دخلت الشرطة ومحضرين المحكمة مكاتب شركة «فيولا»، الفرنسية للمياه والطاقة، فى الجابون، وانتشرت أنباء، بأن الحكومة تحجز على أصول الشركة، وردت الشركة بغضب، قائلة إن مصادرة الممتلكات سوف تجعل الشركات متعددة الجنسيات تفكر مرتين بشأن الاستثمارات طويلة الأجل فى أفريقيا.
وبعد أيام قليلة، وعلى بعد 2500 ميل عبر القارة، اعلن رئيس جيبوتى أن الحكومة فسخت عقد «دى بى وورلد»، شركة تشغيل موانئ إماراتية، لإدارة ميناء دوراليه وانتقدت الشركة أيضاً «المصادرة» قائلة إنها سوف تقاضى جيبوتى بسبب الأضرار.
وهذه ليست أحداث فردية، ففى العديد من الدول، تأخذ الحكومات الأفريقية موقفا أكثر شدة تجاه المستثمرين الأجانب، وفى تنزانيا، شن الرئيس، جون ماجوفولى، هجوماً شرساً على شركة «أكاسيا» البريطانية للتعدين، متهماً إياها بتدمير الدولة من خلال عدم الكشف عن المقدار الحقيقى من الذهب الذى تصدره، وبشكل عام، يطالب الشركات بتذويب وتكرير الحديد الخام فى تنزانيا، وهو أمر وصفته الشركة بأنه غير معقول اقتصادياً.
وسجلت «أكاسيا» خسائر بقيمة 700 مليون دولار فى 2017 بعدما خفضت قيمة أصولها التنزانية، كما أنها تنكر بشدة اتهامات عدم الكشف عن تركيزات الذهب، وتدرس حالياً بيع عملياتها فى الدولة لمنافس صينى.
وفى جمهورية الكونجو، والتى لا تعد مكاناً جيداً لممارسة الاعمال حتى فى أفضل أحوالها، تعتزم الحكومة عصر شركات التعدين الأجنبية للاستفادة منها بقدر أكبر، وجرأها على ذلك الطلب العالمى المرتفع على الكوبلت، وهو مكون أساسى لبطاريات السيارات، وتعد الكونجو مورد أساسى له، وتريد الدولة أن ترفع العائدات من المادة الخام.
وأينما توقع الحكومات السيادية عقوداً مع شركات من القطاع الخاص، يكون هناك احتمالية للخلاف، ومن الصعب أن تسير الشراكات بين القطاعين العام والخاص بسلاسة وحتى فى الدول المتقدمة جيدة التنظيم مثل بريطانيا، كما أثبت انهيار شركة «كاريليون» للإنشاءات فى الآونة الأخيرة، فتخيلوا كم تكون الشراكات صعبة فى دول يضعف فيها الإطار المؤسسى، وتفتفر إلى الخضوع للمساءلة.
ولا عيب فى سعى الحكومات وراء الصفقات الأفضل، ومن الصحيح تماماً أن تناضل الحكومات للحفاظ على المزيد من القيمة المضافة فى الدولة، وأن تتخلص من العلاقات الاستنزافية التى تستمر عادة، وتحدث رئيس غانا، نانا أكوفو ادو، بالنيابة عن القارة كلها، عندما أخبر نظيره الفرنسى، إيمانويل ماكرون، أن الدول الأفريقية تريد أن تعتمد على ثرواتها الخاصة وليس المساعدات الأجنبية لتخلص نفسها من براثن الفقر، وهو ما يعنى الحفاظ على المزيد من الثروة فى الدولة فى المقام الأول، وهو هدف يتطلب سياسات أفضل، وفساد أقل، وإبرام صفقات أكثر ذكاء مع المستثمرين الأجانب.
ولا يعنى أياً من ذلك أن النزاعات الواقعة حديثا واضحة كل الوضوح، ففى الجابون، كان هناك اعتقاد سائد لوقت طويل، أن شركة فيولا تعتمد أكثر على العمل اليدوى وتطبق معايير ببيئية أدنى، مما كانت لتطبقها فى دولتها الأم، وتنفى الشركة بقوة هذا الاتهام، وتقول إن إمداداتها من المياه تتناسب مع معايير منظمة الصحة العالمية وتتجاوز المعايير المشترطة فى الجابون، وأضافت أن الحكومة تلعب على السياسات الشعبوية من خلال توجيه الانتقادات لهدف فرنسى سهل.
وفى جيبوتى، كان الطرفان على خلاف لسنوات، وقالت الحكومة إنها حصلت على اتفاق غير عادل عندما استعانت بشركة «دى بى وورلد» لإدارة موانئها، وأعطى العقد -حسبما يزعم – سيطرة كبيرة للشركة الإماراتية بما فى ذلك تحديد التعريفات الجمركية.
وتتضمن الاتهامات قيام شركة «دى بى وورلد» عن عمد بتقويض ميناء جيبوتى من خلال إنشاء مرفق منافس فى الصومال المجاورة وأنها تقوم بعمليات نقل البضائع من سفينة لأخرى فى ميناء دولتها الأم فى دبى، وللتاكيد على وجهة نظرها، وبعد أيام من فسخ عقدها مع «دى بى وورلد»، وقعت جيبوتى عقد مع شركة «باسيفيك إنترناشيونال لاينز» السنغافورية، والتى تقول إنه سوف يزيد الشحنات عبر ميناء دوراليه بمقدار الثلث.
وتشير «دى بى وورلد» إلى تفصيل كشفت عنه محكمة فى لندن والذى ينفى الادعاءات القائلة بأن العقد كان غير عادل، ولكن تفاصيل قانون العقود قد تكون غير ذات صلة بالموضوع، وكما قال أحد المحامين: «عندما تدخل دولة سيادية كطرف فى عقد يكون لديها التزام لحماية مصالح شعبها وسيادتها، وإذا أبرمت الحكومة اتفاقاً سيئاً ينبغى أن يكون باستطاعتها فسخه».
وعقود استقدام شركات أجنبية تفرض مشكلات على الطرفين، فإذا كان العقد سخى للغاية مع الشركة سيحق للعامة الاستياء، خاصة إذا كانت الخدمة سيئة أو التعريفات عالية، أما الاتفاق الصارم سيكون له تأثير عكسى، وسيجبر المتعاقد على الخروج من الدولة.
بقلم: ديفيد بايلينج
محرر شئون أفريقيا فى صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا