فقد الاقتصاد الهندى لمعانه العام الماضى، وتعثر فى تباطؤ عميق وأزمة ائتمان. وتحولت الهند، من دولة تحظى بالمديح على معدلات نموها، إلى دولة متأخرة فى السباق.
ونادرا ما يمر اقتصاد كبير بمثل هذا التحول المشين فى الحظ.
وفى الربع الثالث من 2019، ارتفع الناتج المحلى الإجمالى بنسبة %4.5 مقارنة بالعام الذى يسبقه، أى بنصف الوتيرة المسجلة فى الربع الأول من 2018، وانخفضت ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوى منذ 2015. كما أن سوق العمالة، المؤشر الحيوى فى دولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، هشا، وارتفع معدل البطالة إلى أعلى مستوى فى 45 عاما عند %6.1.
وحتى العام الماضى، كانت الهند أسرع اقتصاد كبير نموا فى العالم، وكان العقد الماضى مليئا بالتوقعات بأنها ستأخذ حصة كبيرة من التجارة العالمية، بجانب الصين وأمريكا، ولكن الفلبين وإندونيسيا حققتا نموا أسرع منها فى الربع الثالث. وجاءت ماليزيا ورائها بفارق ضئيل للغاية، وحققت الصين، رغم معاناتها من تباطؤها الخاص، نسبة نمو محترمة عند %6، وفييتنام سبقتها بكثير عند %7.3.
ويعود ذلك بقدر كبير إلى النظام المالى المتعثر فى الدولة، وتعانى البنوك الهندية من عبء الديون السيئة التى تعد الأكبر فى العالم. ومهدت البنوك التقليدية مفرطة الالتزامات، الطريق إلى ظهور بنوك الظل، التى أيضا وصلت بدورها إلى طريق مسدود، وتعثرت واحدة من أبرز تلك الشركات «انفراستركتشر ليزينج آند فاينانشال سيرفيسيز» عن سداد ديونها العام الماضى، مما أدى إلى أزمة سيولة.
ورغم أن الحكومة سيطرت على الشركة فى محاولة لاحتواء الضرر، فقد كان انهيارها مجرد البداية. والشهر الماضى أزاحت الحكومة فريق إدارة شركة «ديوان»، وهى لاعب كبير فى مجال الرهن العقارى، وأرسلته إلى محكمة الإفلاس، وهو ما دفع البنوك إلى تقليص جميع أنواع القروض.
وما يثير القلق بالنسبة للبنك المركزى الهندى، أن هذه العقبات فى القطاع المالى تعنى أن خفض الفائدة 5 مرات العام الماضى لم يكن له تأثير كبير. ورغم الخطوات المبكرة والعنيفة لخفض الفائدة، لم تتسرب فوائد السياسة النقدية الأيسر إلى الاقتصاد الحقيقى، وفى الأوقات الصعبة عادة يبقى المصرفيون المركزيون قبضتهم قوية على الدفة، ولكن أدهش البنك المركزى الهندى، المستثمرين مرات قليلة فى 219، وبدا خفض الفائدة بمقدار 35 نقطة أساس فى أغسطس بدلا من 25 نقطة التى توقعها الاقتصاديون خطوة طائشة وليست ماهرة. وتوقع الجميع خفضا آخر فى ديسمبر ولكن المسئولين امتنعوا، وهو ما كان خطأ صادما.
وعلاوة على ذلك، كانت هناك مشكلة الاحصائيات غير الموثوقة، ويقدر بحث أكاديمى أجراه مساعد سابق لرئيس الوزراء ناريندرا مودى، أن النمو على مدار السنوات القليلة الماضية كان أقرب إلى معدل النمو فى الربع الثالث من العام الماضى عند %4.5، ويعد تعديل البيانات فى وقت الركود صعبا، لأن التحسن التراكمى يغيم عليه المقارنات القاسية على أساس سنوى.
ولا يعنى الركود الحالى، أنه سيكون نهاية صعود الهند، وبقدر ما كانت الأزمة الآسيوية المالية مدمرة لـ»اقتصادات النمور» وهى إندونيسيا وتايلاند وماليزيا وكوريا الجنوبية، فقد خرجت منها أكثر قوة بعد فترات ركود مؤلمة. وعزز المسئولون، الاحتياطيات، وفرضوا ضوابط على الاقتراض بالعملة الأجنبية ودققوا فى مستويات الديون، فى حين أصبحت البنوك المركزية أكثر استقلالا. ورغم ان معدلات النمو كانت أبطا منذ ذلك الحين، إلا أنها أكثر استدامة.
وستظل الهند أكثر أهمية للاقتصاد العالمى من الفلبين او ماليزيا، وحتى إذا تباطأ النشاط فيها بحدة لفترة، فإن حجمها الكبير يجعل مساهمتها للنمو العالمى أكثر قيمة بكثير.
وفى 2020، ستبدأ آثار السياسة المالية والنقدية فى الظهور، وسينمو الاقتصاد على الأرجح بنسبة %6، مقابل %5 فى 2019، وفقا لشيلان شاه من «كابيتال ايكونوميكس».
وقد تستعيد الهند سمعة الاقتصاد الكبير المقبل، وإن كان سيكون نسخة أصغر وأكثر استدامة، وربما يكون اعتناق الدولة والعالم لهذه الحقيقة هو الأفضل للجميع.
بقلم: دانيال موس
كاتب مقالات رأى لدى بلومبرج
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا