مقالات

محمد العريان يكتب: فيروس الصين تهديد اقتصادى على المدى الطويل

فى تقييم المخاطر المعقدة التى يفرضها تفشى فيروس كورونا على الصين والاقتصاد العالمى والأسواق، كان التركيز الرئيسى – كما يجب أن يكون – على فعالية احتواء انتشاره ومعالجة المصابين ومنع ارتداده، ولكن هناك بعد آخر طويل الأجل لم يجذب الكثير من الاهتمام حتى الآن وهو المخاطر التى يفرضها على عملية التنمية الاقتصادية التاريخية والمبهرة التى تمر بها الصين.
وعند مقارنة تفشى الفيروس بالحالات الوبائية السابقة المشابهة مثل أزمة السارس منذ 17 عاماً، نجد أن الحكومة الصينية تحركت سريعا وبقوة للحد من انتشار العدوى ومكافحتها، وخضعت المناطق المصابة للعزل بهدف منع انتشار الفيروس وأُطلقت مبادرة معلومات عامة ضخمة، وكان هناك تبادل معلومات استثنائى – على الأقل بالمعايير الصينية – مع الدول الأخرى.
ورغم كل ذلك، تستمر المخاوف، ولا تنحصر المخاوف فى الصين فحسب، فقد تم الإعلان عن حالات فى أكثر من 10 دول حتى الآن، وجميعها يتخذ تدابير متفاوتة لمكافحة الفيروس، وكانت أبرزها هونج كونج التى أعلنت حكومتها عن «حالة طوارئ فيروسية» وأوقفت الرحلات رسميا إلى الصين ومددت إغلاق المدارس.
وما يحدث خلال الأيام والأسابيع المقبلة سوف يكون شديد الأهمية للصين وللعالم، ومن الصعب توقع النتائج، ولكن على المدى القصير تعتمد النتائج على احتمالية منخفضة نسبيا بأن ينتشر مرض شديد العدوى وقاتل بشكل كارثى حول العالم، وبعد ذلك، ستكون المخاطر على المدى البعيد صعبة بنفس القدر على صناع السياسة والأسواق لكى يستعدوا بأسلحتهم الخاصة لمواجهة الوضع.
ويعد فيروس كورونا صدمة أخرى غير متوقعة للنمو الصينى، وعلى عكس التصاعد فى التوترات التجارية مع الولايات المتحدة فى 2018-2019، فإن هذا التحدى لا يمكن مواجهته بسهولة من خلال تطبيق الأدوات السياسية الاقتصادية المتاحة.
ونظرا لرغبة الدولة فى تجنب تباطؤ اقتصادى كبير فى النمو الاقتصادى، استحدثت تدابير تحفيز قصيرة الأجل سيئة التصميم أدت إلى فوائد محدودة ومخاطر كبيرة من الأضرار الجانبية والتداعيات غير المقصودة، وعلاوة على ذلك، فإن العديد من هذه المخاطر لا تتماشى مع اتجاه الإصلاحات طويل الأجل الذى يتعين على الصين تطبيقه.
كما يضيف فيروس كورونا بعدًا آخر أكثر صعوبة للتجارة، فبعد إغلاق المدن، ومناطق التجمع والمراكز الترفيهية، سوف يحد ذلك من تحركات البضائع والخدمات والأشخاص داخل الصين، كما أنه يقوض النشاطات الاقتصادية المحلية الحيوية لصحة الاقتصادات بطرقتين.
على المدى القصير، سوف يتسبب التباطؤ فى النشاط الاقتصادى المحلى فى القضاء على عامل هام يقاوم التأثير السلبى لعدم اليقين والتباطؤ المستمر فى المجال التجارى رغم توقيع اتفاق «المرحلة الأولى» مع الولايات المتحدة، وهو ما يفاقم بالفعل التساؤلات التى تواجهها الحكومة حول المحفزات المالية التى لا تخدم عملية التنمية مقابل الإصلاحات، ويزيد مخاطر ظهور جيوب من عدم الاستقرار المرتبطة بالفترات السابقة للمديونية العالية والاستدانة المفرطة.
وعلى المدى المتوسط، فإن الضرر الذى سيلحق بالقطاعات المحلية يبطئ عملية إعادة التوجيه الضرورية للاقتصاد – أى من اقتصاد يركز على الطلب الخارجى والشركات الحكومية إلى اقتصاد يغذى نفسه من خلال الطلب المحلى الخاص.
وتتفاقم هذه الخطورة بحدة بسبب حقيقة أن عملية التنمية التاريخية فى الصين تمر بأكثر الفترات الانتقالية صعوبة على الإطلاق والتى تتضمن «فخ الدخل المتوسط»، والتى يظل فيها الاقتصاد عالقاً ولا يتقدم إلى مصاف الدول عالية الدخل، وهى ظاهرة أضعفت الكثير من الاقتصادات النامية قبل الصين.
ومن السابق لآوانه أن نقول ماذا سيحدث بعد ذلك سواء على المدى القصير أو الأطول أجلا، ولكن ما هو واضح فى هذه المرحلة هو أن تراكم المعوقات أمام عملية التنمية المستمرة منذ عدة عقود فى الصين، يجعل الدولة أكثر عرضة لتقلبات التحول من دولة «متوسطة الدخل» إلى دولة عالية الدخل.

بقلم: محمد العريان

كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية