ربما يؤدى الاستثمار الأكبر فى الآلات والمعدات والإنفاق على الابتكار واﻷتمتة إلى زيادة الإنتاجية بشكل أكثر
عاد صانعو السياسة إلى ديارهم برسالة واضحة بعد المشاركة فى اجتماعات الربيع التى عقدها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى أبريل الماضى، وتفيد هذه الرسالة بأن التوقعات الحالية قصيرة اﻷمد لا تقدم أى ضمانة على نمو اقتصادى مستدام على المدى المتوسط.
ولا غرابة فى ظهور كلمة إنتاجية عدة مرات فى الإصدار اﻷخير لـ«آفاق نمو الاقتصاد العالمى» لصندوق النقد الدولى، فزيادة الإنتاجية ستكون أحد الطرق الأكثر فعالية؛ لمنع انتعاش النمو العالمى الأخير من التباطؤ فى وقت مبكر.
ويبدو أن هناك بعض اﻷخبار الجيدة فى هذا الصدد، فبعد المرور بعقد من التباطؤ المستمر تقريباً، بدأت الإنتاجية العالمية أخيراً فى الانتعاش، فقد أشار الإصدار اﻷخير لمقاييس الإنتاجية العالمية إلى ارتفاع متوسط إنتاج العامل بنسبة %2 فى عام 2017، مرتفعة من %1.4 فى عامى 2015 و2016؛ حيث كانت تشكل إنتاجية العامل آنذاك انخفاضاً قياسياً فى السنوات الـ25 الماضية، باستثناء عواقب الأزمة الآسيوية فى عام 1998 والأزمة المالية العالمية فى عام 2009.
وربما تنمو إنتاجية العمالة فى العام الجارى إلى %2.3، وهى نسبة لا يمكن إنكار ضعفها وفقاً للمعايير التاريخية، فقد أفاد مكتب إحصاءات العمل اﻷمريكى، مؤخراً، بأن الإنتاجية فى الساعة الواحدة فى قطاع الأعمال غير الزراعى تحسنت بنسبة بسيطة تبلغ %1.3 فى الربع الأول من عام 2018، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، وهو ما يتشابه مع التحسن الذى طرأ على عام 2017 بأكلمه.
وناقشت تقارير عديدة، بما فى ذلك الدراسة الأخيرة لمعهد ماكينزى العالمى، أسباب تباطؤ الإنتاجية فى الاقتصادات المتقدمة إلى حد كبير، حتى فى ظل وتيرة التغيير التكنولوجى غير المسبوقة، ولكن أحد الدروس التاريخية المهمة هو أننا كثيراً ما نفشل فى إدراك إنعاش الإنتاجية إلى أن تنخفض.
وبطبيعة الحال، يمكن أن تكون زيادة الإنتاجية أمراً قصير اﻷجل، وفى المرحلة التوسعية لدورة الأعمال، تزداد الإنتاجية بشكل نموذجى؛ لأن أرباب العمل يؤجلون توظيف المزيد من العمال إلى أن يتأكدوا من انتعاش الاقتصاد، ولكن مع عدم ظهور أى ركود على المدى القصير، ربما يؤدى الاستثمار الأكبر فى الآلات والمعدات والإنفاق على الابتكار واﻷتمتة إلى زيادة الإنتاجية بشكل أكثر والمساعدة فى دفع أجور أعلى مع بدء تشديد أسواق العمل.
وربما يتسبب ظهور تقنيات رقمية جديدة فى المبالغة فى التوقعات المبكرة بتحقيق نمو أسرع فى الإنتاجية، ولكن فى الوقت الذى تنتشر فيه هذه التكنولوجيات بسرعة فى جميع أنحاء الاقتصاد، تُرجم هذا التحول إلى أداء أفضل للأعمال بشكل بطىء ومتفاوت، وهذا اﻷمر غير عادى.
وفى الواقع، شهد عدد صغير نسبياً من القطاعات أداء إنتاجياً أفضل بكثير من غيره، ولكن اﻷمر يستغرق بعض الوقت لنشر تحسينات الإنتاجية بشكل أوسع عبر الاقتصاد.
ورغم عدم الاستفادة بشكل كامل بعد من هذا الأمر، فإنَّ الطلب القوى المقترن بمزيد من الاستثمار يبشر بالخير لمرحلة جديدة من النمو السريع للإنتاجية.
وفيما يخص اﻷمور التى ينبغى القيام بها للحفاظ على انتعاش الإنتاجية، تعتبر السياسات التى تدعم إنشاء منتجات وخدمات وعمليات جديدة بالغة الأهمية، ولكن يجب ألا تركز فقط السياسة العامة على الجانب الإنشائى لعقيدة «الهدم البناء» التابعة للاقتصادى جوزيف شومبيتر.
وسمحت أسعار الفائدة المنخفضة والنمو الائتمانى الضخم وضعف نمو الأجور، المشهودة العقد الماضى، للكثير من الشركات منخفضة الإنتاجية بالنجاة، ففى ظل تبنى التكنولوجيات الجديدة على نطاق أوسع، يمكن أن تصبح سياسات الهدم البناء للشركات الأضعف أكثر تدميراً، وبجانب ذلك سيوجه الاهتمام إلى التغييرات التنظيمية والسياسية اللازمة للمساعدة فى استغلال هذه التكنولوجيات الحديثة.
ويجب على الشركات، أيضاً، تسريع التحول الرقمى، فقد أظهر استطلاع حديث أجرى على أكثر من 1000 مدير تنفيذى، قلقهم بشكل أكثر حول التكنولوجيات الحديثة المدمرة، وظهور منافسين جدد ونقص المواهب، وإدراكهم أن أعمالهم تحتاج إلى إبداع أقوى وبناء ثقافات تعاونية، ولكن بينما يعتبر هذا اﻷمر ليس سهلاً، فإن الشركات التى تنجح فى إجراء هذه التغييرات ستكون على الأرجح هى القائد لعملية إنعاش الإنتاجية.
ولا تضمن مقاييس الإنتاجية المحسنة للعام الجارى والعام المقبل النجاح فى العقد المقبل، كما أن مخاطر الركود المزمن لا تزال تلوح فى الأفق مدفوعة بضعف النمو السكانى وشيخوخة القوى العاملة، وبجانب الضغوط الضعيفة على التضخم، فإنَّ هذه العوامل لا تعد إيجابية بالنسبة لنمو الإنتاجية، ولكن مع تزايد مشكلات نقص العمالة والموهبة بشكل أكثر إلحاحاً، سيكون نمو الإنتاجية الطريقة الوحيدة لإعادة النمو الاقتصادى إلى مستويات عالية، فيجب عدم إضاعة أى فرصة لمواكبة موجة النمو الحالية.
بقلم: بارت فان أرك
كبير الاقتصاديين لدى مؤسسة «ذا كونفرانس بورد»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا