انخفاض الأسعار ينبغى أن يشجع على الإصلاح ذى المعنى فى الدول التى تعتمد حالياً على إيرادات البترول والغاز
الولايات المتحدة لاتزال تحتاج صافى واردات بحوالى 5 ملايين برميل من البترول كل يوم
من الناحية الاقتصادية، تعد الولايات المتحدة الفائز الواضح من التغيرات الكبيرة فى سوق الطاقة العالمى على مدار العقد الماضى، فقد رفع استخراج الغاز والبترول من التربة الصخرية الإنتاج وقلل الحاجة إلى الواردات، وخلق 1.7 مليون وظيفة، بجانب تخفيض تكاليف الطاقة وهو ما ساهم فى نمو الاقتصاد بوتيرة مطردة منذ انهيار 2008.
وساعدت التطورات ف البترول الصخرى الأمريكى على تحول جوهرى فى السوق العالمى، وبدلاً من ندرتها وارتفاع تكلفتها، أصبحت الطاقة وفيرة وانهارت الأسعار، ويتبقى تساؤل إذا ما كان التحول إلى «عصر الوفرة» يغير المشهد السياسى العالمى كذلك.
وفى غياب الندرة لا ينبغى أن يكون هناك مجال لمصدرى البترول مثل روسيا ان يستخدموا إمدادات البترول والغاز كوسيلة لتهديد منافسيهم، كما ستتمكن أوروبا من تنويع موارد إمداداتها وتجنب الاعتماد الزائد على الغاز الروسى.
كما أن انخفاض الأسعار ينبغى أن يشجع على الإصلاح ذى المعنى فى الدول التى تعتمد حالياً على إيرادات البترول والغاز مثل الدول الخليجية، كما يتعين على الصين أن تكون قادرة على الوصول إلى الموارد التى تريدها دون الحاجة إلى استغلال ضعف بعض الدول المنتجة.
ويمكن أن تقوم الولايات المتحدة نفسها بتطوير مجتمع طاقة أمريكى شمالى أكثر ترابطاً يضم كندا والمكسيك وينبغى أن تدعم تكاليف الطاقة المتجددة الأقل التحرك الجماعى لمكافحة مخاطر التغير المناخى.
وهذا التفاؤل مثير للإعجاب، ولكن للأسف ستكون النتائج الحقيقية أقل إلى حد ما من الطموحات، فروسيا تواصل الضغط لتطوير طريق «نورد ستريم 2»، الذى سيعزز اعتماد اوروبا عليها، ويسمح لموسكو بعزل أوكرانيا، ورغم أن الكويت وأبوظبى طورا اقتصادات حديثة نسبياً، إلا أنهما لم يهربا بالكامل من الاعتماد على عائدات البترول، كما أن تدخلات الصين التى تقودها الرغبة فى ضمان إمدادات الطاقة من دول مثل فنزويلا ساعدت على استمرار الأنظمة المستبدة
والمدمرة.
وبشكل عام، كان التأثير الدولى لأسعار الطاقة المنخفضة هو تحويل الثروة إلى المستهلكين من المنتجين الذين يواجه معظمهم ديون متزايدة مع مواصلة تجاوز النفقات للدخل، وخلقت الخسارة المفاجئة للإيرادات دول فاشلة فى مناطق معرضة للتشدد الإسلامى.
وداخل القطاع، حوّل عصر وفرة المعروض التركيز من المنافسة إلى القتال على الحصة السوقية، ولكن النتائج يمكن ان تكون مزعزعة للاستقرار بقدر الندرة السابقة فى المعروض.
كما ان الاستقلال فى مجال الطاقة ليس كاملاً، فالولايات المتحدة لاتزال تحتاج صافى واردات بحوالى 5 ملايين برميل من البترول كل يوم، ولكن اتجاه التغير واضح وعززه فى الأيام الأخيرة إصدار لإدارة معلومات الطاقة بشأن توقعات موثوقة تشير إلى أنه بفضل الارتفاع المستمر فى إنتاج البترول الصخري، سوف يرتفع الإنتاج الأمريكى لأكثر من 11 مليون برميل يوميا بنهاية العام الجارى.
ولكن بدلاً من استغلال الفرص التى وفرتها التغيرات فى السوق، انسحبت الولايات المتحدة للتركيز على أجندتها المحلية، وأدارت ظهرها للتغير المناخى، وتباطأت مبادرة إيجاد حلول جديدة منخفضة التكلفة ومنخفضة انبعاثات الكربون.
وتوترت العلاقات مع كندا والمكسيك بسسب الصراعات بشأن السياسة التجارة والهجرة، كما صمتت انتقادات دور روسيا فى سوق الغاز الأوروبى، وتجاهلتها برلين بسهولة.
والاعتراف بالترابط الوثيق بين الطاقة والجغرافية السياسية مرحب به، ولكن استبدال الوفرة بالندرة يعنى أن المشكلات القديمة حل محلها تحديات مختلفة، وبالنسبة لبعض الأشخاص، يمكن ان يكون عصر الوفرة وتراجع الأسعار ايجابيا جدا، وبشكل عام، لا يوجد سبب للرضى أو الانسحاب، فعصر الوفرة ينتج خاسرين بقدر الفائزين، ومخاطر بقدر الفرص.
بقلم: نيك بتلر
رئيس معهد «كينجز» للسياسة، وعمل لمدة 29 عاماً مع شركة «بريتيش بتروليوم»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا