ظلمات بعضها فوق بعض، تحمى ثروات هائلة غير مكتشفة بعد، ما يجعل من المحيطات مستقبل الموارد للاقتصاد العالمى.
ولا يمكن تخيل وصول الضوء إلى قاع المحيط الهادئ الذى يصل عمقه إلى 11 ألف متر تقريبا فى أبعد نقطة وفى المتوسط حوالى 4 آلاف متر على مساحة 170 مليون كيلومتر تقريبا بينما الميحط الأطلنطى يبلغ عمقه فى أبعد نقطة حوالى 8 آلاف متر بمتوسط عمق 3 آلاف متر تقريبا على مساحة 106 ملايين كيلومتر تقريبا.
لكن وسط هذا الظلام الدامس نجح العلم والتطور التكنولوجى فى تسليط بقعة ضوء كبيرة على أهمية الاستثمار الاقتصادى لقاع المحيطات والبحار لتعزيز الاقتصاد الأزرق فى العالم الذى يتخطى حجم 1.5 تريليون دولار.
ومع تطور التقنيات بات من الممكن الوصول إلى المعادن المهمة بداية من الزنك ووصولا إلى الذهب كما هو الحال فى قاع البحر الأحمر قرب الحدود السعودية مما يجعل التعدين تحت الماء من أهم المجالات الجاذبة للاستثمارات السيادية عموما.
وخصصت المفوضية الأوروبية 600 مليار يورو لتمول مشاريع فى الاقتصاد البحرى بمشاركة نحو 600 شركة عملاقة من بينها المختص بالاستثمار فى قاع المحيطات وتوليد الكهرباء من موجات المد والجزر ومزارع الرياح كما هو الحال فى المملكة المتحدة. التقرير التالى يسلط الضوء على سبل استغلال الثروات فى قاع المياه السحيقة.
استثمارات التعدين تحت سطح البحر تجذب رؤوس الأموال
يقبع الروبوت باتنيا تحت سطح المحيط الهادى وهو الأول من نوعه الذى يمكنه الوصول إلى قاع البحر وذلك فى منطقة كلاريون كليبرتون على عمق 5 آلاف متر تحت المحيط لجمع بيانات عن قاع البحر حيث يتحرك بعناية ويلتقط المعادن الثمينة فى طريقه.
وتتميز هذه المنطقة بأن قاع المحيط فيها يتكون من قشرة أرضية ينتشر عبرها تريليونات من الوحدات المعدنية تكونت نتيجة عشرات الملايين من السنين من التراكم البطيء.
وحصلت شركات من اليابان وروسيا والصين وعشرات من الدول الأخرى على حقوق لاستكشاف المعادن فى منطقة كلاريون- كليبرتون، من المتوقع أن توافق السلطة الدولية لقاع البحار ISA على التعدين الفعلى الأول فى العام المقبل 2020.
وقدر جيمس هاين من هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية وزملاؤه فى عام 2012 فى ورقة بحثية أن منطقة كليفلاند تحتوى على كميات أكبر من النيكل والكوبالت والمنجنيز مقارنة بجميع الرواسب الأرضية المعروفة لتلك المعادن مجتمعة، ويتوقع البنك الدولى أن يزداد الطلب على صناعة البطاريات وغيرها من المنتجات القائمة على المعادن مع تنامى عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة بما يكفى للحفاظ على درجات الحرارة العالمية دون الحدود المنصوص عليها فى اتفاقية باريس بشأن المناخ.
وتملك كوريا واليابان والصين مشاريع بحثية تديرها الدولة تتطلع إلى تجريف الرواسب المعدنية من أعماق البحار باستخدام الروبوتات.
وقال كريس فان نيجين، الذى يدير جهود التعدين فى أعماق البحر فى شركة ديمى البلجيكية وهى شركة تجريف أثبتت بالفعل قدرا كبيرا من النشاط فى أعمال التنقيب وتبلغ إيراداتها نحو مليار يورو فى السنة أن الأساليب التقليدية فى التنقيب تحت البحر لن تجدى فى هذه المنطقة التى تصل فيه مستويات الضغط الجوى إلى 500.
وتجدر الاشارة إلى ان فكرة تعدين فى المنطقة ليست جديدة حيث شهدت السبعينيات من القرن الماضى رحلة بحثية لسفينة أبحاث بريطانية تسمى تشالنجر حيث كانت أول من جرف الأعماق السحيقة وقد حاولت شركة لوكهيد مارتن الأمريكية التنقيب فى منطقة كليفلاند فى الستينات لكن مسارات ترسب المعادن لم تكن موثوقة بما فيه الكفاية واستخدمت خبرة لوكهيد فى مجال التعدين فى أعماق البحار فيما بعد فى عملية لوكالة المخابرات المركزية لاستعادة غواصة سوفيتية غارقت فى منطقة كليفلاند كونيتيكت عام 1968.
وفى ذلك الوقت كانت هناك تكهنات مفادها أن التعدين فى أعماق البحار سيتطور بسرعة بحلول الثمانينات لكن عدم وجود الطلب وبالتالى الاستثمار وضعف القدرات التكنولوجية والتنظيمية المناسبة عرقل حدوث ذلك. كما لم يتم التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) التى أنشئت بموجب القانون الدولى حتى عام 1982 ولم تقم الولايات المتحدة بعد بالتصديق عليها وبالتالى لا يمكن أن تنطبق على نظام ISA الخاص بتصاريح التعدين فى قاع البحر.
وتقوم شركة ديمى البلجيكية حاليا ببناء بانتيا2 أو بي2 فى حوض بناء السفن فى أنتويرب ليتم إرساله إلى قاع المحيط الهادئ فى غضون الأشهر القليلة القادمة فيما كان بي1 عبارة عن جرار فى أعماق البحار فإن بي2 هو نموذج أولى متكامل فهو عبارة عن كاسحة مثبتة لها قوة تشبه الحصادة لتبتلع أطنان من الرواسب فى الدقيقة وستحصل على الطاقة التى تحتاجها للقيام بذلك من خلال وصلات مرتبطة عبر سرة سميكة فى سفينة أم تقف على سطح البحر فوقها، وستحمل هذه السفنية نتائج أعمال التنقيب.
ولإرضاء سلطة قاع البحار يجب التأكد من أن رواسب الحفر والطمى الناتج لن يدمر الحياة الطبيعية تحت المياه وستتم مراقبة العمليات من قبل سفينة أبحاث ألمانية بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
وإذا نجحت بي2 فسيكون الوقت قد حان لبي3 والذى سيكون بحجم منزل صغير ولديه اثنان من المرافقين فيما يشبه الطائرات بدون طيار واحد للسير أمامه والآخر خلفه لرصد كمية الطمى دون الحاجة إلى سفينة الاتحاد الأوروبى وبعد ذلك سوف تقوم شركة ديمى ببناء سفينة سطحية متخصصة فى عام 2025 لتطوير أسلوب جديد لعمليات التعدين بتكلفة إجمالية قدرها 600 مليون دولار.
ولا تعتبر منطقة كلاريون كليبرتون الأرض الوحيدة تحت البحر التى وجدت نفسها فى مشهد يشبه اعمال المناجم حيث تقول شركة نوتيلوس الكندية إنها ستبدأ قريباً فى التنقيب فى قاع البحر فى منطقة بالقرب من بابوا غينيا الجديدة بحثًا عن الذهب والنحاس على الرغم من أن السفينة التى كلفت بها لهذا الغرض لم ينته تصنيعها بعد فى ترسانة صينية.
وتريد شركة منافع السعودية أن تستفيد من قاع البحر الأحمر الغنى بالمعادن خاصة الزنك والذهب، وفى شمال الكرة الأرضية هناك مشاريع لإزالة رمال الحديد قبالة سواحل نيوزيلندا وقشور المنجنيز قبالة سواحل فى جنوب آسيا باليابان. وتقوم شركة دى بيرز بالفعل باستخراج نسبة كبيرة من الماس من قاع البحر قبالة سواحل ناميبيا نظراً لأنه لا يمثل تحديا تقنيا للتقيب على عمق 150 مترا.
ويحتاج التنقيب فى قاع البحر إلى احتياطات كبيرة لكنه لا يمثل اضرارا مثل التعدين فى باطن الأرض الذى يؤدى إلى إزالة الغابات والنظم البيئية الأخرى من أجل الوصول إليها، ونقل مئات الملايين من الأطنان من الصخور للوصول إلى الخامات، وغالباً ما يخرج الناس المحليون والسكان الأصليون بشكل سيئ من الصفقات التى تتم بين عمال المناجم والحكومات. ومن المحتمل أن ينتج التعدين فى أعماق البحار خامات اقل جودة لكنه سيفعل ذلك دون التأثير على السكان.
كما ستنقل هذه الخامات مباشرة إلى السفن التى يمكنها نقلها مباشرة إلى مصانع المعالجة على أى ساحل فى العالم، بما فى ذلك تلك التى تستخدم الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، مما يقلل من أثر استخراج المعادن بشكل أكبر بعد أن شاهد العالم الدمار الذى أحدثه التعدين على الأرض.
المؤسسات الخيرية تمول حملات حماية البحار
ينتهى الأمر بكل من البلاستيك وثانى أكسيد الكربون ومخلفات الحقول فى المحيطات فإذا كان هناك طرف يتحمل المسئولية عن ذلك فمن المعتقد عموما أنهم أولئك الذين وضعوها فى البحار مثل مصانع وشركات رجال الاعمال أو الحكومات.
ويحاول الآن عدد متزايد من الأفراد الأثرياء وضع المحيطات فى مركز العطاء الخاص بهم وواحدة من هؤلاء هى ويندى شميدت زوجة إريك شميدت الرئيس السابق لشركة جوجل حيث تركز عبر مؤسستها الخيرية التى انشاتها هى وزوجها فى عام 2006 على جميع فئات القضايا البيئية فيما تمثل المحيطات مكانة خاصة فى تقدير شميدت. وعلى حد تعبيرها فان العالم يتكون من أنظمة حية مترابطة والمحيط هو أكبر عناصرها.
لم يكن شغفها بالمحيطات مرتبط بنشأة حياتها حيث عاشت فى ضواحى ولاية نيو جيرسى وشاهدت المحيطات فقط فى التلفزيون الذى كان أعمق نطقة وصلت لها لكنها بعد عام واحد فقط من تأسيس مؤسسة شميدت فاميلى الخيرية خرجت فى رحلة بحرية ومن ثم باتت شغوفة جدا بعالم البحار.
وترجمت شميدت هذا الشغف بمجموعة من المبادرات المتعلقة بالمحيطات، ففى عام 2009 بدأت هى وزوجها تاسيس معهد شميدت للمحيطات وهى منظمة منفصلة تم تخصيص سفينة للأبحاث خاصة بها تسمى فالكور بهدف تعزيز عملية البحث، وقد يستخدم علماء المحيط السفينة مجانا، طالما أنهم يلتزمون بمشاركة بياناتهم بشكل علنى فى غضون شهرين من رحلتها.
ومنذ ذلك الحين، قامت شميدت برعاية مسابقات تهدف إلى تحسين نصيب المحيطات من الانفاق على البحوث، وفى عام 2010 عرضت 1.4 مليون دولار لتمويل الحلول الجديدة لتنظيف التسريب النفطى فى أعقاب كارثة ديب واتر هورايزن. وفى عام 2015 عرضت مليونى دولار لتصميم أنواع جديدة من أجهزة الاستشعار لقياس بدقة معدل حمضية المحيطات الناتجة عن زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون. وأطلقت المؤسسة مؤخرا ذراعا لمشروعها الخيرى يركز حصريا على تمويل التكنولوجيا التى يمكن استخدامها لحماية المحيطات.
ويعتبر تلوث المحيط بالبلاستيك هو أحدث قضايا المحيطات التى جذبت انتباهها وقد أعلنت ليزا سفينسون رئيسة شئون المحيطات بالأمم المتحدة أن التلوث بالبلاستيك يمثل أزمة على مستوى كوكب الأرض.
وتقول شميت إن المحيطات تتعرض للهجوم من قبل الإنسان وهناك تشوه كبير فى العوالق النباتية فى قاع السلسلة الغذائية مما يعد أمرا مقلقا.
النرويج تبدأ الاستزراع السمكى فى عرض المحيط
جسم غريب غير عادى وصل قبالة سواحل النرويج فى سبتمبر الماضى بلغ وزنه تقريبا وزن برج إيفل ومحيطه أكبر من كاتدرائية القديس بطرس فى روما، ويبلغ عرضه 68 مترا وارتفاعه من الأعلى إلى الأسفل أكثر من 100 متر. وقد تم إنزاله على بعد 5 كيلومترات من الشاطئ ويبدو وكأن عجلات سيارات سباق ذات لون أصفر ساطع مغمورة جزئياً مائلة إلى جانبه ويعلوه برج تحكم أبيض يقع فى مركزه.
تعد مزرعة أوشن1 الأولى من ست مزارع أسماك تجريبية طلبتها شركة سالمار النرويجية بتكلفة إجمالية تبلغ 300 مليون دولار بحسب تقرير لمجلة ايكونوميست البريطانية. كما تقوم شركة انوفاسى الأمريكية بإنشاء شبكات كبيرة للاستزراع المائى فى المحيطات المفتوحة تسمى المراكز المائية والتى يتم استخدامها حاليا قبالة سواحل بنما وهاواى ولكن اوشن1 هى أكبر مزرعة سمكية مفتوحة للمحيطات فى العالم.
ويقول هيكو لاس الذى يقود البحث والتطوير فى مجال الاستزراع المائى فى شركة كونجسبيرج البحرية وهى شركة هندسية نرويجية أن فريقه صمم نظام استشعار يقوم على تسجيل صدى الصوت مثبت أسفل الإطار الخاص بالوحدة بالإضافة إلى كاميرات عالية الوضوح متدلية فى المياه على أعماق مختلفة وأجهزة استشعار للأكسجين وأنابيب تغذية متحركة ومغمورة وكل ذلك لمتابعة مراحل نمو الأسماك.
وتلعب تربية الأسماك دورا مركزيا بشكل متزايد فى توفير كميات كافية من البروتين لسكان الأرض، فالناس يأكلون المزيد من الأسماك على مستوى العالم أكثر من لحوم البقر، وتمثل الأسماك المستزرعة ما يقرب من نصف الاستهلاك البشري، والكثير من مزارع الأسماك البرية تتخطى بالفعل قدرتها المستدامة، لذا فإن الجهود المبذولة لجعل الاستزراع السمكى أكثر إنتاجية أمر حيوي.
وتهدف مزرعة أوشن1 إلى أتمتة ما يعتبر عملاً مكلفاً وصعباً ولحل مشكلتين رئيسيتين تحدثان فى الاستزراع المائى القريب من الشاطئ وهما أنه لا يوجد مساحة كافية ومشكلة التلوث الناجمة حيث يمكن للفضلات من الملايين من سمك السلمون أن تسيء إلى المضايق النرويجية بسهولة، والمياه السطحية نسبيا لها هى أرض خصبة لحشرات البحر، لكن المحيطات المفتوحة تكون المياه فيها أعمق والأكسيجين فيها أفضل كما أن التيارات المائية أقوى وأكثر قدرة على التخلص من الفضلات.
وتنتشر المزارع القريبة من الشواطئ عادة على سطح الماء مما يؤدى إلى فقدان الغذاء بالغرق لكن مزارع المحيطات تحتوى على 16 صماما فى أعماق مختلفة يمكن من خلالها دفع الغذاء ليصل الى الأسماك، ومن خلال وضع القفص فى مكان أعمق فإنه قادر على الحفاظ على سمك السلمون فى المياه العميقة ليكون بعيدا عن حشرات السطح التى تعيش فى المياه الضحلة.
كل هذا يعنى أنه يمكن زيادة إنتاج الأسماك وهو ما تسعى إليه الحكومة النرويجية لتحقق الهدف الرئيس بمضاعفة إنتاج الاستزراع المائى ثلاث مرات بحلول عام 2030 وخمس مرات بحلول عام 2050. ويقول هيكو لاس إن التوسع فى الاستزراع المائى التقليدى لن يصل إلى هذه الطموحات عالية النمو.
وتقوم شركة كونجسبرج بجمع البيانات من جميع أجهزة الاستشعار الموجودة فى المزرعة لبناء نموذج تعلم آلى يسمى سيمسالاما والذى يتعلم سلوك سمك السلمون من أجل تحسين التغذية، وفى الوقت الحالى يقرر المشغلون البشريون لهيكل المزرعة متى وأين يقومون بتغذية الأسماك من خلال فحص البيانات. وفى غضون العام الحالى ستتم هذه العملية آليا، مما يؤدى إلى دفع الأعلاف فى الأوقات والأماكن المثلى والحد من الدور البشرى وبالتالى خفض نسبة هدر الموارد. وسوف يمثل نجاح وتوسيع هذه المشروعات خطوة كبيرة نحو الحفاظ على المخزون السمكى العالمي.
غرام أوروبى باستثمارات الطاقة فى المياه العميقة
تعمل شركة أبوندانس، وهى شركة رائدة فى مجال الاستثمار الأخلاقى من نظير إلى نظير فى المملكة المتحدة، فى الانتهاء من توفير تمويل هو الأكبر حتى الآن، حيث جمعت 7 ملايين جنيه إسترلينى لصالح شركة اوربيتال مارين باور وهى شركة ابتكارات اسكتلندية متخصصة فى طاقة المد البحري.
وتسعى الشركة إلى استخدم الأموال التى جمعتها لبناء أول نموذج للإنتاج الخاص بها من خلال توربين اوربيتال او2 وهو عبارة عن منصة توربينية عائمة مبتكرة يمكن سحبها وتركيبها وصيانتها بسهولة، وقد حصل المشروع بالفعل على عدد من المنح الداعمة وكذلك تمويل بنظام الحصص بما فى ذلك من الحكومة الاسكتلندية.
واجتذب إصدارها للسندات التى تبلغ مدتها 2.5 سنة بعائد سنوى قدره %12 نحو 2300 مستثمر من الأفراد مع استثمار أكثر من نصف أموال الطرح فى تمويلات الابتكارات التى تحصل على إعفاء ضريبي، كان متوسط الاستثمار حوالى 3000 جنيه إسترليني، حيث جذب المشروع اهتماما كبيرا من الأفراد فى اسكتلندا حيث تم تغطية الطرح بأكثر من %50 إضافية عن المقرر له.
ويأمل تقرير مجلة رينبول انريجى الأنجليزية فى أن عام 2019 سيكون الأفضل بالنسبة لقطاع الاستثمار البيئى والاجتماعي.
ويقول بروس ديفيز الشريك المؤسس والعضو المنتدب للشركة الاسكتلندية إنه من المهم أن تصل مؤسسته لأكبر استثمار فى تاريخها بقيمة 7 ملايين جنيه إسترلينى مع حلول العام الجديد مشيرا الى انه يمكن للمملكة المتحدة أن تدعى أنها رائدة على مستوى العالم فى تكنولوجيا توليد الطاقة من المد والجزر وقد ساندها عملاؤها بحماس.
وأضاف أندرو سكوت، الرئيس التنفيذى لشركة أوربيتال مارين باور أن الشركة نتيجة التمويل تمثل اعترافا مجتمعيا بكفاءة هذه التكنولوجيا فضلا عن أنها إشارة واضحة إلى أن جمهور المملكة المتحدة يدعم بشكل كبير رؤية جلب كهرباء المد والجزر إلى المنازل لتعزيز مزيج الطاقة العالمي.
وكانت شركة “وايد إنيرجي” نجحت مؤخراً فى الحصول على تمويل لاستثماره فى مجال طاقة الرياح وهو استثمار لمدة 16 عاماً فى محفظة من توربينات مزارع الرياح، تدفع عوائد سنوية قدرها %5، مما جذب مجموع تمويلات بقيمة 2.9 مليون جنيه إسترليني.
وفى الوقت الراهن فتحت شركة جوجن ليمتد الباب لتمويل استثمارها فى المملكة المتحدة لمشروع تحويل النفايات إلى غازات والذى يسعى لمعالجة المشاكل المزدوجة للمخلفات فى المملكة المتحدة والحاجة إلى خفض مصادر الطاقة التى تولد انبعاثات كربونية. ويدفع السند الذى يبلغ مدته 4.5 سنوات %10 من العائد سنويا وجمع بالفعل فى أول شهرين لعملية الطرح ما يزيد على 1.2 مليون جنيه استرليني، أى %40 من الحد الأدنى المستهدف.
وشهدت العاصمة البلجيكية بروكسل العام الماضى تجمع المئات من رواد الأعمال المبتكرين والمستثمرين الرائدين من جميع أنحاء أوروبا بهدف المشاركة فى تحقيق نمو اقتصادى مستدام للبحار والمحيطات كجزء من حدث بلو ماتش التجارى السنوي.
ونظمت المفوضية الأوروبية أول حدث من نوعه على الإطلاق خلال المؤتمر وهو “بلو انفست” او الاستثمار الازرق حيث شهد حضور 20 شركة منتقاة من بين 120 شركة مرشحة لتقديم مقترحاتها الاستثمارية أمام هيئة محلفين من المستثمرين المحترفين.
وحصلت الشركات على نصائح مباشرة من نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبى جوناثان تايلور، وقادة الصناعة وخبراء الخدمات المالية حول توسيع نطاق أعمالهم وزيادة العائد للمستثمرين المحتملين.
ومع مشاركة شركات من جميع أنحاء أوروبا حضر منافسون من الخارج من دول مثل ماليزيا والسنغال والولايات المتحدة.
وجرى خلال المؤتمر مناقشة محاور تركز على الحلول المبتكرة حول استغلال المحيط لإنتاج الطعام والطاقة، بالإضافة إلى تقديم حلول خضراء ورقمية للاقتصاد البحري.
وكان من أهم جلسات المؤتمر قيام أربعة من كبار المطورين فى مجال الطاقة البحرية بتقديم عروضهم التقديمية التى تنصب على المحيطات.
ومن بين هذه الشركات شركة بلورايز التى تعمل فى مجال تحويل الطاقة الحرارية فى المحيطات ومقرها هولندا وشركة مينستو السويدية لطاقة المد والجزر وشركة طاقة الأمواج الفنلندية ويللو ومطور طاقة المد والجزر الأسكتلندى نوفا انوفيشن.
وفى معرض حديثه فى مؤتمر بلو انفست 2018 قال المفوض الأوروبى للبيئة والشئون البحرية والسمكية، كارمينو فيلا إن خبراتهم توضح أن المستثمرين يثقون فى العلامات التجارية الكبرى والتقنيات المجربة والتى خضعت للاختبار.
وأكد على أهمية ايلاء الاختبارات والتوثيق للتجارب بالنسبة للشركات التى تكافح وخاصة فى المجالات الناشئة مثل طاقة المحيطات أو التكنولوجيا الحيوية الزرقاء لجمع تمويلات حيث حصلت على مبالغ أقل بكثير مما تحتاجه حتى الآن مشددا على أنها قضية مصداقية أيضا بجانب ضرورة امتلاك رؤية مستقبلية.
ونجحت المفوضية الأوروبية فى 2018 فى تحقيق المساعدة فى خلق تعاون بين 600 مشروع فى الاقتصاد البحرى وتجرى الجهود خلال العام الجارى بعناية شديدة لإعداد ملف استثمارى يمكن أن يقنع مديرى الصناديق بأن هذه الأعمال المتعلقة بالمحيطات هى مجال يستحق الاستثمار فيه.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية يوركى كاتاينن والمسئول عن الوظائف والنمو والاستثمار والقدرة التنافسية إن تعزيز الاستثمار يمثل أولوية أساسية لهذه اللجنة، “لقد نجحنا فى تطوير أدواتنا المالية لتعبئة رأس المال الخاص من أجل الاستثمارات المستدامة”.
ودعم الصندوق الأوروبى للاستثمارات الاستراتيجية فى خطتها بالفعل استثمارات تزيد قيمتها على 280 مليار يورو فى أوروبا لتشجيع الجميع على الاستفادة القصوى من الأدوات المالية للاتحاد الأوروبى المتاحة عند تطوير الاقتصاد الأزرق المستقبلي.
وتهدف الميزانية المستقبلية طويلة الأجل للاتحاد الأوروبى إلى حشد التمويل الخاص للاستثمارات لتعزيز النمو وفرص العمل بالإضافة إلى التمويل العام الذى سيبقى أداة مهمة للاتحاد الأوروبي.
وتناقش المفوضية اقتراحا بتوفير 6 مليارات يورو من خلال الصندوق الأوروبى البحرى وصيد الأسماك لتمويل مشروعات جديدة خلال السنوات المقبلة.
محاولات لإنتاج تكنولوجيا جديدة لتطوير نقل البيانات عبر مياه البحار
فى العشرين من يوليو عام 1960، انطلق صاروخ من المحيط الأطلنطى على ما يبدو يعمل بالوقود الصلب وفى الوقت الذى قام فيه بختراق السطح وانفجر فى السماء، بعد ساعات، تبعها صاروخ ثان وقام ضابط فى غواصة الصواريخ الباليستية يو إس إس جورج واشنطن بإرسال رسالة إلى الرئيس دوايت أيزنهاور: «بولاريس – من العمق الى الهدف»، لقد أكملت أمريكا للتو أول عملية إطلاق ناجحة للصاروخ الباليستى العابر للقارات (ICBM) من تحت المحيط، وبعد أقل من شهرين أجرت روسيا اختبارا مماثلا فى البحر الأبيض فى شمال أركانجيل.
بدأت تلك التجارب مرحلة جديدة فى الحرب الباردة لأن إطلاق صواريخ نووية من قاع المحيط بات ممكنا وبذلك تم ردع أى شكل من أشكال الضربة الأولى النووية حيث تمتلك كل من أمريكا وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا غواصات تعمل بالطاقة النووية وتقوم بدورية دائمة أو شبه دائمة فى المحيطات والبحار الكبرى وهى قادرة على إطلاق صواريخ نووية، ولدى الهند إحدى هذه الغواصات أيضا ويعتقد أن إسرائيل لديها صواريخ نووية لكن على غواصات تعمل بالطاقة التقليدية.
فضلاً عن تهديد العالم بأسره، تشكل الغواصات تهديدا أكثر تحديدا لجنود الدول الأخرى فمعظم الغواصات العسكرية هى قوارب هجومية أكثر منها منصات للصواريخ، وهذا يجعل من الحرب المضادة للغواصات أولوية عالية لأى شخص يريد الاحتفاظ بسفنه التقليدية على سطح الماء.
وتعتمد مثل هذه الحروب على تفسير الكثير من البيانات القادمة من مصادر مختلفة سواء أجهزة الموجات فوق الصوتية على السفن أوالعوامات.
وتسمح التكنولوجيا الحديثة، بأنواع جديدة من أجهزة الاستشعار وطرق جديدة للتواصل يمكن أن تزيد بشكل كبير من إمكانياتها بحسب قول جيم جالامبوس من شركة دابرا ذراع التكنولوجيا المستقبلية فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون».
وتلعب الطائرات دوراً كبيراً حاليا حيث تطير من السفن أو الشواطئ لإلقاء أجهزة استشعار صغيرة للحصول على أفضل فرصة لاكتشاف شيء ما، وهذا مكلف فطائرة تحمل من 8 إلى 10 أشخاص تلقى العوامات وتنتظر حولها للاستماع إليها ومعالجة بياناتها على متنها.
ويقول فريد كوتاراس من شركة الترا الكترونيكس إنه فى المستقبل يمكن تصور زوج من سيارات ذاتية التحكم تسير تحت الماء، موضحاً أن انتشار التقنية يعنى الحصول على معدات رخيصة.
لكن الحصول على المزيد من البيانات ليس أمراً مفيداً إذا لم يكن هناك طرق لتحريكها، أو معرفة مصدرها بالضبط، ولهذا السبب تعمل داربا على نظام تحديد المواقع للملاحة العميقة للمحيطات الذى يهدف إلى توفير موقع قوى وفعال عبر أحواض المحيطات تماما كما تفعل أقمار تحديد المواقع GPS فوق الماء بحسب راى ليزا زورك، التى ترأس البرنامج.
ومن المتوقع أن يستخدم هذا النظام ميزة طبيعية للمحيط تعرف باسم «قناة الصوت العميقة” حيث تعتمد سرعة الصوت فى الماء على درجة الحرارة والضغط وإلى حد ما على الملوحة. وتوجد قناة الصوت العميقة فى العمق حيث توفر هذه العوامل أدنى سرعة للصوت، ويكون الضغط العالى تحتها سببا فى زياد سرعة الصوت بينما يكون للماء الدافئ فوقها نفس التأثير.
تتسبب التغيرات فى زيادة سرعة الصوت وهى ظاهرة تعرف باسم الانكسار، وبالتالي، فإن السرعة الأعلى للصوت فوق وتحت قناة الصوت العميقة تؤدى إلى انحناء الصوت، مما يسمح لها بالانتشار على آلاف الكيلومترات، خاصة إذا كانت أطوال الموجات الصوتية طويلة، ويعتقد بعض علماء الحيوان أن الحيتان تستخدم هذه القناة كجهاز هاتف على مستوى المحيط.
ويعنى هذا التطور على الصعيد العسكري، ان الغواصات لن تكون مضطرة مع وفرة البدائل إلى تشغيل محركها 24 ساعة لجمع البيانات والمعلومات مما يعنى أن النفايات خاصة الذرية ستكون اقل بكثير.
كما أن الاعتماد على القوارب السطجية ذاتية القيادة سيقلل من الاعتماد على الطائرات بدون طيار مما يجعلها متفرغة أكثر للمهام الأمنية وللأشياء المفيدة الأخرى.
وبدلا من استخدام الغواصات بحسب بريكسى ويليامز فإنه يمكن الآن مراقبة نقاط الاختناق المهمة، مثل الفجوة بين اسكتلندا وأيسلندا، بشكل كامل من خلال مجموعة مكونة من 15 مجساً صوتياً فقط بل وأكثر تطورا بكثير من سلسلة المحطات المائية التى قامت بهذا العمل إبان الحرب الباردة، وفوق كل ذلك ستؤدى التكنولوجيا الجديدة إلى الكشف عن أماكن الغواصات المخفية فى قاع المحيطات.
ويعد وجود عدد أكبر من أجهزة الاستشعار المتطورة ذات الشبكات الأفضل امرا حيويا لكنه لن يجعل الغواصات عديمة الجدوى قريبا، ولكن حتى بدون طفرات يمكن أن يؤدى الوضع الحالى إلى تآكل القاعدة الاستراتيجية التى قادت التفكير النووى لأكثر من نصف قرن وهى أن الضربة النووية الثانية لا يمكن وقفها حيث تطلق من الغواصات المخفية.
التكنولوجيا الذكية ترصد تغيرات المسطحات المائية لكوكب الأرض
أول استخدام للعالم الحديث لأعماق المحيطات كان تشغيل كابلات التلغراف عبرها وقد فتح ذلك حقبة جديدة من التواصل عبر القارات وحفز اهتماما علميا جديدا بالقاع.
ويحمل الكابل الواحد من كابلات الإنترنت الآن ما يصل إلى 160 تيرابايت عبر المحيط الأطلنطى كل ثانية كما تطورت أبحاث رسم خرائط المحيطات والحفر فى قاع المحيط حول العالم.
لكن المفارقة التى رصدها تقرير مجلة الإيكونوميست أنه من السهل جدا الحصول على كميات هائلة من البيانات تعبر من جانب واحد من المحيط إلى الجانب الآخر لكن من الصعب الحصول على كميات متواضعة من البيانات عن المحيط نفسه. وهناك حاجة إلى بنية تحتية جديدة لتمكين أجهزة الاستشعار فى البحر من نقل بياناتها إلى الأرض.
قال سيباستيان دى هاليو من شركة سيلدرون التى تراقب قواربها البحرية التى تشبه الطائرة بدون طيار اسماك بولوك فى ولاية ألاسكا الأمريكية أنهم يحلمون بما هو أفضل ولذلك يعملون فى الآونة الأخيرة على زيادة معدل بناء القوارب الخاصة بهم من شهر إلى واحد يوميا حيث يمكنها السير على سطح الماء وارسال واستقبال الاشارات، وبحلول عام 2021، يريد دى هاليو أن يكون لديه ألف قارب آلى القيادة تراقب البحار، ويمثل عنصر التكلفة ميزة نسبية لأن سفينة الأبحاث التى تتكلف 100 مليون دولار يمكن استخدام أموالها فى إنتاج أسطول كامل من القوارب الآلية العائمة والتى تشبه فى مكوناتها الهواتف الذكية لأنها رخيصة، كما أن المحيط كبير جدًا، قسم سطحه إلى 1000 قطعة وكل واحدة ستظل بحجم اليابان، وهذه مساحة كبيرة جدا بالنسبة لقارب واحد.
وهناك بالفعل شبكة أبحاث واحدة أكبر من ذلك بكثير، وهناك تعاون دولى يسمى Argo يحتوى على أسطول تم تجديده بشكل منتظم من ما يقرب من 4000 عوامة غير مقيدة تقسم وقتها بين السطح والأعماق لكنها تنجرف فى التيارات العنيفة، وعلى مدار عشرة أيام، تغوص فى المياه ببطء إلى حوالى 2000 متر، ثم تنسخ نسخا احتياطية لقياس درجة الحرارة والملوحة أثناء سيرها وقد أحدثت بياناتهم ثورة فى فهم العلماء للمحيطات لكن الشبكة لا تزال متناثرة.
وعلى الرغم من اقتصارها على السطح إلا أن قوارب سيلدرون أكثر طموحا بكثير فهى لن تقوم فقط بمراقبة درجة الحرارة بل ستتابع الأسماك وتلتقط الملوثات وتحلل تركيز ثانى أكسيد الكربون وتركيز الأكسجين فى الماء وتسجل ارتفاع الأمواج وسرعة التيارات تحت سطح البحر، وتشعر بالتغيرات فى المجال المغناطيسي. وهناك بالفعل أسواق لبعض هذه البيانات مثل خبراء الأرصاد الجوية ومديرى مصايد الأسماك وشركات البترول والغاز. وجمع سيلدرون حتى الآن 29 مليون دولار لهذا العمل.
ويقارن أيون ياديجار الشريك فى مجموعة كابريكورن جروب هذا الجهد فى سيلدرون بمشروع بشركة “بلانيت” حيث تستخدم التكنولوجيا الذكية وسرعة تطور تقنيات وادى السليكون فى الولايات المتحدة لإنتاج أكثر من 100 قمر صناعى صغير. فهى توفر صورا لكل بقعة على الأرض كل يوم مما يسمح بكل أنواع الرؤى الجديدة وإمكانيات المراقبة.
وما يحتاجه المحيط الآن هو جيل جديد من الإنترنت عبر الأقمار الصناعية للحصول على البيانات من البحار وإرسلها لمن يهمه الأمر، ولحسن الحظ يبدو أن هذا فى الطريق حيث تتسابق شركات مختلفة لتوصيل إنترنت ذى نطاق ترددى كبير إلى كامل سطح الأرض باستخدام مئات من الأقمار الصناعية الصغيرة الرخيصة فى مدارات منخفضة. وقد أطلقت سبيس اكس شركة إنتاج الصواريخ التابعة لألون ماسك العام الماضي. ومن المرجح أن يكون المستفيدون الرئيسيون هم الأشخاص فى المناطق التى لا تخدمها البنية التحتية الحالية بصورتها القائمة وخصوصا أولئك المحاصرون بين الأمواج فى عرض البحر.
ومع هذا التطور وتوافر اتصال عبر الأقمار الصناعية على السطح، وأنظمة صوتية يتم نشرها سيكون هناك شيء آخر يلزم إكمال الصورة وهو وجود خريطة شاملة لقاع المحيط تساعد السفن تحت الماء فى محاولة للتنقل أو احتمال الوصول الى المعادن وأن تكون قادرة على مقارنة ما يظهره التصوير بالموجات فوق الصوتية وما هو مسجل على الخريطة.
وتم صنع أفضل الخرائط الشاملة لأرضية المحيط حتى الآن من خلال الاقمار الصناعية فى الفضاء لكن هناك ميزات كبيرة تحت الماء تحتاج لرسم ادق لكن الخرائط التى تم إعدادها باستخدام أنظمة الموجات فوق الصوتية الحديثة عبر سفن الأبحاث لا تغطى حاليا سوى %10 من قاع المحيط بدقة عالية رغم انها اعطت صورة افضل.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا