من فترة لأخرى، يأتى أسبوع تصدر فيه بيانات كثيرة، من المفترض أن تؤثر تأثيراً كبيراً على الأسواق، ولكنها لا تفعل، وذلك يعود إلى عدم اهتمام المستثمرين والمتداولين سوى بقدر السيولة التى تضخها البنوك المركزية.
والأسبوع الحالى هو أحد تلك الأسابيع، وهو أمر سيتسبب فى استمرار الإحباط لهؤلاء الذين يركزون على الأسس الاقتصادية.
وستبدأ سلسلة البيانات المؤثرة، اليوم الثلاثاء، مع إصدار نتائج مؤشر مديرى المشتريات فى الصين، وستسلط هذه الأرقام الضوء على الضغوط التى
تواجه الاقتصاد الصينى، والتى تتمثل فى قوتين جاذبتين فى اتجاهين مختلفين، الأولى هى الحاجة الفورية لتدابير تحفيز أكبر والثانية هى الحاجة طويلة الأجل لتغيير محركات النمو، وستتعارض الرسالة التى ترسلها بيانات مؤشر مديرى المشتريات الصينى، على الأرجح، مع أهم وأبرز البيانات الاقتصادية الأمريكية وهى تقرير الوظائف الذى سيصدر يوم الجمعة المقبلة.
وقد يظهر تقرير الوظائف الأمريكى استمرار النمو فى العمالة، وزيادة الأجور بنسبة تزيد على %3، وهو ما سيؤكد على رسالة التقديرات الأولية لنمو الناتج المحلى الإجمالى الصادرة الأسبوع الماضى، والتى تؤكد على أن المستهلك الأمريكى لايزال محركاً مهماً وموثوقاً للاقتصاد، وسيسلط الاختلاف فى بيانات الدولتين، الضوء على استمرار التباين بين الاقتصادين ذوى أكبر أهمية نظامية، وهذه الحقيقة دفعت قيمة الدولار لأعلى، كما أثرت على النهج المتشدد لأمريكا تجاه السياسة التجارية.
وعندما تتواصل المفاوضات التجارية فى بكين اليوم الثلاثاء، يمكن أن نتوقع أن تواصل الولايات المتحدة الضغط لصالحها، ولكن أفضل ما يمكن أن يظهر من هذه المحادثات هو تمديد الهدنة التجارية بما يسمح بتجنب المزيد من التعريفات الأمريكية والقيود التجارية على الشركات الصينية.
وفى ظل الاحتمالات الضعيفة بتحقيق انجاز ما فى المفاوضات أو حتى انهيارها، فعلى الأرجح سيقوم الاحتياطى الفيدرالى فى اجتماع لجنة السوق المفتوح غداً الأربعاء، بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وستتسم لغة «الفيدرالى» بإبقاء الباب مفتوحاً للمزيد من التدابير التطمينية فى الشهور المقبلة، وهو ما سيؤكد على التحول الكامل فى الموقف السياسى للفيدرالى فى الشهور الأخيرة.
وسيحبط قرار «الفيدرالى»، الأسواق التى تريد خفض الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس، لتعزيز أسعار الأسهم أكثر لتحطم مستوياتها القياسية، ولتنخفض أكثر أسعار الفائدة المنخفضة بالفعل، وسيحير ذلك الاقتصاديين التقليديين الذين يحبون أن يروا أفعال «الفيدرالى» يقودها المنطق الاقتصادى.
وكشف رئيس البنك المركزى الأوروبى، ماريو دراجى، بشكل عفوى فى مؤتمر صحفى يوم الخميس الماضى، أن صناع السياسة بعيدون كل البعد عن الاتحاد، وأن الكثيرين لا يشعرون بالراحة بشأن قيادة الأسواق للبنوك المركزية نحو تحركات غير مدعومة بشكل كافى بالبيانات والاقتناع السياسى.
ولحسن الحظ، هناك إدراك متزايد بأن السياسات الفضفاضة المتواصلة من قبل البنوك المركزية تضع الاستقرار المالى فى المستقبل فى خطر، وأن تدابيرهم التحفيزية على المدى القصير سوف تكون أقل فاعلية فى تعزيز النمو الحقيقى الاسمى.
وعلاوة على ذلك، ستنعقد لجنة السوق السياسة النقدية فى البنك المركزى البريطانى الأسبوع الحالى فى أجواء اقتصادية وسياسية أكثر تعقيداً.
فمن ناحية، تبدو آفاق النمو والاستثمار على المدى القصير أكثر غموضاً بسبب ارتفاع احتمالية خروج بريطانى صعب بقيادة بوريس جونسون كرئيس وزراء، ومن ناحية أخرى، ومع ضعف الجنيه الاسترلينى، لا يستطيع البنك المركزى استبعاد ارتفاع محتمل فى التضخم على المدى القصير.
وبغض النظر عما يتكشف الأسبوع الجارى، فسوف يستمر على الأرجح أمران متناقضان، الأول هو أن الإصدرات الرئيسية للبيانات والاجتماعات السياسية سوف تفشل فى إنهاء عدم اليقين غير المعتاد فى الاقتصاد العالمى، وثانيا أن الأسواق ستتجاهل الإشارات المتضاربة، واثقة فى أن البنوك المركزية ستواصل عزلها عن الواقع الاقتصادى.
بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»
موضوعات مرتبطة
محمد العريان يكتب: لماذا ينبغى ألا يخفض «الفيدرالى» الفائدة بقدر كبير؟
محمد العريان يكتب: هل تخسر البنوك المركزية رهانها الكبير؟
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا