أكثر ما أظهرته تقلبات السوق فى الأسبوع الماضى هو القوى المتضادة المتصارعة التى سيطرت على الأسهم الأمريكية خلال الشهور الأخيرة وضيقت تداولها فى نطاق محدد رغم التطورات الكبيرة فى الآليات الكامنة، وقد تؤدى التوترات المتزايدة بين القوى الاقتصادية الكلية إلى تقلبات أكبر وتحديات أكثر للمستثمرين.
وسيطر على الجزء الأول من الأسبوع مخاوف المستثمرين من أن الضعف العالمى فى التصنيع سوف ينتشر إلى الولايات المتحدة، وإلى القطاع الخاص الأكثر أهمية الذى يشكل الجزء الأكبر من الاقتصاد المحلى، وكانت النتيجة انخفاض مروع لمدة يومين فى الأسهم قضى على مكاسب الخمسة أشهر الماضية.
وكان الجزء الثانى من الأسبوع مختلف تماماً، وأدت الآمال بشأن الدعم من واشنطن والتى عززتها التصريحات البنّاءة من البيت الأبيض بشأن المفاوضات المقبلة مع الصين، بجانب إصدار تقرير الوظائف يوم الجمعة إلى زيادة احتمالات خفض الفيدرالى لأسعار الفائدة مرة أخرى الشهر الجارى، وانتعشت الأسهم، وعوضت خسائر الأسبوع بقدر كبير.
وهذه التقلبات الحادة ليست جديدة وتجسد التفاعل بين قوى كلية كبيرة أو ما يطلق عليه الاقتصاديون «العوامل العالمية»، وتزايد التصارع بين تلك القوى يثير التساؤلات بشأن استقرار هذه «المعادلة غير المستقرة» للأسواق والتداعيات على استراتيجيات الاستثمار.
وكما اتضح خلال الأسبوع، فقد تفاقمت مؤخراً خطورة الضغوط الهبوطية الطويلة على الأسهم نتيجة الأسس الاقتصادية الأضعف بسبب الدلائل المتزايدة على أن قطاع التصنيع الأمريكى هو الآن جزء من الانكماش العالمى الناتج عن التباطؤ العميق فى التجارة الدولية، وما يزيد الكآبة هى بيانات المعنويات التى تشير بالفعل إلى تسرب آثار ذلك الانكماش إلى قطاع الخدمات الأوسع، ورغم أن القراءات الأخرى من البيانات مثل تقرير الوظائف لم يقرع المزيد من صافرات الإنذار، فإنه لم يكن قوياً بما يكفى ليؤكد على أن الاقتصاد الأمريكى محصن من ضغوط بقية العالم.
وعلى الجانب الآخ من القوى، تحولت الآمال السياسية التى ساعدت على رفع أسعار الأسهم من الفيدرالى إلى التجارة والتدابير الآخرى، وهذا لا يعود إلى استنتاج المستثمرين أن الفيدرالى على الأرجح لن يخفض أسعار الفائدة العام الجارى – ﻷنه على الأرجح سيفعل – وإنما لأنهم أدركوا أن الخفض لن يؤدى إلى تحسن كبير فى الآفاق الاقتصادية، وينتشر إدراك متزايد بين المشاركين فى السوق وهو أن هناك فرق هام بين البنك المركزى الودود والفعال، وعلاوة على ذلك، فى حالة البنك المركزى الأوروبى، تهدد تلك المودة المطولة بأن تكون لها آثار عكسية عند نقطة معينة.
ونتيجة لذلك، يركز المتفائلون آمالهم الآن على احتمالية توقيع اتفاقية تجارية بين أمريكا والصين وإجراء تدابير مالية فى أوروبا بقيادة ألمانيا.
ويشعر البعض أنه مع مواجهة الرئيس دونالد ترامب حالياً احتمالية العزل، فإن حكومته ستكون أكثر ميلاً للتوصل لاتفاق مع الصين أو على الأقل اتفاق جزئى لا يحقق النتيجة الشاملة والمستمرة التى يأملها الكثيرون، وقد تكون الزيارة المقبلة للوفد التجارى الصينى هى موعد تحقق آمال هؤلاء المتفائلون الذين يرون أيضاً أن الضعف فى البيانات الاقتصادية الألمانية محفز لإجراء تدابير تحفيز مالى.
وتزيد الضغوط المتنامية الناتجة عن تلك القوتان المتضادتان عدم اليقين للاقتصاد والأسواق حول العالم وتهدد باستمرار «المعادلة غير المستقرة» القائمة الآن.
وبالنسبة للمستثمرين، تتسبب الأوضاع فى عدم كفاية الطرق الاستثمارية التقليدية التى تنوع الممتلكات وتهدئ المخاطر، كما أنها تزيد مخاطر نشوب تقلبات مزعجة وتهدد بحدوث الأخطاء التى تأتى مع تلك التقلبات.
وفى مثل هذا العالم، يتعين على المستثمرين على الأقل التفكير فى إضافة عنصر «تقليص الندم لأدنى درجة» فى محافظهم الاستثمارية وهو ما يعنى التركيز على قوة ميزانياتهم واختيار الأسهم ذات الجودة العالية والاحتفاظ بدعامة نقدية أكبر من المعتاد، واختيار سندات الأسهم والشركات ذات الآجال الأقصر.
بقلم : محمد العريان
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا