للمرة الثانية فى ثلاث سنوات، تخفض السعودية كمية الخام الذى ترسله إلى الولايات المتحدة، فى محاولة لتخفيض المخزونات بشكل إجبارى فى أكبر سوق بترول فى العالم.. وبالتالى تسرع عملية إعادة التوازن بين العرض والطلب.
ويدقق المحللون والمتداولون على حد سواء فى بيانات المخزون البترولى الأمريكى الأسبوعية، التى عادة تنشر يوم الأربعاء وتغطى الفترة حتى الجمعة التى تسبقها.
ورغم عدم شمولية هذه الأرقام، إلا أنها تعطى أحدث صورة عن التغيرات فى توازن سوق البترول، وتؤثر على قرارات التداول وأسعار الخام حول العالم.
ويمكن للتغيرات فى تدفق الخام من وإلى الموانيء الأمريكية، أن يكون لها تأثير كبير على مستوى المخزونات الأمريكية. ومن الواضح أن الرياض قررت أن الوقت قد حان للقيام بمحاولة لخفض هذه المخزونات من المستويات المرتفعة التى وصلت إليها فى مايو ويونيو، عندما اجتمع وباء «كوفيد 19» مع ارتفاع إنتاج المملكة وتسبب فى دفع مخزونات الخام التجارية الأمريكية بأسرع وتيرة على الإطلاق.
وفى الأسابيع الخمسة بين 20 مارس و24 أبريل، ارتفعت المخزونات بمعدل 2.1 مليون برميل يوميا. وبحلول الأسبوع الأول من يونيو ضرب المعدل مستويات قياسية جديدة.
وتعمل المخزونات المفرطة على خفض أسعار البترول، وتعد المخزونات الأكثر وضوحا فى العالم فى أمريكا، نظرا لأن إدارة معلومات الطاقة تنشر تقارير أسبوعية عن مستوياتها.
فلا عجب إذن إن السعودية ينبغى أن تركز على الولايات المتحدة وهى السياسة نفسها تماما التى تبنتها منذ ثلاث سنوات، بعد وقت قصير من تشكيل تحالف «أوبك بلس»،وتعرض اتفاقه الأول لخفض الناتج إلى مشكلات.
وفى هذا الوقت، اتفقت الدول الأعضاء فى منظمة الدول المصدرة للبترول و10دول غير أعضاء حليفة – بما فى ذلك روسيا والمكسيك – على خفض إنتاجها بمقدار 1.66 مليون برميل يوميا منذ بداية 2017 لخفض مخزونات البترول المتضخمة نتيجة طفرة البترول الصخرى الأمريكى الأولى.
ثم تسبب الامتثال الضعيف من قبل الدول للاتفاق وارتفاع إنتاج البترول الأمريكى، فى استمرار نمو المخزونات رغم قيام «أوبك» بأول خفض إنتاج لها فى 8 سنوات.
وبالعودة سريعا إلى اليوم، خفضت السعودية تدفقات بترولها إلى أمريكا بقدر كبير.
وفى مايو ويونيو، كانت الحاويات المليئة بالخام السعودى تصل قبالة ساحل الخليج المكسيكى والسواحل الغربية للولايات المتحدة يوميا تقريبا.. وفى بعض الأحيان أكثر من مرة فى اليوم. أما فى يوليو وأغسطس فانخفضت أعدادها إلى واحدة فى الأسبوع، وقد يتراجع هذا الرقم أكثر فى الأسابيع المقبلة.
فوفقا لبيانات “بلومبرج” لتتبع الحاويات، هناك 6 حاويات فقط تحمل 9 ملايين برميل من الخام السعودى تتجه إلى موانيء الولايات المتحدة. وفى ظل استغراق الرحلة حوالى 6 أسابيع من الخليج العربى لأى ميناء بترول رئيسى فى الولايات المتحدة، فإن هذه الحاويات ستصل فى منتصف سبتمبر.
ولن تتحسن الأمور كثيرا بعد سبتمبر. فقد أقدمت المملكة – عند وضع أسعار شهر سبتمبر – على تخفيضات كبيرة للعملاء الأوروبيين، حيث تنافس روسيا، فى حين قامت بتخفيضات أقل للمشترين فى آسيا، ولكنها حافظت على الأسعار للولايات كما كانت الشهر الماضى.
ومن خلال القيام بذلك، تتأكد السعودية من أن خامها سيظل غير تنافسى مع الدرجات الثقيلة الحلية من خليج المكسيك او الواردات من كندا فى سوق حيث التعافى المأمول فى الطلب لا يزال متعثرا.
ويريد قادة السعودية والولايات المتحدة على حد سواء، رؤية الأسعار ترتفع من مستوياتها الحالية.. فلا تزال موازنة السعودية تعتمد على إيرادات البترول.
وتحتاج صناعة البترول الصخرى الأمريكية بشدة أن تتعافى الأسعار أكثر، وربما يسعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب برؤية واردات البترول السعودى يتم تخفضيها، وبعد كل شيء، سيغذى ذلك خطابه عن الهيمنة الأمريكية على الطاقة.
وتأمل الرياض من خلال التركيز مجددا على تخفيضات الإنتاج فى السوق الأمريكى، فى إعادة النجاح الذى حققته خلال النصف الثانى من 2017 عندما ارتفعت أسعار البترول بنسبة %51 من 44.82 دولار فى منتصف مايو إلى 67.87 دولار بنهاية العام.
وإذا لم يخفف وباء «كوفيد 19» قبضته على الطلب على البترول، قد تجد السعوديةأن عام 2020 أكثر تحديا.
بقلم: جوليان لى
استراتيجى البترول لدى وكالة أنباء «بلومبرج»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا