ما الفرق الذى يصنعه مصل أو 3 أمصال؟.. يدافع المستثمرون، الذين تخلوا عن الشركات الأكثر تضرراً من سياسات مكافحة الوباء، فجأة الشهر الماضى نحو شراء القطاعات والأسواق المحلية التى شهدت أكبر الخسائر العام الجارى.
وشهدت العديد من الشركات المتضررة والمتأزمة تعافياً فى أسعار أسهمها قبل وقت طويل من انتهاء مشكلاتها، واستند هذا الأداء القوى للأسهم وسط انهيار الأرباح والإيرادات بقدر أقل بكثير على أداء الشركات والآفاق الاقتصادية وبقدر أكبر على سياسات الأموال السهلة من البنوك المركزية.
وهو ما قادنى للتساؤل إذا كان هناك “شجرة أموال سحرية بعد كل شىء؟”.. توحى الطريقة التى تتصرف بها بعض السلطات أن هناك بالفعل مثل هذه الشجرة، ورأينا هذا العام توسعاً هائلاً فى معروض الأموال فى الدول المتقدمة، ونمواً ضخماً فى الاقتراض الحكومى، ويدعى مناصرى النظرية النقدية الحديثة أنه لا يوجد أى تأثيرات معاكسة لذلك حتى الآن.
وانخفض بالفعل معدل التضخم فى البضائع والخدمات أو ظل منخفضا للغاية، ومنعت السيولة والاقتراض الإضافيين ركودا أسوأ وحالت دون انهيار سوقى ومصرفى، وظلت الأسواق محلقة وتواصل الارتفاع أملاً فى أن الحكومات ستنفق مجدداً.
ولكن هل يمكن أن تسفر هذه السيولة الإضافية عن مشكلات؟.. يمتلئ التاريخ بقصص دول جربت سياسات مشابهة فى ظروف مختلفة وانتهى بها الأمر بتضخم مفرط، وبالطبع هذه المرة يوجد تضخم أيضاً، ولكنه يقتصر حتى الآن على أسعار الأصول، بما فى ذلك الأسهم وبعض أنواع العقارات.
وتطلبت الفجوة الهائلة فى الدخول والناتج بسبب تدابير مكافحة “كورونا” القاسية فى أوائل 2020 ثم لاحقاً أثناء الموجة الثانية من الحكومات والبنوك المركزية طبع الأموال والإنفاق، وهو ما ساعد على ملء هذه الفجوة الاقتصادية بدعم مؤقت وقروض بأسعار فائدة شديدة الانخفاض، وكانت هذه المحفزات ضرورية لموجات الصعود فى الأسواق وحتى الآن الأمر يسير بشكل جيد.
وارتفع معروض الأموال فى أمريكا خلال العام الماضى بنسبة 23%، وبالنسبة لمنطقة اليورو يقف الرقم عند 10%، وكذلك فى بريطانيا، وزاد المعروض النقدى فى اليابان بقدر أكبر بكثير من العام الماضى.
وإذا واصلت البنوك المركزية هذه المعدلات من النمو فى معروض النقدية لوقت طويل مع تخلصنا من القيود المفروضة لمكافحة الوباء، ينبغى أن نتوقع ارتفاعاً فى التضخم، لأنه من غير المعقول أن تكون جميع قواعد الاقتصاد المتعارف عليها قد مزقها الوباء.
ولكن أسعار الفائدة شديدة الانخفاض يمكن أن تستمر لوقت أطول استناداً على نظرية أننا نشهد تبنى أجزاء أخرى من العالم للنموذج البابانى، الذى واصل دعم الاقتصاد من خلال الأموال الرخيصة لأكثر من 20 عاماً، ولا يوجد حاجة للقلق بشكل غير مبرر بشأن فقدان الغرب السيطرة على التضخم.
وأخذت اليابان ديونها الحكومية إلى مستوى تدمع له الأعين بالقرب من 250% من الناتج المحلى الإجمالى عندما اقترضت الأموال خلال أكثر من 10 سنوات بأسعار فائدة صفرية أو سلبية، وظل التضخم منخفض للغاية، واشترت اليابان حوالى نصف ديونها الحكومية عبر البنك المركزى الذى سمح باستمرار الإنفاق والاقتراض الحكومى بدون تكلفة تقريباً.
ورغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا يمكنهما نسخ تجربة طوكيو لفترة، فهما لا تستطيعان القيام بذلك لعدد سنوات مشابهة لليابان، لأن طوكيو تدير فى أغلب الأوقات فائضاً فى ميزان المدفوعات، لذا فهى لا تحتاج لاقتراض أو بيع أصول أساسية لشراء واردات بعملات أجنبية مثل بريطانيا والولايات المتحدة.
وعلى الأرجح سوف يشهد عام 2021 بعض التعافى مقارنة بعام 2020 الذى مزقه الوباء، وقد يتم توزيع العديد من الأمصال، وكلما يحصل المزيد من الأشخاص على تطعيم، تزداد احتمالات رفع القيود عن القطاعات المدمرة مثل السفر والضيافة والترفية، وسوف تتعافى بعض الشركات الناجحة فى هذه القطاعات بشكل جيد، بينما ستنخرط أخرى فى عمليات مكلفة لإعادة هيكلة رأس المال أو تلجأ للإفلاس.
ويتعين على البنوك المركزية الإبقاء على المحفزات لوقت طويل بما يكفى لضمان تعافى جيد، ولكن ليس لوقت طويل يتسبب فى خروج التضخم عن السيطرة، ويتعين عليهم الانتظار حتى يترسخ تعافى الناتج المحلى الإجمالى وحتى ينمو الائتمان الخاص بقدر كافى قبل تشديد السياسة النقدية.
ولن يفعل أي من ذلك أى شىء لتغيير الاتجاهين الكبيرين اللذين يواصلان الهيمنة على حياتنا والأسواق وهما الثورتان الخضراء والرقمية، وقد يسعد الناس بالعودة من بعض نشاطاتهم عبر الإنترنت حالياً إلى التواصل وجهاً لوجه مع أشخاص آخرين فى نفس الغرفة.
والارتفاع الحاد فى الحصة السوقية الذى حققته الشركات الرقمية فى كل شىء بدءاً من التسوق إلى الترفيه والاتصالات تحت الإغلاق لن يستمر بنفس القوة من الآن وصاعداً، ولكن سوف تحتفظ أغلب هذه الشركات بعملائها الجدد، وسوف يستمر العمل من المنزل واستخدام الحواسب المتنقلة والهواتف الذكية والتسوق عبر الإنترنت والترفيه من المنزل فى لعب دور أكبر فى حياتنا.
وتتسارع الأجندة الخضراء مع انضمام الولايات المتحدة للحماس بشأن سياسات الطاقة الخضراء، وبجانب الحماس الجديد بشأن الاستثمار الذى يلتزم بقواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، سوف تزيد هذه التغيرات حدة المنافسة لشراء أسهم الفائزين من هذه الثورات.
ولاتزال الاتجاهات الرقمية والخضراء ممثلة بشكل جيد فى المحافظ الاستثمارية وبعض هذه الأسهم عالى القيمة، ولكن ستكون هناك منافسة حادة لمواصلة شرائهم مع تزايد الاستثمار المسئول بيئيا، وطالما تقدم البنوك المركزية السيولة، سوف يواصل المستثمرون شراء أسهم النمو.
بقلم: جون ريدوود
الاستراتيجى العالمى لدى شركة “تشارلز ستانلى”
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا