مقالات

محمد العريان يكتب: قضية هواوى.. الحرب الباردة الجديدة

توضح قضية «هواوى تكنولوجيز» المتداولة، حالياً، فى المحاكم الكندية أحد أكبر مخاوف العديد من البلدان، خاصة منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادى، وهو مواجهة اختيار أحد جانبى الصراع بين الصين وأمريكا.
وترتكز القضية على إلقاء القبض على مينج وانزو، المدير المالى لـ«هواوى» وابنة مؤسس الشركة، وبطلب من الولايات المتحدة، اعتقلها المسئولون الكنديون فى فانكوفر؛ حيث تقاوم الآن أمر ترحيل لأمريكا؛ حيث يخطط المدعون لمقاضاتها فى اتهامات تتمثل بانتهاك الشركة للعقوبات الأمريكية على إيران.
وحذرت الصين كندا من العواقب الوخيمة، مضيفة أن كندا «سوف تتحمل كامل المسئولية» إذا تمت مقاضاة مينج، واستدعت الصين السفير الكندى إلى وزارة الخارجية فى بكين لمطالبته بالإطلاق الفورى لسراح مينج، كما استدعت السلطات السفير الأمريكى لحث المدعين على إسقاط التهم.
ومن جانب آخر، صعّد أعضاء فى الكونجرس دعواتهم لكندا لإبعاد نفسها عن الشركة الصينية، وقال ماركو روبيو، عضو لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ، إنه سيسعى لسن تشريع يمنع به «هواوى» من العمل فى الولايات المتحدة لأسباب أمنية.
وحذر مارك وارنر، سيناتو آخر ذو نفوذ، من أن «هواوى» شكلت «تهديداً لأمننا القومى»، ويأتى كل ذلك بعد تحذيرات عديدة لكندا بشأن علاقاتها المتداخلة مع «هواوى».
وبغض النظر كيف سيتطور الأمر من هنا، تهدد قضية «هواوى» بمواجهة كندا صراعاً مدمراً مع واحد على الأقل من أكبر شركائها التجاريين.
وتسلط القضية، أيضاً، الضوء على المخاوف المتنامية بأن عدداً متزايداً من الدول الأخرى بخلاف كندا سوف يتمزق بين القوتين الثقيلتين المتنافستين بما فى ذلك بين اعتباراتهما الأمنية الوطنية المتناقضة، وهذا بمثابة عودة إلى الحرب الباردة التى اضطرت فيها الدول مواجهة اختيار الانحياز إما للاتحاد السوفييتى وإما للولايات المتحدة.
حينها، فشلت جميع محاولات عدم الانجياز ولم تفلح المقاومة أمام التأثير التنافسى للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى، واليوم، تمثل أيضاً عدم قدرة المؤسسات الدولية ومكافحتها للتوصل لأى إجماع جدى فى القمم متعددة الأطراف – مثل اجتماعات مجموعة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادى «أبيك» – خطوة للوراء إلى حد ما.
وبعد عقود من تعزيز العولمة المالية والاقتصادية، تتضمن الحرب الدائرة بين الصين والولايات المتحدة مجموعة من القضايا الأوسع التى لا تتعلق فقط بالتجارة والتدفقات الاستثمارية، وإنما بالخيارات التكنولوجية الأساسية التى لها تداعيات مهمة على الأمن القومى.
واتخذت كلٌ من الولايات المتحدة والصين قفزات حاسمة على بقية العالم فى الابتكار التكنولوجى خاصة فى الذكاء الاصطناعى وتعلم الماكينات والبيانات الكبيرة، ولكن بدلاً من أن تكونا على مسار تقاربى، يبدو النموذجان متباعدين بشكل متزايد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الحكومات والشركات التكنولوجية الكبيرة، ولا عجب أن شخصاً ذا معرفة مثل إريك شميدت، الرئيس التنفيذى السابق للشركة الأم لجوجل «ألفابيت»، حذر منذ شهور من احتمالية ظهور قطبين فى عالم التكنولوجيا شديد الانقسام.
وخلال فترة تقارب غورباتشوف وريجان فى الثمانينيات، سُئل قائد أفريقى عن الفرق بالنسبة لدولته بين توترات الحرب الباردة وفترة الانفراج الدولى، وأجاب أنه بالنسبة لدولته والدول الأفريقية الأخرى كان الأمر يشبه العشب تحت قدمى فيليين عملاقيين، ولا يهم إذا كان الفيلان يرقصان أم يتعاركان، فالدول تعرضت لتهديد الدهس فى كلتا الحالتين.
وكانت الدول بمنطقة آسيا والمحيط الهادى تعيش فى عصر ذهبى حيث كانت قادرة على صداقة الصين وأمريكا، ما قدم لها مجموعة هائلة من الفرص الاقتصادية والمالية والثقافية، ويتمثل الخوف الآن فى أنها قد تضطر للانحياز لصداقة دولة على حساب الأخرى، وعلى الأرجح لن تكون سعيدة ولا مرتاحة أياً كان اختيارها.

بقلم: محمد العريان

كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية