منذ 2008، بحثت الحكومات حول العالم عن طرق غير مؤلمة نسبياً لتخفيض مستويات الديون المرتفعة، التى كانت السبب الرئيسى للأزمة السابقة، وجعل خفض أسعار الفائدة إلى صفر ودون الصفر الاقتراض أسهل فى الخدمة، وسهلت برامج التيسير الكمى والدعم من البنوك المركزية شراء الديون، وأدى الارتفاع فى أسعار اﻷصول إلى رفع قيم الضمانات مع خفض الضغط على المقرضين والبنوك المتأزمين.
وجنبت هذه السياسات الحكومات مواجهة الحاجة لخفض الديون، وفى الواقع، فقد رفعوا معدلات الاقتراض خاصة الطلب على الديون الخطرة التى سعى المستثمرون ورائها من أجل العائد، ومنذ 2007، ارتفع الدين العالمى من 167 تريليون دولار (113 تريليون دولار عند استثناء المؤسسات المالية) إلى 247 تريليون دولار (187 تريليون دولار عند استثناء المؤسسات المالية)، ويعادل إجمالى الديون %320 من الناتج المجلى الإجمالى، بزيادة حوالى %40 خلال العقد الماضى.
وارتفعت جميع صور الاقتراض «الأسر، الشركات، الحكومات» وارتفع الدين العام بقدر كبير لتمويل مجهودات الإنقاذ بعد الركود الكبير، ويقترب الدين الحكومى الأمريكى إلى 22 تريليون دولار مرتفعاً من 9 تريليونات دولار منذ 10 سنوات، أى بزيادة %40 من الناتج المحلى الإجمالى.
ونمت ديون الأسواق الناشئة كذلك وصعدت الديون غير المالية فى الصين من 2 تريليون دولار فى 2000 (أى عند %120 من الناتج) إلى 7 تريليونات فى 2007 (%160 من الناتج)، وإلى حوالى 40 تريليون دولار اليوم (%250 من الناتج).
وفى نفس الوقت، تراجعت جودة الديون، وتشكل الديون ذات التصنيف الائتمانى «بى بى بى» (وهى أدنى درجة استثمارية) نصف كل الديون ذات الدرجة الاستثمارية فى الولايات المتحدة وأوروبا، مرتفعة من %35 و%19 على التوالى منذ عقد مضى.
أما الديون ذات التصنيف الائتمانى «سى سى سى» (أى فوق التعثر بدرجة واحدة) أصبحت حالياً فوق مستوياتها فى 2007 بـ%65، أما الديون ذات التاريخ الائتمانى السيئ والسندات عالية العائد تصل قيمتها حالياً إلى 3 تريليونات دولار أى ضعف مستوى 2007.
واليوم، لا يملك العالم خيارات كثيرة، فنظرياً، قد يحول المقترضين الدخل لسداد الديون، ولكن القول أسهل من الفعل، بالنظر إلى أن القليل جداً من القروض التى أخذت العقد الماضى وضعت فى استخدامات بناءة، فالأجور الراكدة، دفعت الأسر للاقتراض لتمويل الاستهلاك، والشركات اقتراضت لإعادة شراء الأسهم وتمويل الاستحواذات، والحكومات اقترضت لتمويل النفقات، بدلاً من مشروعات البنية التحتية والاستثمارات الاستراتيجية الأخرى.
والخفض الحاد للديون الآن سوف يهدد بوقوع ركود، ما سيجعل السداد أكثر صعوبة، وعلى سبيل المثال، سوف يتطلب تقليص كومة الديون العامة أن ترفع الحكومات الضرائب وتخفض الإنفاق، وهو ما سيعوق النشاط الاقتصادى.
ونظرياً، من المفترض أن يؤدى النمو القوى والتضخم المرتفع إلى تقليص الديون، لأن النمو يعزز الدخول وقدرة المقترضين على خدمة الدين، ويقلص نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى، وعندما تكون أسعار الفائدة الحقيقية سلبية (أى الفائدة الاسمية أقل من مستوى ارتفاعات الأسعار)، يخفض التضخم مستويات الديون الفعلية.
ومع ذلك، منذ 2007، كان نجاح محاولات زيادة النمو والتضخم محدود، وكذلك كان تأثير التدابير النقدية والمالية الراديكالية، والتى خفضت تأثيرات الاختلالات الاقتصادية ولكنها أيضاً تدمر آفاق النمو طويلة الأجل.
ويمكن أن تقلص الدول ديونها المقومة بالعملة المحلية المملوكة للأجانب من خلال خفض قيمة عملاتهم، والمشكلة هنا أن الجميع يعرف هذه الاستراتيجية، وقامت مجموعة كبيرة من الدول منذ 2007 بمحاولة تقليص عملاتهم لتعزيز وضعهم التنافسى وتخفيض التزاماتهم، ولكن وصلت الاستراتيجة إلى طريق مسدود، ما قوض هذا الخيار.
أما الطريقة الأخرى لخفض مستويات الديون هو التعثر، ويمكن القيام بذلك إما بشكل مباشر من خلال إعلان الإفلاس أو طلب شطب الديون أو ضمنياً من خلال استخدام أسعار الفائدة الاسمية السلبية لخفض القيمة الاسمية للديون، وغالباً التعثر هو الخيار الأكثر ترجيحاً على المدى الطويل.
وفى حالات التعثر، يخسر المستثمرين فى الديون وكذلك البنوك والمودعون المدخرات والدخل، وقد تفلس المؤسسات المالية وصناديق المعاشات، وحسب حجم التعثر، تكون الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.
وفى 2007، فوت صناع السياسة فرصة ابتكار تصحيح بطيء ومتحكم فيه لأنه كان سيتطلب تعثرات وخسائر للمقرضين، ولكن هذا كان ليسمح بتحمل متساوى للخسائر مع حماية الأفراد والمؤسسات الأكثر ضعفاً، وبدلاً من ذلك، قامر القادة بغرور بأن أدواتهم السياسة سوف تخفى المشكلات، وتبددت المساحة التى اشتروها، واستخدمت الدول السيادية مدخرات أسعار الفائدة لتمويل زيادة النفقات بدلاً من خفض الديون.
والآن، الوقت ضدهم، وأثبتت عمليات إعادة الهيكلة السابقة أن التعثر المبكر يساعد على معالجة الجرح، وتقليص الخسائر، وتسهيل التعافى، وكلما أجلنا الأمر، ارتفعت التكلفة والتعديلات المطلوبة، وعدم رغبة صناع السياسة فى حدوث تعثرات أثناء توليهم المناصب، جعلتهم أقل صدقاً، حتى مع أنفسهم، بشأن خيارات التعامل مع مستويات الديون غير المستدامة، وبطريقة أو بأخرى يجب دفع هذه التكاليف.
بقلم: ستايجيت داس
مصرفي سابق
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا