بينما تشن الصين على منصة تيك توك ما يشبه “ثورة صامتة” ضد الماركات العالمية، حيث يعتمد آلاف المؤثرين الصينيين على مقاطع قصيرة تكشف أن المنتجات ذات الشعارات البراقة تُصنَّع في نفس المصانع التي تنتج نسخًا مشابهة تُباع بعُشر السعر… ولكن دون شعار، كانت أسواق وكالة البلح وقبلها العتبة والموسكي في مصر سبّاقة في تقديم هذا النموذج منذ سنوات طويلة.
حملة الصين التي بدأت بشكل غير مركزي من داخل مجتمع المؤثرين الصينيين، توسعت بسرعة لتصل إلى المستخدمين في الشرق الأوسط وأوروبا. مقاطع الفيديو تلقى رواجًا لافتًا، وتحصد ملايين المشاهدات، ما يعيد صياغة المفهوم التقليدي للقيمة والماركة في ذهن المستهلك.
في مصر، حيث تتقاطع موجات التضخم مع ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وهو التقاطع الذي فرض على المستهلك المصري البحث عن البدائل التي تجمع بين الجودة والسعر المناسب، بعيدًا عن هوس الماركات العالمية التي أضحت أقل أهمية في ظل الواقع الاقتصادي الحالي.
عزز من هذا التوجه الرسائل ومقاطع الفيديو الصينية التي لاقت صدى بين الكثيرين، خاصة من بعض الفئات ومن هم متعلقون بالموضة.. أصبح التساؤل الأكثر تداولًا: “هو أنا بشتري جاكيت، ولا بشتري لوجو؟”.
لم تكن الحملة الصينية ضد الماركات العالمية على تيك توك مجرد صدفة، بل جاءت في سياق الحرب التجارية المستمرة بين الصين وأمريكا، بعد تبادل فرض رسوم جمركية بين أكبر قطبين اقتصادين في العالم، مع الإشارة بأن الولايات المتحدة هي من بدأت في إشعال فتيل الحرب التجارية.
وردًا على هذه الإجراءات، بدأت الصين في تعزيز استراتيجياتها في التسويق المباشر عبر منصات مثل تيك توك، لاستهداف المستهلكين في الأسواق الغربية وتقديم منتجات عالية الجودة بأسعار منافسة، مما يشكك في أسطورة الماركة العالمية.
الطلب على المنتجات البديلة، سواء كانت نسخ طبق الأصل بدون شعار أو منتجات محلية بجودة جيدة، بدأ يظهر في سلوك المستهلك.. مواقع وتطبيقات التجارة الإلكترونية شهدت زيادة ملحوظة في البحث عن منتجات نفس الجودة ولا تحمل شعار العلامات التجارية الشهيرة.
تعتبر هذه الحملة جزءًا من حرب ناعمة على هيمنة الماركات الغربية، التي راكمت ثروات طائلة عبر تسويق متقن لا يعكس دائمًا فارقًا حقيقيًا في الجودة.. ويرى محللون أن الصين تحاول تحفيز وعي استهلاكي عالمي جديد يدعم صناعتها على حساب التسويق.
في سوق يعتمد على “الرمزية” مثل الموضة والأزياء والإلكترونيات الشخصية، تهدد هذه الموجة ما يُعرف بـ”الاقتصاد الرمزي” الذي تقوم عليه شركات مثل Nike وApple وGucci وAdidas، ووفقًا لتقارير دولية، قد تؤدي هذه التحولات إلى إعادة هيكلة سلاسل الإمداد والعلاقات بين المصنع والمستهلك
الاقتصاد الرمزي هو مفهوم يستخدم لوصف الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد في قيمتها بشكل كبير على الرموز والهوية أو المعاني الاجتماعية، وليس فقط على الوظيفة أو جودة المنتج.
العلامات التجارية الشهيرة لم تعد قادرة على تجاهل أثر الرسوم الجمركية الأمريكية، لكنها بدلًا من امتصاص التكلفة؛ تحميلها إلى المستهلك — خصوصًا العملاء الأثرياء — ما يعكس كيف أن هذه المنتجات لم تعد تُشترى لقيمتها الفعلية، بل لرمزيتها ومكانتها الاجتماعية، وهو ما أعلنته شركة المنتجات الفاخرة هيرميس.
هيرميس، رغم انخفاض المبيعات، قررت رفع الأسعار بداية من مايو، متكئة على ولاء الزبائن لعلامتها، وهو ما يبرز خلل الاقتصاد الرمزي الذي بدأت الصين تكشفه عبر حملاتها على تيك توك.
بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه الحملة لحظة فاصلة في العلاقة بين المستهلك العالمي وسلاسل القيمة التقليدية التي كانت تسيطر عليها الماركات الغربية، حيث لم تعد القوة الشرائية وحدها هي ما يحدد توجهات المستهلك، بل الوعي المتزايد حول التكلفة الحقيقية للمنتج، ومصدره، والفارق بين السعر والقيمة.
في الحالة المصرية، يبدو أن هذا التحول قد وجد أرضًا خصبة، خصوصًا في ظل سنوات من الضغوط الاقتصادية التي أجبرت المستهلك على التفرقة بين الاحتياج الحقيقي والاستعراض الاجتماعي، وهو ما جعل السوق المصرية مهيأة للانتقال من “ثقافة الماركة” إلى “ثقافة المنفعة”.
بل إن بعض الشركات المحلية بدأت في استغلال هذه الموجة، وتعيد تقديم منتجات بجودة مرتفعة وتغليف بسيط، مع تسويق مباشر أكثر صدقًا وواقعية.. وهنا يبدو أن “الرمز” الذي كانت الماركة تمثله، على وشك التفكك التدريجي أمام موجة من الشفافية الرقمية تقودها الصين وتجد صداها في الأسواق المتعطشة للجودة بلا بهرجة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا