مقالات

محمد العريان يكتب: 4 عوامل تحدد الخطوات المقبلة لـ “الفيدرالى”

فتحت التغيرات الجوهرية فى الإشارات النوعية للاحتياطى الفيدرالى، بجانب تباطؤ النمو العالمى، الباب للبنوك المركزية الأخرى (فى استراليا والهند على سبيل المثال) لتبنى سياسات أكثر طمأنة، رغم أن أسعار الفائدة فى أغلب الدول عند مستويات منخفضة تاريخياً.
والسؤال الآن ليس إذا كان «الفيدرالى» سيغير توجيهاته السياسية النوعية ومتى؟ وإنما «لأى قدر سيغيرها؟» مع انتقاله من المسار الحالى لرفعين فقط فى 2019 إلى سيناريو جديد بعدم الرفع مطلقاً فى 2019، ثم ميل كفة المخاطر لصالح الخفض فى 2020.
وسيحرك «الفيدرالى» 4 عوامل، حتى لو واصل الاقتصاد الأمريكى نموه القوى وتفوق على الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
الأول.. تباين النمو: كما اتضح فى منتدى الاقتصاد العالمى الماضى فى دافوس فى سويسرا، تحول إجماع القادة الاقتصاديين والشركات تحولاً ملحوظا نحو الفكرة المقلقة للتباطؤ المتزامن، بعد اعتناق الكثيرين العام الماضى لفكرة الارتفاع المتزامن للنمو العالمى، وهذا التباطؤ ليس النتاج الأكثر ترجيحاً فى 2019، وإنما يواجه العالم، خاصة الاقتصادات المتقدمة – فترة من تفاوت النمو بين أكر 3 مناطق: أوروبا، والصين، والولايات المتحدة.
وسيجبر تراجع النشاط الاقتصادى فى أوروبا، بجانت ميل ميزان المخاطر بحدة نحو الهبوط، المتنبئين إلى خفض توقعاتهم للنمو، وبالفعل قامت المفوضية الأوروبية وبنك انجلترا المركزى بخفض توقعاتهما الأسبوع الماضى.
وخفضت المفوضية توقعاتها لمنطقة اليورو لعام 2019 بنسبة كبيرة بلغت %0.6، مع خفض النمو لمعظم اقتصادات المنطقة بما فى ذلك أكبر 4 دول هى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا.
وتوحى نقاط الضعف المتزايدة والمتعمقة حول القارة، بمزيد من الخفض فى التوقعات، وقد يهبط النمو الإجمالى إلى أقل من %1 مع ركود فى أكثر الاقتصادات هشاشة مثل إيطاليا.
وفى الوقت نفسه، خفض بنك انجلترا توقعاتة لعام 2019 إلى %1.2، فيما يعد أبطأ وتيرة توسع فى السنوات العشرة الماضية، متعللاً بضعف الاستثمارات والاستهلاك نتيجة عدم اليقين الاقتصادى، وحذر محافظه، مارك كارنى، من تسبب «ضباب الخروج البريطانى» فى مزيد من ضعف المعنويات.
وفى الصين، تواصل مؤشرات مديرى المشتريات المتراجعة، تسليط الضوء على المعضلة السياسية المتزايدة التى تواجهها السلطات، إذ أصبحت التدابير القديمة، منها خفض الاحتياطى الإلزامى للبنوك والإقراض المباشر الأعلى، أقل فاعلية فى تحفيز النمو واكثر تسبباً فى التشوهات المالية وسوء توزيع الموارد.
ويتناقض كل ذلك بشدة مع الوضع الأمريكى، فقد أكد تقرير الوظائف فى يناير استمرار القوة فى سوق العمالة، أهم محرك للاستهلاك والنمو، وفى غياب إغلاق حكومى آخر أو أى أخطاء سياسية مثل الإشارات المساء فهمها من الفيدرالى، سوف يظل النمو الأمريكى قوياً.
والثانى.. العلامات على ضعف النشاط وإمكانات الإنتاجية: بالإضافة إلى الوتيرة المشجعة لخلق الوظائف، قدم تقرير الوظائف الأخير للفيدرالى مؤشرات على ضعف النشاط المتبقى فى سوق العمل فى صورة المزيد من الارتفاع فى معدل مشاركة العمالة والذى يشير إلى عودة دخول المزيد من الأشخاص إلى سوق العمالة، أما العلامة الأخرى تمثلت فى ارقام نمو الأجور المتسقرة نسبياً، بالإضافة إلى الإشارات إلى ارتفاع الإنتاجية بعد سنوات من النمو المنخفض.
والعامل الثالث.. ضعف التضخم.
فلا تنتظر من سنوات الضخ الهائل للسيولة من قبل البنوك المركزية وأسعار الفائدة شديدة الانخفاض، أن تتسبب فى أى ارتفاع مقلق فى الأسعار يوجب المزيد من رفع الفائدة، وسوف تواصل التغييرات الهيكلية العميقية فى طريقة النشاط الاقتصادى، بما فى ذلك التحول الكبير فى الاستجابة للمعروض، كبت أى ضغوط تضخمية، ولا ينبغى أيضاً أن ننتظر صدمة فى أسعار السلع بسبب تحسن إدارة المخزونات وتوافر الإمدادات البديلة فى مجالات معينة (مثل البترول).
والعامل الأخير.. اتكالية الأسواق:
وذكّرت الاضطرابات السوقية فى الربع الأخير من العام الماضى، «الفيدرالى» بأن التصورات غير الكافية للمستثمرين عن الموقف السياسى الحساس، يمكن أن تشعل اختلالات فنية فى أسعار الأصول وتزيد مخاطر عدوى الاقتصاد الحقيقى، وتذهب تداعيات ذلك إلى اكثر من التحول الكبير فى المواقف والمشهود فى اجتماع لجنة السوق المفتوح السابقة والتى آثرت الصبر بشأن رفع أسعار الفائدة والمرونة فى تقليص الميزانية.
ومن الناحية الفنية، تعزز هذه العوامل الـ4، فكرة أن «الفيدرالى» يقترب من أو وصل بالفعل إلى نطاق سعر الفائدة المحايد (وهو المعدل الذى يدعم الاقتصاد عندما يكون فى حالة العمالة الكاملة والإنتاج بأقصى طاقة بينما يحافظ على ثبات التضخم)، وإذا لم يكن هذا هو الواقع فعلياً، فسوف يكون ذلك جزء من تصورات الفيدرالى على الأقل فى الوقت الحالى.
وبالتالى، قد تجد فى المخطط النقطى للفيدرالى (الذى يصدر شهرياً ويوضح توقعات المسئولين فى المركزى الأمريكى لوتيرة رفع الفائدة) فى مارس تحولاً كبيراً عن المسار الحالى لعدد الرفعات فى 2019 و2020، ولكنه لن يشير إلى خفض للفائدة العام المقبل، ولكن هذا سيأتى فى مخططات نقطية لاحقة، عندما تواصل أوروبا والصين المعاناة لتبنى مواقف سياسية أكثر دعما للنمو، ولكن إذا تسببت الولايات المتحدة فى أى جراح اقتصادية لنفسها، أو فشلت فى إقناع الصين بتقديم تنازلات ذات معنى فى التجارة، ففى هذه الحالة سيأتى خفض الفائدة فى وقت أقرب، وأنا شخصياً لا أتصور أن ذلك سيحدث.

بقلم: محمد العريان

كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية