بعد مرور 65 عاماً من تأميم الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر لقناة السويس، لايزال هذا الممر المائى يفرض السيطرة على التجارة العالمية.
فقد تسببت سفينة- طولها يعادل مبنى إمباير ستيت تقريبا- تمر عبر القناة الأسبوع الماضى، فى تداعيات كبيرة فى جميع أنحاء العالم، عندما أغلقت المدخل الجنوبى للقناة بعد جنوحها.
وقفزت أسعار البترول الخام ودُعمت الناقلات البحرية وسفن الحاويات، كما أن موردى كل شيء، بداية من البترول إلى أجهزة التلفزيون، يفكرون فى نقل حمولتهم حول رأس الرجاء الصالح، مما قد يزيد أوقات الشحن بمقدار أسبوع إضافى، فضلا عن تكبد تكاليف إضافية كبيرة.
وبعد قرن ونصف القرن، من إتمام تشييدها فى عام 1869، يمر عبر القناة الصناعية أكثر من %10 من التجارة البحرية العالمية وكمية مماثلة من البترول الخام عبر الممر المائى البالغ طوله 120 ميلا، الذى يربط آسيا الصاعدة بأوروبا الغنية، حسبما نقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ولفت حادث قناة السويس، الذى يعرقل نحو 9.6 مليار دولار من البضائع يوميا، الانتباه إلى الهشاشة الكامنة فى سلاسل التوريد العالمية التى تعانى من ضغوط شديدة فى وقت تتعرض فيه بالفعل لتداعيات وبائية، وفى عصر يتم فيه تحدى الأسس الفلسفية للتجارة العالمية.
وكشف تفشى وباء كورونا، مع النقص الأولى فى معدات الحماية الشخصية واستمرار التدافع للحصول على إمدادات محدودة من اللقاحات، عن مشاكل فى نظام التجارة العالمى، التى يمكن أن تدفع بدورها الحكومات والشركات على حد سواء لإعادة التفكير فى نموذج سلسلة التوريد فى الوقت المحدد.
وبالنظر إلى المخاوف المنتشرة قبل عام بشأن نقص الإمدادات، فإن نظام التجارة العالمى قد صمد من نواح كثيرة بشكل ملحوظ خلال الوباء.
وتقول نغوزى أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية: «إذا نظرت حقا إلى ما يحدث بموضوعية، فسترى أن سلاسل الإمداد كانت مرنة جدا».
ويرجع الفضل فى ذلك بشكل جزئى إلى جيش مكون من 1.6 مليون بحار، العديد منهم انتهى بهم المطاف فى البحر لأشهر متتالية، كما يشير آدم توز، أستاذ التاريخ فى جامعة كولومبيا.
ويعود الفضل أيضا فى ذلك إلى نماذج التسليم التى وضعتها شركات مثل «أمازون» و«على بابا» وشبكة معقدة من شركات الشحن والنقل والخدمات اللوجستية.
طوال فترة الوباء، وجد المستهلكون فى الدول الغنية محلات السوبر ماركت المجهزة، ومحطات الوقود مفتوحة، كما أن أجراس الأبواب كانت تدق لتسليم الطلبيات عبر الإنترنت.
ومع ذلك، هناك ضغوط فى كل مكان، إذ يأتى انسداد قناة السويس عقب سلسلة من الأحداث التى عرضت الإدارة السلسة للتجارة العالمية للخطر.
وقبل خمسة أيام فقط من جنوح سفينة «إيفر جيفن»، نشب حريق فى مصنع الرقائق الخاص بشركة «رينيساس إلكترونيكس» فى شمال اليابان والذى هدد بمزيد من الاضطراب فى صناعة أشباه الموصلات التى تعانى بالفعل من النقص.
وجاء إغلاق المصنع، الذى يتوقع استمراره لشهر على الأقل، بعد أن اضطرت الشركتين المنافستين «إن إكس بي» و«إنفينيون» الألمانية لإغلاق مصانع تصنيع الرقائق فى مدينة أوستن فى ولاية تكساس لمدة شهر بعد انقطاع التيار الكهربائى فى الولاية الأمريكية، ولم يعاد افتتاح مصانعهما إلا مؤخرا.
ويقول هيديتوشى شيباتا، الرئيس التنفيذى لشركة «رينيساس إلكترونيكس»: «لسوء الحظ، حدث الحريق فى وقت لم تكن هناك قدرة متبقية عبر الصناعة بأكملها».
وبعد ذلك، أدى تراجع الإنتاج فى المصنع الذى كان مغمورا فى السابق إلى توقف مصانع السيارات فى أماكن بعيدة مثل الولايات المتحدة.
وهذه المرة، يحذر شيباتا من حدوث تأثير هائل محتمل آخر على إمدادات الرقائق العالمية.
كان الوباء نفسه يكشف بالفعل عن نقاط الضعف فى سلاسل الإمداد العالمية، فقد ارتفعت أسعار شحن الحاويات بأكثر من ثلاثة أضعاف، حيث خفضت الشركات التى تتحكم فى خطوط الشحن طاقتها توقعا لانخفاض فى الطلب، وأصبحت تكلفة شحن حاوية 40 قدما بين شرق آسيا والساحل الغربى للولايات المتحدة تقدر بنحو 4000 دولار، بارتفاع من 1500 دولار فى بداية عام 2020.
ويقول الرئيس التنفيذى للعمليات فى «نيسان»، أشوانى جوبتا: «تعتمد سلسلة الإمداد لدينا على سيناريوهات يمكن التنبؤ بها، لكن ما لم نتوقعه هو السيناريو المتطرف الخاص بأزمات غير مسبوقة مثل كورونا والتحديات الفريدة التى سببتها».
وقال نجير وودز، أستاذ الحوكمة الاقتصادية العالمية فى جامعة أكسفورد، إن سلاسل الإمداد العالمية تواجه ثلاثة ضغوط مختلفة ينبغى التفكير فيها، يتمثل إحداها فى الضغط لإعادة فرص العمل إلى الوطن.
وقد كشف تفشى «كوفيد-19» التحدى الثانى، وهو يتمثل فى الاعتماد الاستراتيجى على دول أخرى من أجل المعدات الطبية وعلى نطاق أوسع من أجل لسلع الأساسية والتقنيات العسكرية والمدنية الرئيسية.
أما التحدى الثالث فهو مطالبة، بقيادة الجهات الاستثمارية المؤسسية والمستهلكين، الشركات بالسيطرة بشكل أفضل على سلاسل الإمداد الخاصة بها وفرض تكاليف إضافية، إذ يتم إقناع الشركات بضبط الانبعاثات الكربونية أو ممارسات العمل لدى الموردين، وعند اندلاع أزمة، يبدأ المصنعون فى بذل جهود هائلة لإنقاذ الإنتاج.
فعلى سبيل المثال عندما نشب حريق فى عام 2018 فى مصنع بولاية ميتشجان يعمل على تصنيع قطع غيار لشاحنة فورد «إف-150»، قامت شركة صناعة السيارات آنذاك بإرسال فريق إلى المصنع المحترق لاستخراج الأدوات اللازمة لإنتاج قطع الغيار، وتم نقل 19 آلة، بما فى ذلك واحدة تزن 44 طنا، إلى أوهايو، ثم نُقلت على متن طائرة شحن روسية الصنع من طراز «أنتونوف» إلى المملكة المتحدة، حيث تم استئناف الإنتاج، والعملية بأكملها استغرقت ما يصل إلى 30 ساعة.
ويقول جون باتلر، رئيس مجلس الشحن العالمي: «يصعب على المستهلكين تقدير مدى تعقيد الشبكات التى تنقل البضائع إلى متاجرهم أو أبواب منازلهم.. ولا أعتقد أن المستهلكين يهتمون بالتفاصيل إلا عندما يتأثر عمل أحد تلك التفاصيل».
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا