شهد الاقتصاد العالمي، منذ مطلع العام الماضي 2018، وخلال العام الجاري 2019، تحركات متسارعة، على مختلف الأصعدة، لكن أغلب هذه التطورات كانت سلبية، وضغطت بشدة على الوضع الاقتصادي، مما أدى في النهاية إلى تباطؤ سرعة النمو العالمي.
وعزز هذا التباطؤ، الحروب التجارية التي أوشكت على أن تهوي باقتصادات الدول إلى القاع، لولا التدخل السريع من بعض المنظمات والمؤسسات المالية العالمية، لإنقاذ الاقتصاد العالمي، من عبث بعض المؤثرين فيه، وضمان حماية الأسر الفقيرة على مستوى العالم من آثار هذا العبث.
التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
ومع نهاية النصف الثاني من عام 2018، وحتى نهاية عام 2019، شهد الاقتصاد العالمي أسوء مراحله، نظرا للضغوط التي تعرض لها، والتي كان من أبرزها، تزايد حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واتباع الصين سياسة ائتمانية أكثر تشددا، وكثرة الضغوط الاقتصادية الكلية في الأرجنتين وتركيا، وعودة السياسة النقدية إلى طبيعتها في الاقتصادات المتقدمة الكبرى، وتضييق الأوضاع المالية، بالإضافة إلى فشل المحاولات البريطانية عدة مرات في الخروج من الاتحاد الأوروبي، حتى استطاعت تحقيق ذلك بعد فوز رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في انتخابات 12 ديسمبر 2019.
الضغوط السابقة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي على مدار عام ونصف، أعادت تشكيل الخارطة الاقتصادية العالمية، والتي كان من أهم نتائجها، ظهور تحالفات اقتصادية متنافسة في مختلف جميع أنحاء العالم، لكل منها أدواتها التي تتميز بها عن الأخرى.
استمرار ضعف النمو العالمي
ويقول صندوق النقد الدولي، في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي 2019، إن جميع التوقعات تشير إلى استمرار هذا الضعف حتى نهاية العام الجاري، وربما الربع الأول من العام المقبل، لذا يُتوقع حدوث تباطؤ في النمو لدى 70% من الاقتصاد العالمي خلال عام 2019.
وأوضح الصندوق، أن النمو العالمي في نهاية عام 2018 سجل 3.6%، ومن المتوقع أن يزداد انخفاضا إلى 3.3% في 2019، بضغط من السلبيات المتعلقة بعدة اقتصادات كبرى، بما في ذلك منطقة اليورو، وأمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا.
ورغم هذا الأداء الضعيف للاقتصاد العالمي، إلا أن الصندوق متفائل بمسار الاقتصاد العالمي خلال عام 2020، بسبب التيسير الكبير الذي تشهده السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى، والذي تحقق بعد غياب الضغوط التضخمية، واقتراب معدلات النمو إلى المستويات المستهدفة، وكان ذلك واضحا في قرارات البنوك المركزية العالمية، حيث اتبع كل من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبين وبنك اليابان، وبنك إنجلترا، سياسة نقدية أكثر تيسيرا، هذا بالإضافة إلى تنشيط الصين للإجراءات المالية والنقدية لمواجهة التأثير السلبي الناجم عن الرسوم الجمركية الأمريكية، وعلاوة على ذلك، بدات التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الهدوء نسبيا، مع ظهور بوادر في الأفق تشير إلى اتفاق تجاري وشيك.
تعافي محفوف بالمخاطر في 2020
ومع الجهود التي تبذلها الحكومات العالمية، للدفع بالاقتصاد العالمي إلى منطقة أكثر استقرار، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد عام 2020 تحسنا ملحوظا في النمو العالمي، حيث يُتوقع عودة النمو الاقتصادي العالمي إلى 3.6% في عام 2020، إلا أن هذا التعافي محفوف بالمخاطر، ويعتمد على انتعاش الاقتصادات الصاعدة والنامية، وحال حدوث ذلك، فإنه من المتوقع أن يرتفع معدل النمو العالمي من 4.4% في 2019 إلى 4.8% في 2020.
التعافي الذي يعقد عليه صندوق النقد الآمال، يرتكز على تحسن الأوضاع الاقتصادية في الأرجنتين وتركيا، وبعض الاقتصادات النامية الأخرى التي تشهد ضغوطا مختلفة حاليا، لذلك فإن النمو العالمي محاط بقدر كبير من عدم اليقين.
أما الاقتصادات المتقدمة، فإن معدلات النمو فيها ستشهدا تباطؤا طفيفا في 2020، بالرغم من التعافي الجزئي في منطقة اليورو، مع انحسار أثر إجراءات التنشيط المالي في الولايات المتحدة، واتجاه النمو في هذه المجموعة إلى المستويات المطلوبة، في ظل هشاشة اقتصادها وانخفاض مستوى الإنتاج.
ويضيف صندوق النقد العالمي، أن بعد انتهاء عام 2020، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي استقرار عند مستوى 3.5%، بدعم من النمو في الصين والهند، وارتفاع مشاركتهما في إجمالي الناتج المحلي العالمي، كما أنه من المتوقع أن يستقر النمو في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عند مستوى 5%، إلا ان التباين سيغلب على معدل النمو في هذه الاقتصادات.
في الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد العالمي مسيرة النمو بمعدل معقول، وبالتزامن مع بدء انحسار موجة الركود العالمي، فإن حدوث تطورات سلبية متعلقة بأداء الاقتصاد العالمي، هو أمر وارد وبنسبة كبيرة، حيث يشير صندوق النقد الدولي، إلى أن التوترات التجارية العالمية، من الممكن أن تشتعل مجددا، وتمتد إلى مجالات أخرى، مثل صناعة السيارات، مع إمكانية حدوث اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية.
ويشير الصندوق، إلى إمكانية تعرض النمو في الاقتصادات المؤثرة على النظام العالمي إلى تباطؤ بشكل ملحوظ، مثل منطقة اليورو والصين، كما أن المخاطر المحيطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال مرتفعة، كما أنه من الممكن أن يؤدي حدوث تدهور في أداء أسواق المال العالمية إلى تشديد السياسة المالية، خاصة وأن بيئة الاقتصاد العالمي تتسم بارتفاع ديون القطاعين العام والخاص.
النمو العالمي مرشح للتراجع إلى 2.6% في 2019
يقول البنك الدولي في التقرير الصادر عنه في شهر يونيو 2019، إن معدل نمو الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يتراجع إلى مستوى أقل مما كان متوقعا، ليسجل 2.6% في 2019، قبل أن يرتفع بشكل هامشي إلى 2.7% في 2020، مضيفا أن معدل النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، سيشهد نوعا من الاستقرار خلال عام 2020، خاصة إذا نجحت بعض الدول في تجاوز فترات الضغوط المالية، إلا أن أمال التعافي لا تزال ضعيفة.
وأشار البنك في تقريره، إلى أن تباطؤ الاستثمار يُعد من أهم المعوقات التي تواجه النمو في مساره، خاصة في الاقتصادات الصاعدة والبلدان النامية، حيث يميل ميزان المخاطر نحو الجانب السلبي، وتتضمن هذه المخاطر، زيادة الحواجز التجارية بين الاقتصادات الكبيرة، وتجدد الضغوط المالية، بالإضافة إلى تباطؤ العديد من الاقتصادات الكبرى بأكثر حدة مما كان متوقعا، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه إساءة في استخدام الاستثمارات في المستقبل.
وبالنسبة للاقتصادات الكبرى، يتوقع البنك الدولي، أن يتباطأ معدل النمو فيها خلال عام 2019، لاسيما في منطقة اليورو، مرجعا ذلك إلى تراجع الصادرات ومعدلات الاستثمار.
كما يتوقع البنك أن ينخفض معدل النمو في الولايات المتحدة إلى 2.5% في 2019، ويواصل مساره الهبوطي خلال 2020، ليصل إلى 1.7%.
أما الاقتصاد الأوروبي، فمن المتوقع أن يسجل نموا عند 1.4% في 2020-2021، وهذا ناتج عن الضغوط التي يتعرض لها النشاط الاقتصادي، من ضعف التجارة والطلب المحلي.
كما أن النظرة السلبية للبنك مستمرة تجاه أداء الاقتصادات الصاعدة والنامية خلال العام الحالي والفترة المقبلة، إذ من المتوقع أن يهبط معدل النمو إلى أدنى مستوى له في أربعة أعوام، ليسجل 4% في 2019، ويتعافى إلى 4.6% في 2020.
ويشير البنك الدولي، إلى أن العديد من الاقتصادات النامية والصاعدة، لديها القدرة على التكيف مع آثار الضغوط المالية والتقلبات السياسية، إلا أنه من المتوقع أن تنحسر تلك المعوقات، وأن يتعافى اقتصاد هذه الدول بعض الشيء، بدعم من تحسن معدل نمو التجارة العالمية.
الديون تقفز لأعلى مستوى في 50 عاما
أظهرت دراسة جديدة للبنك الدولي نشرها على موقعه الإلكتروني في ديسمبر 2019، أن ديون اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، قفزت إلى 55 تريليون دولار بنهاية 2018، مسجلة أعلى مستوى لها في غضون ثمانية أعوام.
وحثت الدراسة واضعي السياسات على المسارعة إلى تقوية السياسات الاقتصادية لبلدانهم وجعلها أقل تعرضا للصدمات المالية.
وتعقيبا على الدراسة، قال رئيس مجموعة البنك الدولي، ديفيد مالباس: “إن ضخامة وسرعة ونطاق أحدث موجة للديون، ينبغي أن تشغلنا جميعا، حيث تؤكد هذه الموجة ضرورة أن تكون إدارة الديون وشفافيتها على رأس أولويات واضعي السياسات، حتى يمكنهم زيادة معدلات النمو والاستثمار، والتأكد من أن الديون التي تتحملها بلدانهم تساهم في تحسين نواتج التنمية لشعوبهم”.
منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ
يتوقع البنك الدولي، أن يتراجع معدل النمو في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ من 6.3% في 2018 إلى 5.9% في 2019 و2020، حيث تعد هذه هي المرة الأولى منذ الأزمة المالية الآسيوية في 1997-1998 التي يهبط فيها معدل النمو في المنطقة دون مستوى 6%.
وفي الصين، يتوقع البنك أن يتراجع معدل النمو من 6.6% في 2018 إلى 6.2% في 2019، في ظل تراجع مستوى التجارة العالمية، واستقرار أسعار السلع الأولية، وتوافر ظروف مالية عالمية داعمة، فضلا عن قدرة الحكومات على ضبط السياسات النقدية والمالية لمعالجة التحديات الخارجية.
أما بقية المنطقة، فمن المتوقع أن ينخفض معدل النمو فيها إلى 5.1% في 2019 قبل أن يتعافى قليلا إلى 5.2% في 2020 و2021، مع استقرار معدلات التجارة العالمية.
أوروبا وآسيا الوسطى
من المتوقع أن يرتفع معدل النمو في المنطقة إلى 2.7% في 2020ن بعد أن سجل أدنى مستوى له خلال أربعة أعوام 1.6% في 2019، مع تعافي تركيا من الركود الحاد الذي تشهده حاليا.
وباستثناء تركيا، يتوقع البنك الدولي، أن يصل معدل النمو في المنطقة إلى 2.6% في 2020، مرتفعا بشكل هامشي من 2.4% في 2019، مع زيادة طفيفة في الطلب المحلي، وتراجع بسيط في صافي الصادرات.
أما منطقة وسط أوروبا، فستشهد خلال الفترة القادمة، انحسار آثار خطط التحفيز المالي، وما نتج عنها من تعزيز للاستهلاك الخاص، ولكن من المتوقع أن ينتعش النمو على نحو طفيف ليسجل 2.7% في شرق أوروبا، ويتراجع إلى 4% في آسيا الوسطى.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يتوقع البنك الدولي، ارتفاع معدل النمو في المنطقة إلى 3.2% في 2020، مرجعا ذلك إلى ازدهار النمو في البلدان المصدرة للنفط.
ومن المتوقع أن ينشط معدل النمو في البلدان المصدرة للنفط ليصل إلى 2.9% في 2020، مدعوما من الاستثمارات الرأسمالية في دول مجلس التعاون الخليجي وارتفاع النمو في العراق.
كما أنه من المفترض، أن يرتفع النمو في البلدان المستوردة للنفط، بفعل تطور مناخ الإصلاحات والسياسات في قطاع السياحة.
التعامل الإيجابي مع المخاطر الاقتصادية
وتؤكد المؤسسات المالية العالمية، أن المرحلة الحالية، تشهد إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي، لذلك إذا لم تتحقق مخاطر التطورات السلبية وثبتت فعالية الدعم المقدم من السياسات، يُتوقع أن يتعافى النمو العالمي، أما إذا تحقق أي من المخاطر الرئيسية، فقد ينحرف التعافي المتوقع عن مساره الصحيح، خاصة في الاقتصادات التي تشهد موجة عالية من الضغوط، وحال حدوث ذلك، فإن صناع السياسات لن يكون أمامهم سوى التكيف مع الوضع القائم، لذلك يجب فإنه من الضروري، أن تبدا الحكومات العالمية في توفير الموارد الكافية للمؤسسات للحفاظ على شبكة أمان عالمية فعالة، مما يمكن أن يساعد على استقرار الاقتصاد العالمي.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا