تحتضر منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، وسوف يسعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بذلك، ولكنه لن يحب ما سيحل محلها.
ولمعت «أوبك» لفترة فى شبابها لمعاناً شديداً، ما ساعد الأعضاء على فرض سيطرتهم بقطاعات البترول، والوقوف فى وجه المنتجين الأجانب وحكوماتهم، ولكنها الآن مثل أى نجم على وشك الانفجار.
وعندما ينفذ الوقود الهيدروجينى من أى نجم يتقلص قلبه وتزداد سخونته، بينما تتوسع طبقته الخارجية، وحينها يكون أمامه مساران؛ إما ينهار إلى بقايا نجم، وهو ما يعرف بالقزم الأسود وإما أن ينفجر، ويصبح طارقاً أعظم.
وتتحول «أوبك» إلى المسار الثانى، ورغم أن صفوفها تضخمت فى كل عام من الأعوام الثلاثة السابقة، فإن أعضاءها الجدد لم يفعلوا الكثير لتعزيز إمكانات إنتاجها.
ومثل كرات الغاز فى الفضاء، ليس مطلوباً من أى وكالة أخرى أن تجلب نهاية المنظمة.
وتعد تغريدات ترامب وتهديداته بتشريعات لمكافحة الاحتكار، أحداث تعطى المجموعة لمعاناًَ زائفاً يخفى خفوت ضوئها.
وتغير العالم، ولم تعد «أوبك» ذات صلة مثلما كانت فى السابق، ورغم أن المنظمة لم يكن لديها أعضاء أكثر من الآن فى أى وقت من وجودها عبر 58 عاماً، فإن حجم إنتاجها من البترول يشكل فقط ثلث البترول المستخرج فى العالم، وهى أدنى حصة لها منذ ثلاثة عقود، وبالتالى هى ليست الجهة «الاحتكارية» التى ينتقدها «ترامب» بحدة.
كما ضعفت قدرة المنظمة على التأثير فى أسعار البترول من خلال زيادة أو خفض الإنتاج، وأصبحت القدرة الإنتاجية الفائضة لرفع الإنتاج فى وقت قصير متركزة بشكل متزايد فى أيدى مجموعة متضائلة من الدول الخليجية.
ويعد ضم روسيا فى أحدث مبادرات المنظمة لإدارة المعروض دليلاً على تراجع قوتها، ولم تكن راغبة وحدها ولا قادرة على الاتفاق لإزالة كميات كافية من البترول من السوق فى 2016 لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، ولكن روسيا هى من أحدثت كل الفرق.
ويظهر الآن ضعف «أوبك» بشكل أوضح فى الوقت الذى تحتاج فيه لتعزيز الإنتاج.
وتستطيع مجموعة صغيرة من الدول بقيادة السعودية رفع الإنتاج، أما بالنسبة لفنزويلا وأنجولا، فيخرج الهبوط الحاد فى إنتاجهما عن سيطرتهما، ولا يمكن عكسه، وكانت ليبيا ونيجيريا معفاة من اتفاق خفض الإنتاج، وبالفعل تنتجان بأقصى طاقة، وتهبط صادرات إيران أسرع من توقعات المحللين، ويريد «ترامب» أن يقودهم إلى صفر بحلول أوائل نوفمبر.. وكل ما سبق يعد وصفة ستواصل رفع أسعار البترول.
وداخلياً، أصبحت الاختلافات السياسية والاقتصادية بين الأعضاء المؤسسين لـ«أوبك» أكبر بكثير من الأرض المشتركة التى جمعتهم فى 1960، والآن، بدلاً من الاحتشاد حول دولة زميلة تواجه تهديداً خارجياً، تحاول دولتان عضوتان – وهما السعودية والإمارات على الأرجح – تدمير المنظمة، وتطبيق «سياسات مناهضة لإيران»، بناءً على طلب الولايات المتحدة، وفقاً لما قاله وزير البترول الإيرانى، بيجان نامدار زنكنه. وربما يكون زنكنه محقاً ولكن ليس بيديه الكثير لوقف ذلك، فقد انخفضت صادرات البترول الإيرانية بأكثر من الثلث منذ أبريل، ومن المتوقع أن تواصل الهبوط الشهرين الجارى والقادم، مع هروب المشترين.
وفى الوقت نفسه، عززت السعودية إنتاجها بمقدار 420 ألف برميل يومياً، خلال الفترة نفسها، وقد تصل إلى مستويات الإنتاج القياسية التى سجلتها فى 2016 قبل نهاية العام الجارى.
وبالتأكيد هذه ليست المرة الأولى التى يجد فيها أعضاء «أوبك» أنفسهم يتخذون مواقف مختلفة، فقد صمدت المنظمة لهجمات دولة عضو على اثنين من أعضائها فى عشر سنوات تقريباً، فقد هجم العراق على إيران فى 1980 وعلى الكويت فى 1990، ولكن الاختلاف الحالى يبدو أكثر تدميراً لقلب «أوبك»، ربما لأن التوترات السعودية الإيرانية أكثر عمقاً من عدوان صدام حسين.
ويعنى تراجع الإمدادت الإيرانية نتيجة عقوبات «ترامب» أن إجمالى إنتاج مجموعة «أوبك» وأصدقائها سيتراجع مجدداً دون المستويات المتفق عليها فى 2016، وبعد قرارهم فى يونيو الماضى بأنهم مطالبون ببذل كل ما فى وسعهم لكى تعود نسبة الالتزام باتفاق الإنتاج %100، سوف تقول السعودية وروسيا، إن من بإمكانه رفع الإنتاج عليه أن يرفعه، ولكن من بإمكانه القيام بذلك سريعاً؟ السعودية وروسيا.
ويتطلب موت نجم مليارات السنين، ولكن موت «أوبك» سيكون أسرع قليلاً، ومع ذلك، لن يحب ترامب التحالف السعودى الروسى اللاحق بقدر أكبر من «أوبك».
بقلم: جوليان لى
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا