رئيس التحرير أسامه سرايا |
أخبار

الإيجار القديم.. من جدل البرلمان إلى جدران الناس

الإيجار القديم

في الزقاق نفسه، على نفس الكرسي الخشبي أمام بابها المتآكل، جلست أم حسن، تتابع عبر شاشة صغيرة أنباء إقرار البرلمان النهائي لقانون الإيجار القديم.. لم تبدُ ملامحها مختلفة عن الأمس، لكنها قالت بصوت خافت: “دلوقتي حتى السقف نفسه ما بقاش مضمون”.

كانت قد قالت بالأمس القريب: “إحنا مش بنفكر في بكرة، إحنا يدوب عايشين اليوم بيومه، وطول ما السقف فوقينا بنحمد ربنا”.

أقرأ هنا قصة أم حسن:

العد التنازلي

قبل ساعات، صوّت البرلمان بالأغلبية على القانون المنتظر منذ عقود، لتنتهي بذلك مرحلة طويلة من التأجيل والجدل وتبدأ مرحلة جديدة عنوانها: “العد التنازلي”.

وفقاً للقانون، سيبدأ الإخلاء بعد 7 سنوات من الآن للوحدات السكنية، و5 للتجارية والإدارية، ثم تنتهي العلاقة الإيجارية نهائيًا، وتُرفع القيم تدريجيًا، وتُعاد صياغة علاقة سكنية ولدت في زمن آخر.

مع استسلام أم حسن للأمر الواقع، علت أصوات أخرى تسأل: ما الذي يجعل قانونًا بهذه الحساسية يُقر فجأة؟ ولماذا الآن؟ وكيف يمكن أن يُصدق البرلمان على قانون وصف رئيسه أمس فقط بأن بيانات الحكومة بشأنه “غير سليمة”؟

جلسة بلا بيانات وتصديق رغم الانسحاب

جلسة البرلمان الثلاثاء امتدت لساعات، ولم تنته إلى حسم، بل إلى تأجيل لليوم، بدعوى أن الحكومة لم تقدّم بيانات محدثة منذ عام 2017، وأن أرقامها لا تعكس الواقع السكاني ولا الاقتصادي ولا حتى العقاري.

تصريحات رئيس البرلمان وقتها كانت واضحة، ووجه انتقادات صريحة للحكومة، قائلًا إنها غير مستعدة لمناقشة التعديلات المقترحة بسبب نقص البيانات، وأن هذه ليست المرة الأولى التي تُحال فيها مشاريع قوانين إلى المجلس دون دراسة دقيقة أو حوار مجتمعي حقيقي,

لكن، وفي صباح اليوم التالي، وبينما لم تُستكمل بعد مناقشة الملاحظات ولا جرى تحديث البيانات بالطبع، عادت الجلسة لتقر التعديلات وانسحب عدد من النواب المعارضين والمستقلين احتجاجًا على تمرير القانون دون معالجة جوهرية لملاحظاتهم، فيما مضت الأغلبية قدمًا نحو التصديق.

هل تغيّرت البيانات بين الأمس واليوم؟ أم أن هناك ما هو أكبر من البيانات يحرك عجلة التشريع؟.. في السطور التالية استعراض مواقف جميع الأطراف: الحكومة، والمالكين، والمستأجرين، لا لإبداء أو إصدار أحكام أو ترجيح طرف على آخر، إنما محاولة فهم الصورة الكاملة للقانون، بكل ما فيه من وعود، ومخاوف، وتساؤلات معلّقة.

الحكومة والمؤيدون

الحكومة تسابق الزمن لإعادة هيكلة السوق العقارية، وتحرير أصول مجمدة لم تعد تنتج قيمة، وسط برنامج إصلاح اقتصادي مكثف، ودعوات متزايدة لرفع كفاءة استخدام الأراضي والمباني في قلب المدن.

المؤيدون للقانون سواء من المسئولين أو حتى البرلمانيين، يرون أن قانون الإيجار القديم، برأي صناع القرار، لم يعد مجرد ملف اجتماعي مؤجل، بل أصبح عبئًا اقتصادياً واجتماعياً، وعائقًا أمام تحفيز الاستثمار في القطاع العقاري، وتحديث العمران، وضبط سوق الإيجارات المفتوحة.
ومع ارتفاع أسعار مواد البناء، وتآكل قيمة الإيجارات القديمة، باتت آلاف البنايات في المدن الكبرى مهددة بالتدهور، ويرون أن وحدات الإيجار القديم تمثل نسبة ضخمة من المخزون العقاري غير المستغل بشكل عادل، سواء للمالك أو للاقتصاد.

مظلومية المالك

بالنسبة للمالكين فإن الخطوة تأخرت كثيرًا، القانون يعيد لهم حقوقًا ضاعت لعقود، حرموا خلالها من الانتفاع بعقاراتهم أو حتى ترميمها، بعضهم ورث عمارات لا تدخل إلا عشرات الجنيهات شهريًا، وأبراج سكنية يكسوها الإهمال لأن المستأجرين يرفضون أي زيادة أو تطوير.

أجمعوا على أن القانون يعيد حق مجمد، وعقار بات في نظر القانون بلا قيمة حقيقية، وبالنسبة للبعض منهم، فالقانون لا يطرد أحدًا بل يعيد التوازن إلى معادلة ظلت مختلّة لعقود.

مظلومية المستأجر

في المقابل، يرى المستأجرون أنهم فريسة لتحولات اقتصادية لا يتحملونها، وأن البدائل خارج قدرتهم، خاصة كبار السن وأصحاب المعاشات ومحدودي الدخل.

كما يعد الخروج من وحداتهم مخاطرة وجودية، بيد أن بعضهم لا يعارض التعديل من حيث المبدأ، لكنه يخشى أن يُترك وحده في مواجهة السوق، وأن تتحول الوعود بالبدائل إلى ورق بلا تنفيذ.

في المنتصف، ومع تأكيد رئيس الوزراء بأنه لن يتم طرد المستأجر بعد انتهاء الفترة الانتقالية، تظل الحكومة مطالبة بالتوازن بين العدالة الاجتماعية والاعتبارات الاقتصادية، لكنها في حقيقة الأمر هي مهمة شديدة التعقيد في ظل الظروف الحالية.

تفاصيل القانون.. زيادات في الإيجار وتصنيفات

نحو 1.6 مليون أسرة أي ما يعادل 6 ملايين مصري يسكنون في وحدات إيجار قديم، يدفع أكثر من ثلثهم أقل من 50 جنيها شهريًا، وفق أحدث البيانات الحكومية الصادرة والتي تخص عام 2017.

ينص القانون على زيادات تدريجية في القيمة الإيجارية تُحدد بناءً على تصنيف المناطق إلى متميزة، ومتوسطة، واقتصادية، وفقًا لما تقرره لجان حصر في كل محافظة، استنادًا إلى معايير تشمل الموقع، ومستوى البناء، والمرافق، والخدمات.

وفقًا لهذا التصنيف، تُرفع القيمة الإيجارية إلى 20 ضعفًا في المناطق المتميزة بحد أدنى لا يقل عن 1000 جنيه، و10 أضعاف في المناطق المتوسطة بحد أدنى 400 جنيه، وكذلك 10 أضعاف في المناطق الاقتصادية بحد أدنى 250 جنيهًا.

كما وتطبق زيادة سنوية دورية بنسبة 15% على القيم المحددة، بينما تُفرض أجرة مؤقتة بقيمة 250 جنيهًا شهريًا لحين انتهاء عمل اللجان، على أن تُسدد الفروق لاحقًا على أقساط.

ويتضمن القانون حالات إخلاء إلزامي، منها ترك الوحدة مغلقة لمدة تزيد على سنة دون مبرر، أو امتلاك المستأجر لوحدة مماثلة تصلح للغرض ذاته، مع أحقية المالك في اللجوء إلى القضاء حال الامتناع عن الإخلاء في نهاية المدة القانونية.

من وحي الناس

القانون أطلق صافرة بداية لأصوات أخرى – لا ناقة لهم ف الموضوع ولا جمل- لكنها تساءلت: قانون اليوم من سيتولى التنفيذ؟ من سيراقب التصنيفات؟ ومن سيضمن ألا يصبح سقف شقة الإيجار القديم أول ما يُهدم في زلزال التحرير السكني؟

أم حسن لم تفهم تفاصيل القانون، ولم تسأل عن عدد المواد التي صوت عليها البرلمان، ولا عن نسبة الزيادة السنوية، لكنها قالت جملة ربما تلخص كل شيء وتشعرك كأنها كانت حاضرة الجلسة، ترد بسخرية شعبية على انتقاد رئيس مجلس النواب للحكومة: ‘لو كان فيه حد هيسمعنا، كانوا سألونا قبل ما يقرروا”.

وجهات النظر التي استعرضناها، وقصة أم حسن نفسها، جاءت من وحي الشارع، ومن نبض الأحياء، وتعليقات الناس على منصات التواصل الاجتماعي، ومن متابعة حية لتصريحات الخبراء والمسؤولين، جمعناها هنا لتكون خلاصة مكثفة لصورة جدلية معقدة لا تزال تتشكل.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

اللحوم والألبان يدفعان أسعار الغذاء العالمية للارتفاع في يونيو

ارتفعت أسعار الغذاء العالمية خلال شهر يونيو مدفوعة بزيادة في...

منطقة إعلانية