استطاع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم، تعزيز فكرة اللجوء للتحفيز المالى كوسيلة لإنعاش الاقتصاد العالمى المتباطئ، ولكنهم لم يستطيعوا الاتفاق بشكل كامل حول كيفية القيام بذلك.
قالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن التباطؤ المتزامن الذى يعانى منه نحو %90 من الاقتصاد العالمى سيطر على المحادثات فى الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، فى واشنطن اﻷسبوع الماضى، كما أن ارتفاع مستوى المخاطر السلبية، ومنها التوترات التجارية، كان موضوع النقاش الرئيسى.
وكانت التحذيرات واضحة تماماً، فقد حذر وزير المالية السنغافورى ثارمان شانموغاراتنام، من ارتفاع عدم اليقين وانكار حجم المشكلات التى تواجه صناع السياسة، وقال راى داليو، الملياردير الأمريكى ومؤسس أكبر صندوق تحوط فى العالم، إن الاقتصاد يعانى انكماشاً كبيراً، كما أشار صندوق النقد الدولى، إلى عدم وجود أى مجال للخطأ فى السياسات، وسط اقتراب ذخيرة محافظى البنوك المركزية من النفاد.
فى ظل ذلك، سلطت «بلومبرج» الضوء على اﻷمور الأساسية التى يمكن اللجوء لها لتعزيز الاقتصاد العالمى، وهى كالآتى:
الحوافز المالية
كان مزيج الإنفاق الحكومى والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو الاقتصادى، هو الموضوع الرئيسى الذى يهيمن على الاجتماعات، وخلال الاجتماعات، لجأت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولى التى تولت عملها منذ بضعة أيام، لاستخدام سلفها كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزى الأوروبى القادمة، كوسيلة دعم.
وقالت جورجيفا، إن النمو البطىء يتطلب الحفاظ على دعم السياسة النقدية، لكن الجميع يدرك أنها لن تستطيع إتمام المهمة وحدها، حتى أن كريستين لاجارد لن تستطيع حل المشكلات التى تتسبب فى النمو البطىء وحدها، بل يجب أن تلعب السياسة المالية دوراً أكثر فعالية.
وكانت بعض الحكومات أكثر تقبلا للرسالة من غيرها، وقال ستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأمريكى، إن جميع الأدوات، بما فى ذلك السياسة المالية، بحاجة لاستخدامها للتخفيف النقدى، فى حين قال تارو آسو، وزير المالية اليابانى، إن الحكومة لديها خيارات مالية، ومع ذلك، لم ير الجميع الحاجة الملحقة لاستخدام تلك اﻷدوات المالية، وقال أولاف شولز، وزير المالية الألمانى، فى مقابلة مع تليفزيون بلومبرج، إن حكومته تستثمر بكثافة بالفعل.
السياسة النقدية والنظرية النقدية الحديثة
قال ستانلى فيشر، نائب رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى السابق، إن النظرية النقدية الحديثة توفر جزءاً من الحقيقة، رغم أن الخلل الأساسى فيها يتمثل فى طباعة المزيد من الأموال، وإبقاء التضخم تحت السيطرة، وهو اﻷمر الذى يصعب استمراه إلى الأبد.
وقال بيل دودلى، الرئيس السابق للبنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، إن تنسيق السياسة المالية والنقدية جيد، ولكن النظرية النقدية الحديثة تأخذ الأمر إلى مستوى أبعد، كما وصف الباحث فى السياسة النقدية والبروفيسور فى جامعة ستانفورد، جون تايلور، النظرية النقدية الحديثة بأنها ليست حديثة ولا نقدية.
فن الصفقة؟
رغم الطفرة التى شهدها الاتفاق التجارى بين الولايات المتحدة والصين، وإمكانية توصل بريطانيا لاتفاق للخروج من الاتحاد الأوروبى، لايزال المسئولون يشعرون بقلق شديد، خصوصاً أن المسئولين الأمريكيين والصينيين لم ينتهوا بعد من المرحلة الأولى من الاتفاق التجارى الذى أعلن عنه بداية الشهر الحالى، كما أن اتفاقية الخروج تواجه مزيدا من التحديات، وقالت جورجيفا، إن اﻷمر لا يتعلق بالتعريفات الجمركية فقط، بل بمدى إمكانية التنبؤ بالتجارة فى المستقبل، كما قال رئيس البنك الدولى ديفيد مالباس، إن حل مشكلة عدم اليقين المتعلق بالتجارة وخروج بريطانيا، قد يساعد فى تجنب الأسوأ.
اضطراب رقمى
يستهدف محافظو البنوك المركزية، أيضاً، التكنولوجيات الحديثة، التى قد تخفف قبضتهم على عوامل الدفع الاقتصادى فى العالم.
أشار القادة فى مجموعة العشرين، التى اجتمعت مؤخراً فى واشنطن، إلى ضرورة تواجد إطار تنظيمى للعملات الرقمية الثابتة للتصدى ﻷى مخاطر يمكن مواجهتها قبل إصدار العملات، مسلطين الضوء على عدد من المخاطر بداية من غسيل الأموال وحتى التمويل غير المشروع.
وقال محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا، فى تصريحات للصحفيين، إن التداول العالمى للعملات الرقمية الثابتة قد يؤثر على استقرار السياسة النقدية والنظام المالى، بينما تأمل محافظ البنك المركزى السويدى «ريكسبنك» ستيفان إنغفيس فى مدلول العملة الرقمية بالنسبة للبنك المركزى السويدى، الذى سمح للشعب بالاحتفاظ باﻷموال وإنفاقها لمدة 350 عاماً.
وأضاف إنغفيس: «نحن الآن فى محادثة حول ما إذا كان الجمهور سيسمح بتداول العملات الرقمية، ولكن فى النهاية سيحتاج هذا الأمر إلى حكم سياسى، فهو أمر لا يمكن لمحافظى البنوك المركزية اتخاذ قرار بشأنه».
وفى حديثه من منظور صناعة التكنولوجيا، قال رئيس مشروع العملة الرقمية الخاصة بفيسبوك «ليبرا»، ديفيد ماركوس، إن الشركة ملتزمة تماما بالعمل مع المنظمين لحل أى مشكلات أو مخاوف تواجه المستخدمين، مثل اعتبارات الخصوصية، وإنها ترحب بالمنافسة لخفض التكاليف وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية وتسهيل المدفوعات العابرة للحدود، وأضاف ماركوس: «القطار يغادر المحطة، ولكن بالعمل سوياً يمكننا التأكد من وصول النوع الصحيح من القطارات».
تحديات المناخ
سلط قادة السياسة الضوء بشكل أكبر على تهديدات الاحتباس الحرارى لكوكب اﻷرض، وقال صندوق النقد الدولى، إن الدول بحاجة إلى اعتماد تسعير الكربون أو برامج مماثلة مثل التبادل التجارى للانبعاثات ووضع قواعد تنظيمية، بالإضافة إلى إصلاح اﻷنظمة الضريبية لتخفيف الأعباء على الفقراء وجعل هذه المبادرات مقبولة من الناحية السياسية.
ووفقاً لهذا الصدد، سلط الوزير اﻷلمانى شولز الضوء على استثمارات حكومته فى سياسات التغير المناخى وخفض الضرائب، مشيراً إلى اعتماد بلاده لكثير من الاستثمارات العامة.
وقالت مدير عام صندوق النقد جورجيفا، إن الصندوق يعطى الأولوية لمساعدة الدول على خفض الانبعاثات وتصبح أكثر مقاومة للظروف المناخية، مضيفة، فى خطاب لها، أن ضرائب الكربون يمكن أن تكون أداة قوية لخفض الانبعاثات، ولكن الحل اﻷمثل هنا هو تغيير الأنظمة الضريبية، وليس إضافة ضريبة جديدة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا