نحن على وشك اكتشاف مدى قوة الأعصاب فى سوق البترول، وفقد تجاهل قبل العقوبات على إيران، وانفجارات الحاويات وسقوط الطائرات دون طيار فوق مضيق هرمز، لكن الأسبوع الحالى، فإن الهجوم على معمل بقيق السعودى، الذى هو ربما بنية البترول التحتية الأكثر أهمية فى العالم، يعد أمراً مختلفاً.
وقالت السعودية، إن الهجوم أضر بإنتاج ما يعادل 5.7 مليون برميل يومياً أو تقريباً نصف إنتاجها، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو إلى متى سيستمر التوقف فى الإمدادات؟
ومن غير الواضح إذا كان الهجوم تضمن أسلحة تحملها الطائرات دون طيار أم صواريخ؟ أم كليهما؟
فالحجم الإجمالى لمرفق بقيق والذى يغطى حوالى كيلو متر مربع يجعل من الصعب التخيل توقفه عن العمل سوى بهجوم معقد واستثنائى وهائل، ولكننا لا نعلم حتى الآن، وهو ما سيضيف بعض علاوة المخاطر على أسعار البترول.
وكان المزاج السائد فى الأسواق قبل السبت الماضى، هو عدم اليقين الذى يخيم على الأسعار بسبب التقلبات فى الحرب التجارية، والتكهنات بشأن إذا كانت براميل البترول الإيرانية ستجد طريقها إلى السوق، والآن لدينا بعض الألاعيب الجيوسياسية قديمة الطراز التى تدفع فى الاتجاه المعاكس.
كما أن عدم اليقين ذلك متفاوت. فمن ناحية، من الصعب تخيل حدوث تقدم كبير فى العلاقات الأمريكية الإيرانية حتى قبل هذا الهجوم، والآن بعد إعلان جماعة الحوثيين المدعومة من إيران مسئوليتها عن ضرب قلب الاقتصاد السعودى، فإن أى تهدئة تسمح بحلول براميل النفط الإيرانية محل السعودية تبدو غير معقولة.
ومن ناحية أخرى، إذا توقف إنتاج السعودية لوقت طويل – أى أسابيع على الأقل – فإن المشترين الآسيويين الذين يسعون إلى الدرجات الأثقل من الخام لتغذية مصافيهم سوف يكون لديهم سببا لشراء المزيد من البترول الإيرانى بغض النظر عما حدث أو يحدث، كما أننا لا نعلم ماذا سيحدث مع المخزونات الاستراتيجية التى سيفرج عنها لتعويض النقص فى صادرات السعودية.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، إنها تتابع الوضع، ولكنها أشارت كذلك إلى أن الإمدادات فى السوق حالياً جيدة، وأنها تتوقع أن تصلح السعودية الأمور سريعاً، والواضح، أن سوق البترول دخل مرحلة جديدة وخطيرة، وبالتأكيد، سيرد ولى العهد محمد بن سلمان، الذى قاد التدخل فى اليمن، وفى هذه الحالة، ستذهب خططه لطرح شركة البترول السعودية «أرامكو» مهب الريح.
وقد يحدث كل ذلك فى سياق تغير الانخراط الأمريكى فى المنطقة أى تدخلها بعنف على بعض الجبهات وانسحابها من أخرى فى الوقت نفسه، وبالتأكيد يمكن تفسير هذا التصعيد على أنه استجابة طهران إلى «الضغوط القصوى» من واشنطن.
فإذا كانت طهران لا تستطيع التصدير، فلن تصدر السعودية كذلك، وقد يكون فكر الخسارة للجميع هو ما يلعب هنا، وفرص سوء تقدير الأمور والاتجاه إلى مزيد من التصعيد عالية للغاية، وبقدر ما تحب أسواق البترول عادة أن يكون هناك القليل من الاضطراب فى هذه الزاوية من العالم، ففى النهاية، هذه الاضطرابات تكون ضارة بمستقبل القطاع على المدى البعيد.
أما على المدى القصير، قد يشكل ارتفاع السعر مع غياب البراميل السعودية نعمة لبعض المنتجين (مثل مشغلى الحقول الصخرية المتعثرين فى أمريكا)، ولكن مع هبوط الاستهلاك بالفعل، فإن ضريبة الاضطرابات الجيوسياسية تهدد بزيادة الضغوط على الاستهلاك أكثر، فارتفاعات الأسعار الناتجة عن العنف العشوائى ليست بديلاً لقوة الأسعار الناتجة عن الطلب.
وعلاوة على ذلك، تفصلنا 5 أشهر عن مجالس أيوا الانتخابية قبيل الانتخابات الرئاسية الامريكية، والتى ستحدد بقدر كبير كيف وإلى أى مدى ستتجنب أمريكا الركود المحتمل؟ وبالتالى قد تؤدى حساسية «ترامب» تجاه أسعار وقود السيارات إلى مجموعة من الأحداث غير المحبذة فى سوق البترول بدءاً من الإفراج عن المخزونات الاستراتيجية إلى الحظر المباشر للصادرات.
ويذكرنا الهجوم بهشاشة نظام الطاقة القائم على العرض المركز وسلاسل التوريد الممتدة، ولا يوجد شىء يعزز حجج مؤيدى أمن الطاقة (والمناخ) من خلال كهربة المركبات وتحسين كفاءة الطاقة سوى سوق بترول انزلق إلى فوضى بسبب بعض طائرات دون طيار تضرب مرفقاً واحداً لم يسمع معظم البشر عنه.
بقلم: ليام دينينج، كاتب مقالات رأي في وكالة أنباء “بلومبرج” ويغطي الطاقة والتعدين والسلع.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا