الولايات المتحدة لديها مظالم تجارية حقيقية ضد الصين، بما فى ذلك سرقة الملكية الفكرية، والنقل المنظم للتكنولوجيا
تسببت أحدث جولة من فرض التعريفات والردود الانتقامية بين الولايات المتحدة والصين فى تزايد شدة المجادلة بشأن إذا ما كان العالم يواجه مجرد مناوشات تجارية أو يتجه سريعاً إلى حرب تجارية كاملة، ولكن ما هو على المحك فعلاً يتعلق أكثر بالأسس الاقتصادية، فسواء كان ذلك بالصدفة أو عن عمد، فإنَّ حكومة الرئيس دونالد ترامب ربما تكون مهدت الطريق لتكرار موقف مشابه لما فعله ريجان بالمجال العسكرى، ولكن هذه المرة فى النظام التجارى الدولى.
وفى الثمانينيات، أطلق الرئيس الأمريكى، رونالد ريجان، سباق إنفاق عسكرياً مع الاتحاد الأوروبى، انتهى بتغيير ميزان القوى العالمية بطرق أثرت على العديد من الدول حول العالم، والآن ترامب بدأ سباق تعريفات مع الصين، التى هى أيضاً قوة عظمى، وربما سيؤدى هذا السباق إلى تداعيات بعيدة المدى كذلك، والولايات المتحدة، اليوم، فى وضع يخولها الفوز فى المسابقة الحالية مع الصين مثلما كانت تحت حكم ريجان، ومع ذلك، فالمخاطر كبيرة.
وسوف يستفيد العديد من الاتفاقات التجارية القائمة من التحديث، ويتفق معظم الاقتصاديين على أن الولايات المتحدة لديها مظالم تجارية حقيقية ضد الصين، بما فى ذلك سرقة الملكية الفكرية، والنقل المنظم للتكنولوجيا، والحواجز بخلاف التعريفات، مثل مطالبة الشركات الأجنبية بالدخول فى مشروعات مشتركة مع الشركات المحلية لدخول السوق الصينى.
ومع ذلك، يتفق معظم الاقتصاديين على أن التعريفات التنافسية طريقة خطرة لمعالجة هذه المظالم؛ لأن التعريفات تزيد ضغوط الركود التضخمى (أى أنها تشجع على الانكماش الاقتصادى وارتفاع معدلات التضخم فى الوقت نفسه)، كما أنها تهدد التعافى العالمى الذى يواجه تحديات بالفعل، كما أنه يعقد عملية التطبيع المتأخر بالفعل للسياسة النقدية، وفى الوقت نفسه تزداد احتمالات عدم الاستقرار المالى العالمى، وما ينتج عن ذلك من شروخ نظامية من شأنها أن تهدد نظام التجارة متعدد الأطراف والقائم على القواعد فى وقت لا يوجد فيه بديل جيد.
ويختلف الكثير من الاقتصاديين بشأن ما هو قادم بالتحديد، فعلى سبيل المثال، ترى مجموعة، أنه رغم أن التوترات الحالية تزيد مخاطر الأخطاء السياسية، فهى جزء من عملية تحديد المواقف والتفاوض، ولكنهم يؤكدون أنه عندما يتدهور الوضع، سوف تتجنب القوى التجارية العالمية الكبرى النهج التدميرى المتبادل، وتلجأ إلى التفاوض الذى سيثمر عن نظام تجارى حر كما هو ولكن أكثر عدلاً، وما يدعم وجهة النظر تلك الإشارات المبدئية إلى أن الاتحاد الأوروبى قد يكون أصبح مستعداً الآن لدراسة مبادرة لإلغاء التعريفات تماماً على واردات السيارات.
بينما تستشهد مجموعة أخرى بالسوابق التاريخية، وتحذر من التدابير التجارية التى تؤدى إلى إصلاح المشكلات المحلية من خلال الإضرار بالدول الأخرى، والتى قد تخرج سريعاً عن السيطرة، وتدمر المستويات المعيشية.
واليوم قد تدمر الحرب التجارية جميع الاقتصادات، ولكن الولايات المتحدة، التى تعد غير معتمدة نسبياً على الأسواق الخارجية، ولديها سوق محلى أعمق، ولديها مرونة اقتصادية بشكل عام أكثر من الدول الأخرى، سوف تتضرر بشكل أقل إذا انكمش الاقتصاد العالمى، وبالفعل عانت الأسواق المالية فى الصين، بينما تماسكت الأمريكية.
وتشير نظرية اللعب إلى أن اللاعبين العقلانيين سوف يدركون مدى ضرر الحرب التجارية عليهم، وسيرون فوائد ترك استراتيجية الردود الانتقامية، وسوف يستجيبون إلى الكثير من المطالب الأمريكية، وهو ما سجعل أمريكا أكثر قدرة على ورغبة فى وقف تآكل مركزها ونفوذها الاقتصادى والعالمى.
ولكن نجاح هذا النهج غير مضمون، وتنفيذه سيتطلب ثقة متبادلة أكثر من المتوافرة حالياً، كما ينبغى أخذ الشعب الأمريكى المنقسم فى الاعتبار خلال عملية الردود الانتقامية التى ستقود إلى ارتفاع الأسعار وفى بعض الأوقات عدم الأمان الوظيفى.
وعلاوة على ذلك، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى تجنب الضغط على الدول الأخرى (خاصة الصين) بشدة على المدى القصير؛ لأن ذلك يهدد الاقتصاد العالمى بأكمله مع احتمالية حدوث ركود وتراجعات غير منظمة فى الأسواق، وبالفعل حذر الاحتياطى الفيدرالى، الذى يعتمد على علاقاته فى مجتمع الاعمال المحلي، من أن خطط الاستثمار للشركات قد يتم «تقليصها او تأجيلها»؛ بسبب عدم اليقين بشأن العلاقات التجارية العالمية.
ودعونا لا ننسى أن الصين تحمل كميات هائلة من سندات الخزانة الأمريكية، وإذا تم الضغط عليها بشدة، قد تستخدم هذا الأمر لزعزعة استقرار سوق السندات الحكومية الأمريكية الذى يعد ضرورياً لصحة النظام المالى العالمى.
ومن المبكر للغاية القول بأن «لحظة ريجان» فى المجال التجارى سوف تنجح وتؤدى إلى نظام تجارى أكثر عدلاً، وبعد كل شىء، سوف يتطلب هذا النهج تخطيطاً استراتيجياً حذراً، وتطبيقاً ماهراً – ناهيكم عن الكثير من الحظ الجيد – بجانب الفهم العميق للعوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية، ولذلك يجب أن نتحرك إلى ما وراء فكرة المناوشات التجارية أو الحرب التجارية إلى تطوير استراتيجيات حقيقية لـ«لحظة ترامب التجارية» عندما تصل.
بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا