قال ديفيد فيكلينج، الباحث وكاتب مقالات الرأى لدى وكالة أنباء «بلومبرج»، إنه مع ارتفاع سعر خام برنت إلى 85 دولاراً للبرميل، وتحذيرات بعض المحللين من اقترابه لـ100 دولار، ربما من المطمئن تذكر أننا ما زلنا بعيدين تماماً عن مستويات عام 2008، عندما سجل سعر الخام مستوى قياسياً يبلغ 147.50 دولار.
وقد يكون هذا اﻷمر مطمئناً، ولكنها طمأنينة فى غير محلها؛ ﻷن معظم سكان العالم يتحملون عبئاً مشابهاً أو قريباً مما تحملوه خلال فترة ارتفاع الأسعار فى 2008.
وفى الوقت الذى لا يزال فيه سعر خام برنت يبدو وكأنه منخفض نسبياً، بالنسبة لفترة الارتفاع الشديد فى اﻷسعار قبل عقد من الزمن، لكنَّ اﻷمر مختلف، تماماً، عند تسعيره فى عملات الأسواق الناشئة، ففى البرازيل، على سبيل المثال، ارتفع سعر البترول بالنسبة للريال البرازيلى ليسجل رقماً قياسياً جديداً، مقارنة بما سجله فى 2008 ليصبح الآن أكثر تكلفة بنسبة %50 تقريباً، وفى المكسيك، تخطت تكلفة خام برنت بالنسبة للبيزو المكسيكى فعلياً مستويات عام 2008، خلال شهر مايو الماضى، أما فى سبتمبر فتحركت الأسعار فى بولندا، وجنوب أفريقيا، أيضاً، لتتجاوز الذروة السائدة قبل عقد من الزمان، بينما لم تتخلف كل من الهند وإندونيسيا كثيراً عن تلك المستويات.
ومع انخفاض قيمة عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار اﻷمريكى، فإنَّ سعر البرميل بالدولار يتضاعف بالنسبة للمستهلكين فى الدول الأقل ثراءً، وهى ديناميكية تفسر سبب معاناة البرازيل من حالة إضراب بين سائقى الشاحنات فى مايو الماضى.
وتجبر توليفة ارتفاع أسعار البترول، وانخفاض العملات المحلية، الحكومات على التفكير مجدداً فى إعادة دعم الطاقة، ففى المكسيك، فاز أندريس مانويل لوبيز أوبرادور فى الانتخابات الرئاسية، بداية يوليو الماضى، بعد أن وعد بالحفاظ على أسعار الوقود عند قيمتها الحالية لمدة 3 أعوام من خلال بناء المزيد من مصافى التكرير، وزيادة الإعانات المقدمة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تهدد الموجة الانتخابية نفسها الهند، أيضاً، فقد تسبب تحرير الأسعار وفرض مجموعة إضافية من الضرائب على أعمال الوقود بالتجزئة أثناء فترة انخفاض أسعار البترول منذ عام 2014 فى دفع تكلفة الوقود بالمدن الهندية إلى مستويات قياسية.
وتمتلك الهند بعضاً من وقود النقل الأكثر كلفة فى العالم؛ حيث يصل سعر جالون البنزين إلى ما يزيد على ثلاثة أرباع متوسط الدخل اليومى.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة، تمتلك بعض الدول الآليات لتخفيف آثار ارتفاع أسعار البترول، فقد أنفقت حكومات العالم ما يصل إلى 105 مليارات دولار لدعم البترول عام 2016، وهو رقم يرجح ارتفاعه بشكل كبير منذ ذلك الحين بالنظر إلى مدى انخفاض سعر البترول الخام قبل عامين.
وتميل هذه الإجراءات إلى تهدئة المستهلكين، ولكن تكاليفها لا تختفى، ففى فنزويلا لا يزال سعر البنزين سنتاً واحداً فقط، ولكن التباين الشديد مع دول الجوار يغذى وباء التهريب والجريمة المنظمة على طول حدودها.
وتوجد قضية أكثر انتشاراً، وهى الضرر الذى تسببه هذه الإعانات للموازنات الحكومية، خاصة عندما تنخفض قيمة العملة، وهو خطر ظهر فى إندونيسيا، التى ألغى رئيسها «جوكو ويدودو» إعانات البنزين بعد انتخابه عام 2014، وربما يميل إلى إعادة تلك الإعانات عندما يتجه نحو ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهو عامل حفز وكالة «ستاندرد آند بورز» العالمية للتصنيف العالمى فى بداية العام الجارى على عدم ترقية تصنيف الدولة الائتمانى من دون الدرجة الاستثمارية.
وربما نرى مثل هذه الخطوة من قبل رئيس الوزراء الماليزى مهاتير محمد، الذى أعاد تقديم الإعانات التى ألغتها الحكومة السابقة بمجرد توليه مقاليد اﻷمور بداية العام الجارى، كما أن تايلاند قد تلجأ أيضاً إلى الإعلان عن صندوق لدعم استقرار البترول فى البلاد لخفض أسعار الديزل.
ويمكن أن يأمل المستهلكون والحكومات فى الأسواق الناشئة بضخ الدول المنتجة المزيد من البترول لتخفيف حدة انخفاض المعروض فى سوق البترول، خاصة مع التراجع بتدفقات البترول الخام الإيرانى؛ نتيجة العقوبات اﻷمريكية بدءاً من نوفمبر المقبل والانخفاض المستمر فى فنزويلا.
وبحسب شركة «بى بى» البريطانية للبترول، وصل استهلاك البترول فى الدول المتقدمة إلى ذروته بالفعل، وبالتالى فإنَّ كل الطلب المتزايد فى المستقبل يعتمد على المستهلكين فى العالم الناشئ، وبالتالى عندما تصاب هذه اﻷسواق بأزمة فإنَّ سوق البترول العالمى سيصاب بأزمة أيضاً.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا