لطالما كان ينظر إلى المتفائلين بشأن الذهب على أنهم الطرف شديد القلق فى العالم المالى، الذين يحملون الأصل اللامع للتحوط من كارثة يعتقدون دائما أنها قريبة.
ولكن مؤخراً يبدو أنهم يعلمون ما يفعلون، ويعد الذهب العام الحالى، أفضل أصل تقليدى من حيث الأداء فى العالم، وارتفع سعره فوق 2000 دولار للأوقية للمرة الأولى على الإطلاق، ويتحدث الجميع بدءاً من المستثمرين المخضرمين إلى الداخلين الجدد للسوق عن فضائل المعدن الأصفر.
وأظهرت دراسة مسحية حديثة شملت 1000 شخص، أن واحداً من كل 6 أمريكيين اشتروا الذهب أو أى معدن نفيس آخر فى الأشهر الـ3 الماضية، وتقريباً واحد من بين كل 4 فكروا جدياً فى شرائه، ويبدو أننا جميعاً مناصرون للذهب الآن.
ومن المغرى أن نعزى رواج الذهب، إلى الرغبة فى ملاذ آمن خلال الوباء، كنوع من رد فعل لا إرادى على الفزع المالى الذى سيهدأ بمجرد مرور الأزمة، ولكن جنون الذهب أيضاً تقوده فكرة أن الأموال السهلة التى تُصب من البنوك المركزية وبرامج التحفيز الحكومية يمكن أن ترفع التصخم، وهو ما يجعله لعنة اقتصادية مقلقة أكثر.
وتجاهل المستثمرون الجديون فى الماضى، الذهب باعتباره أصلاً لا يقدم أى عائد.
ويشبه الذهب من عدة أوجه، البترول أو الحديد الخام الذى يستخرجه الناس من الأرض، ومعظم أسعار السلع ترتفع وتنخفض فى دورات ولا تجنى شيئاً فى القيمة مع الوقت.
وبفضل صورته كمخزن ثابت للقيمة، بينما السلع الأخرى متقلبة، كان أداء الذهب أفضل منهم، ولكنه مع ذلك لم يصبح استثماراً منتجاً، وعلى مدار القرن الماضى، ارتفع سعر الذهب المعدل وفق التضخم بنسبة %1.1 فى المتوسط سنوياً، مقارنة بـ %6.5 للأسهم الأمريكية، حتى سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، التى تعتبر أكثر استثمار خالى من المخاطر فى العالم، قد حققت عائدات سنوية أعلى.
وكان الذهب فى الأساس يلمع فى لحظات الحظ السيء، وصعد خلال الركود التضخمى فى سبعينيات القرن الماضى وقفز بأكثر من 7 أضعاف على مدار هذا العقد ليصل لذروته عند 850 دولاراً فى أوائل الثمانينيات، وارتفع مجدداً بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008، ووصل إلى الذروة فى 2011 عند 1900 دولار، ولكنه تراجع خلال أغلب العقد اللاحق.
وفى 2019، بعدما أشار «الاحتياطى الفيدرالى» إلى أنه سيعلق خططه لرفع أسعار الفائدة صعد الذهب لقمة أخرى.
وتاريخيا كان أداء الذهب فى أفضل حالاته عندما تتراجع أسعار الفائدة دون مستوى التضخم، ومع تحول العائد المعدل وفق التضخم على السندات إلى السالب، يشعر المستثمرون بالراحة لحمل الذهب كمخزن للقيمة حتى وإن لم يكن يقدم عائداً.
وهذا ما كان يحدث خلال الأشهر القليلة الماضية، وفى ظل اقتراب العائدات على السندات فى أمريكا من الصفر وسلبيتها فى أوروبا واليابان، رفع المستثمرون أسعار الذهب بأكثر من %30 العام الحالى بعدما اكتسب %20 العام الماضى.
وفى الأسابيع الماضية، تسارعت تلك المكاسب نتيحة تزايد التكهنات بأن الأموال الحكومية التى تضخ فى الاقتصادات سوف تشعل التضخم، ولكى يواصل الذهب الارتفاع، ينبغى أن تواصل توقعات التضخم الارتفاع، وخسرت أغلب الرهانات على ارتفاع التضخم خلال العقود الـ4 الأخيرة، لكن الاحتمالات تبدو أفضل الآن، وتقوم معظم الدول بمستويات قياسية من المحفزات فى وقت تضعف فيه القوى التى كبحت التضخم مثل العولمة، وعادة عندما يلوح فى الأفق ارتفاع التضخم، يمكن الاعتماد على البنوك المركزية لرفع الفائدة، ولكن المسئولين فى «الفيدرالى» أشاروا إلى ?نهم لا يفكرون فى رفع الفائدة ولا يتوقعون التحرك قبل 2022.
وهذا ليس منحى جيد، فعندما تكون أسعار الفائدة بهذا الانخفاض تكون الأموال مجانية تقريباً، مما يشجع المضاربة فى الأصول غير ذات القيمة للمجتمع، وهو ما يحدث فى الذهب الآن.
وتكمن المخاطر الأوسع لهذا النوع من المضاربة المالية، فى أنها تقوض الاقتصاد من خلال توجيه رأس المال بعيدا عن الصناعات المنتجة أكثر.
وليس لدى الذهب كاستثمار أى من الفوائد التى تعجبنى مثل الابتكار والإنتاجية.. بل على العكس لديه كثير من الخصال التى أكرهها، ولكننا لسنا فى الأوقات الطبيعية.
وإذا لم يتم تطوير مصل سريعاً، ستواصل البنوك المركزية طبع الأموال بطريقة هستيرية ولن ترتفع أسعار الفائدة مجددا، وبالتالى من الصعب ألا نكون جميعاً مناصرين للذهب فى الوقت الحالى.
بقلم: روتشير شارما
كبير الاستراتيجيين فى وحدة إدارة الاستثمارات فى “مورجان ستانلى”
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا