المالية كحصة من الناتج القومى – أعلى بخمس نقاط مئوية مما كان عليه فى عام 2016. ولا بد أن الديمقراطيين الاشتراكيين فى القارة يشعرون بالغبطة من هذه المحاكاة المخلصة لنموذجهم. لم تحدث الزيادة الضريبية منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ولكن بسببها جزئياً. بعد أن خسرت بعض النمو الاقتصادى من خلال الإضرار بالتجارة مع أقرب وأكبر سوق لها، يتعين على المملكة المتحدة أن تفرض ضرائب أكثر لتمويل نفس المستوى من مخصصات الدولة.
هناك تناقض هنا يستطيع مؤيدى الخروج مناقشته فى أوقات فراغهم. كانت بريطانيا فى أكثر مراحلها ليبرالية و«أنجلو سكسونية» داخل المشروع الأوروبى، وانخفض العبء الضريبى إلى %28 فى عام 1994، عندما كانت الأمة عضوًا ليس فقط فى أى اتحاد أوروبى، وإنما ذلك الذى يديره جاك ديلور، الذى اعتبرت الصحف البريطانية أن مفوضيته الأوروبية بمثابة مناصر للاشتراكية، وخارج هذا النادى شعرت بريطانيا بيد الحكومة أكثر من أى وقت مضى، وفى الستينيات، كان العبء الضريبى فى المملكة المتحدة مرتفعاً مثل عبء الدول الاسكندنافية، والآن هو يرتفع مرة أخرى.
كانت هناك، ولا تزال، حجة قومية أو تقليدية سليمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. تسمح السيادة الرسمية لبريطانيا بدعم الصناعات المحلية وإجراء تخفيضات حادة فى الهجرة، ولم تحدث هذه الأشياء، بالطبع ، إلى حد كبير لأنها أفكار مروعة. لكن الاحتمال المفاهيمى كان موجودًا.
لكن ما لم يكن موجودًا أبدًا هو حجة سليمة ليبرالية أو سوق حرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لم تكن هناك فرص كافية فى أماكن أخرى من العالم لتعويض التجارة الأوروبية المفقودة. لم يكن هناك ما يكفى من لوائح الاتحاد الأوروبى التى تقوض النمو، ويجب الضغط على السياسيين من أصحاب العزم المؤيد للسوق والذين صوتوا لصالح الخروج ليقولوا ما الذى اعتقدوا أنهم يفعلونه حقاً، والسؤال يعود فى جميع الأحوال: هل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى يجعل مشكلاتها أفضل أم أسوأ؟
وبفضل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى جزئيا أصبحت الدولة تعمل على تطوير نظام حكم يشبه إلى حد كبير الديمقراطية الشابة فى منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتتبنى عبء ضريبى يشبه إلى حد كبير عبء السوق الاجتماعية فى بلدان الشمال الأوروبى وعملة تشبه إلى حد كبير العملة الأوروبية الموحدة.
بقلم: جانان جانيش، كاتب مقالات رأى ومحرر مشارك فى «فاينانشال تايمز».
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا