قد يكون تعافي تركيا من الركود أحدث ضحايا توغل جيشها في سوريا، وذلك بعد أن هددت قيادات بالكونجرس الأمريكي بعقوبات قد تضر بالليرة وتعزز حدة عدم ثقة تركيا في الحلفاء الغربيين.
وبلغت العملة التركية، التي عانت من أزمة قبل عام لأسباب منها عقوبات ورسوم جمركية أمريكية، أدنى مستوياتها في حوالي أربعة أشهر بعد انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا وأمرت أنقرة بشن هجمات ضد القوات الكردية هناك.
الليرة والتضخم وأسعار الفائدة
وكانت الليرة قد استقرت في الأشهر الأخيرة وتراجع التضخم، في مؤشر على أن الاقتصاد التركي الذي يبلغ حجمه 766 مليار دولار، وهو الأكبر في الشرق الأوسط، ابتعد عن أسوأ تراجع له في ما يقرب من عشرين عاما.
وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة منذ يوليو لتنشيط الإقراض، لكن بحلول الخميس الماضي، تراجعت توقعات السوق بمزيد من تيسير السياسة النقدية في ظل قلق المستثمرين من أن تداعيات الصراع قد ترجئ التعافي.
وتتضمن المخاطر ارتفاع العجز وتكاليف الاقتراض وتباطؤ السياحة إذا انخرط الجيش التركي في العملية لفترة طويلة.
العقوبات الأمريكية
لكن التهديد الأكبر، وهو التهديد الذي يقول المستثمرون إن الأصول التركية لا تضعه في الحسبان، هو إصرار جديد لدى كبار الجمهوريين في الولايات المتحدة على معاقبة تركيا لمهاجمتها أكراد سوريا، وهم من حلفاء واشنطن الرئيسيين في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وانضم السناتور الجمهوري لينزي جراهام، وهو عادة من المدافعين بقوة عن الرئيس ترامب، إلى سناتور آخر ديمقراطي في الكشف عن إطار عمل لعقوبات، مع تمسكه بانتقاد قرار الرئيس سحب القوات الأمريكية.
وسيستهدف اقتراح جراهام أصول مملوكة للرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولين كبار آخرين، وفرض قيود على إصدار تأشيرات السفر، وعقوبات على أي أحد نفذ تعاملات عسكرية مع تركيا أو دعم إنتاج الطاقة.
وتواجه تركيا أيضا عقوبات أوسع نطاقا بموجب خطة جراهام في ضوء قيامها بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400 هذا العام رغم اعتراضات واشنطن القوية.
ركود اقتصادي جديد
قال أولريش لويختمان رئيس أبحاث العملات لدى كومرتس بنك في فرانكفورت إن مزيدا من العقوبات ”سيغير الصورة الاقتصادية لتركيا تماما وسيكون علينا أن نضع في الحسبان احتمالية ركود جديد في ظل وضع الاقتصاد فيه هش بعد أزمة 2018“.
ولم يتضح ما إذا كان الكونجرس سيدعم عقوبات جراهام أو ما إذا كانت ستحصل على أغلبية تصويت ثلثي الأعضاء اللازمة للتغلب على أي معارضة من ترامب الذي تجمعه بأردوغان علاقة عمل جيدة وتحدث معه قبل سحب القوات الأمريكية.
وأضاف لويختمان ”كلما زاد الضغط السياسي، كلما زادت احتمالات ميل ترامب إلى الإقرار بأن التصرف التركي قد يكون خارج الحدود“.
وفرض ترامب العام الماضي، عقوبات محدودة ورفع الرسوم الجمركية على بعض الواردات التركية للضغط على تركيا لإطلاق سراح أندرو برانسون، وهو قس أمريكي تم اعتقاله هناك على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، والذي تم إطلاق سراحه في وقت لاحق.
وتراجعت الليرة، التي فقدت 30% من قيمتها العام الماضي، بأكثر من 3% منذ بداية الأسبوع في تعاملات متقلبة مع اقترابها لما يصل إلى 5.90 مقابل الدولار.
وقال متعاملون إنه من غير الواضح إلى أي مدى كانت العملة التركية ستنزل أكثر إذا لم تكن البنوك الحكومية تدخلت لبيع الدولارات وتخفيف الصدمة في وقت سابق هذا الأسبوع.
الاستثمارات الأجنبية
وفي ضوء اعتماد تركيا على الاستثمارات الأجنبية، تحدد العملة الأسعار بشكل كبير، وهو ما يحدد بالتبعية السياسة النقدية. وقال مستثمرون إن أي تحرك لليرة فوق مستوى ست ليرات للدولار قد يشير لتوقعات بأن العقوبات ستكون مؤثرة على الأرجح.
ويتنبأ متعاملون في سوق النقد حاليا بأن البنك المركزي سيخفض أسعار الفائدة إلى 15% بنهاية العام، من 16.5% في الوقت الحالي، بدلا من 13.5% كما كانوا يتوقعون حتى نهاية الأسبوع الماضي.
وقال أربعة متعاملين إنه من المتوقع خفض أسعار الفائدة بما يتراوح بين 50 و75 نقطة في وقت لاحق هذا الشهر.
اختلالات الاقتصاد الكلي
من جانبها، ترى وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية أن أهداف النمو الجديدة لتركيا تهدد بزيادة الاختلالات على مستوى الاقتصاد الكلي وتبدو غير متماشية مع بقية التقديرات التي وضعتها اسطنبول في إطار أهدافها الاقتصادية على مدى ثلاث سنوات.
وتسعى تركيا للتعافي من ركود نجم عن أزمة عملة العام الماضي، والتي شهدت فقدان الليرة حوالي 30% من قيمتها وتسببت في بلوغ التضخم أعلى معدلاته في 15 عاما.
وأعلنت أنقرة، في أعقاب الأزمة، توقعات بنمو أقل وتضخم أعلى، لكنها رفعت الأسبوع الماضي تقديرها للنمو لعام 2020 إلى 5% من 3.5%، وخفضت توقعاتها للتضخم للعامين الجاري والمقبل.
ورفعت تركيا في مراجعات الأسبوع الماضي، توقعاتها لنسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 2.9% في العامين المقبلين.
وحددت توقعاتها لنسبة عجز ميزان المعاملات الجارية إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 1.2% للعام المقبل و0.8% لعام 2021.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا