فوق حقل الشيبة الشاسع فى «الربع الخالي» بالمملكة العربية السعودية قرب قمة مجموعة من الكثبان الرملية الحريرية قال مسئول كبير فى شركة أرامكو أكبر شركة بترول فى العالم «لو استطعنا تحويل هذه الرمال إلى سليكون لصناعة ألواح الطاقة الشمسية سنكون أغنياء».
ويبدو أنه من المحتم أن تتطور الجغرافيا السياسية للطاقة إلى مسابقة لرؤية أى دولة تستطيع أن تنتج طاقة خاصة بها أكبر والتى من الطبيعى أن يكون لديها أفضل تكنولوجيا.
ويقول ميجيل أرياس كانيتى مفوض الاتحاد الأوروبى لشئون المناخ والطاقة إن العالم يسير فى طريق لا رجعة فيه نحو الطاقة المتجددة وأولئك الذين لا يتبنون التحول فى مجال الطاقة النظيفة سيكونون خاسرين فى المستقبل.
وحدد الاتحاد الأوروبى لنفسه هدفا واضحا للتخلص من الطاقة غير النظيفة بحلول عام 2050 ، ولديه هياكل سوقية مناسبة مما يضعه فى موقف قوي، كما تلتزم الصين بحزم بالتزود بالطاقة النظيفة وتناطح بفخر بعض أصحاب المشاريع الرائعين فى مجال التكنولوجيا النظيفة.
وتقف أمريكا من جانبها على رأس مراكز الابتكار للكثير من تكنولوجيا الطاقة النظيفة فى العالم، وقد فتحت ثورة البترول الصخرى لديها إمدادات هائلة محتملة من الغاز الطبيعى الذى يمكن أن يولد الكهرباء بشكل أكثر نظافة بكثير من الفحم ويعمل كجسر لمستقبل أقل معاناة من الكربون. لكنها تخاطر بفقدان نفوذها العالمي. وينقسم الأمريكيون إلى فريق أصولى مؤيد للوقود الأحفورى ومعظمه من الجمهوريين وفريق عشاق الطاقة النظيفة ومعظمهم من الديمقراطيين لكنهما لا يستطيعان الاتفاق على أفضل طريقة للتقدم للاقتصاد وللمناخ.
وبدون دخول مناطق الثروات الطبيعية فى سباق التكنولوجيا بحسم كما هو الحال فى المملكة العربية السعودية وروسيا وكثير من دول أفريقيا فإنها ستنضم إلى فريق الخاسرين وستكون الأنظمة الحاكمة فيها ضحية لظاهرة دمقرطة الطاقة وقد تكون فنزويلا قريبا، أول من يدخل القائمة.
وفرة البترول وراء التغيرات الجيوسياسة العالمية
يمكن الوصول إلى مدينة «تافت» الواقعة شمال لوس أنجلوس بقيادة السيارة على طول طريق البترول السريع للبترول بعد أميال من اللوحات الإعلانية الدينية، «فبلد الله”، كما يصفها البعض، بلد بترولى، حيث تظهر آلاف الآلات الفولاذية فى التلال المحيطة بالمدينة لسحب الخام من الأرض وكأنها تشبه قطيع من الديناصورات أو هكذا يراها بعض سكان كاليفورنيا بنفس الطريقة.
لا يتم إنتاج الخام المنتج فى تافت عن طريق تقنية التكسير الهيدروليكى، لأن معظمه يقع فى تكساس ونورث داكوتا وهو يتميز بأنه ثقيل جداً ويحتاج إلى سحبه من الأرض بعملية معروفة محلياً باسم «شهيق وزفير”.
ومع ذلك، فإن مقاطعة كيرن التى توجد تافت على أطرافها الغربية تنتج 144 مليون برميل سنوياً وهو ثانى أعلى إنتاج لأى مقاطعة فى أمريكا، ويقول فريد هولمز وهو رجل بترول من الجيل الثالث وراعى متحف بترول ويست كيرن، إنه فخور بالتراث. ويرى أن ظهور سائقين محليين لسيارات تسلا الكهربائية لا يشعره بالتهديد فالخام متوفر ويتجدد ويستغرق الأمر وقتاً أطول لتحقق سيطرة الطاقة المتجددة.
وفى ذروة الإنتاج كان البترول فى سر السعادة فى جنوب كاليفورنيا، حيث تفجر ينبوعه فى ليكفيو جوشير قرب تافت فى عام 1910 كرمز لعصر الازدهار مع اندفاع اكتشافات الذهب الأسود إلى الشمال، ولعبت «تافت» أيضاً دور البطولة فى وقت مبكر فى الجغرافيا السياسية للطاقة.
فى عام 1910 قامت البحرية الأمريكية التى كانت تشعر بالقلق بشأن اعتمادها على إمدادات الفحم غير الآمنة بتدشين أول مدمرة خاصة بمناطق البترول وبعد عامين أنشأ الرئيس ويليام تافت أول احتياطى بترولى بحرى فى منطقة إلك هيل بمدينة تافت لضمان تدفق الإمدادات فى حالة حدوث أزمة دولية، وبعد الحرب العالمية الثانية عندما ارتفع الإنتاج أعطى الرئيس البلدة جزء من اسمه التى كانت تسمى سابقا مورون.
ومنذ ذلك الحين، كانت الجغرافيا السياسية للطاقة – التى تعرف عادة بأنها تأثير تدفقات الطاقة على قوة الأمم- تتعلق فى الغالب بالعطش العالمى للترول، وتنطلق الجهود المبذولة لتأمينها وحماية شحناتها ووقف الأعداء عن الحصول عليها أو الاحتفاظ بها واحتكارها إن أمكن ضمن استراتيجية النفوذ العالمى وقد كان لها تأثير كبير فى تاريخ القرن العشرين.
وبما أن البترول والغاز قابلان للنفاد وغير متاحين فى كل مكان فغالباً ما يتم تقنينهما لصالح مجموعة قليلة من المنتجين ولطالما شعرت الدول المستهلكة بأن شح الخام يجعلها أكثر عرضة للخطر.
ولهذا السبب منذ الحظر البترولى العربى لعام 1973 بسبب الدعم الغربى والأمريكى للاحتلال الاسرائيلى لدولة فلسطين شهد كل رئيس أمريكى اعتماد البلاد على البترول المستورد كنقطة ضعف.
وكانت سياسات مثل «مبدأ كارتر» التى أعلنها الرئيس آنذاك فى عام 1980 والتى أكدت حق الولايات المتحدة فى استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها الاستراتيجية فى الشرق الأوسط تهدف إلى ضمان إمدادات مستقرة من الخام.
هذا المفهوم للندرة يقترب من نهايته، بفضل 3 تطورات كبيرة أولها ثورة البترول الصخرى الأمريكى التى حولت البلاد إلى أكبر منتج لخام البترول والغاز معاً فى العالم. وبعد عقود من تراجع الإنتاج منذ السبعينيات أنتجت أمريكا ما يقرب من 11 مليون برميل يومياً العام الماضى ومن المتوقع أن يتخطى حاجز 12 مليون برميل منتصف العام الجارى.
هذه الأنباء تعنى أن أمريكا أقل اعتماداً على البترول المستورد، مما يساعدها على التخلص من جنون العظمة طويل الأمد الناجم عن بسط أذرع نفوذها الخارجى لشأن هذا الاعتماد، وقد يقلل ذلك من حاجة البلد إلى إنفاق الدم والثروة لحماية طرق الإمداد من الشرق الأوسط، وقد أضافت وفرة البترول والغاز إلى الأسواق العالمية استقراراً انعكس بالفائدة على المستهلكين فى مجال الطاقة فى كل مكان.
يحدث التغير الرئيسى الثانى فى الصين حيث تحاول الانتقال من اقتصاد كثيف الطاقة إلى اقتصاد ذى طابع خدمى أكثر فبدون خنق النمو الاقتصادى حققت فى السنوات القليلة الماضية تقدماً مذهلاً فى تعديل طلبها على البترول والفحم، مما أدى إلى إبطاء الارتفاع فى استهلاك الكهرباء والاعتماد أكثر على الغاز والطاقة المتجددة، والحد من نمو انبعاثات ثانى أكسيد الكربون.
وتعد الصين أكبر مستورد للوقود الأحفورى فى العالم، ولكن تجربتها مع الهواء القذر وشواغلها بشأن الإفراط فى الاعتماد على الخام المستورد جعلها أكثر حرصا على جنى المزيد من الطاقة عبر تكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية، كما أن لديها أكثر خطط العالم طموحا للسيارات الكهربائية وقد لعبت سياسة الدعم واحتكار الدولة لمجال الطاقة دوراً كبيراً فى خططها، لكن بطريقتها الخاصة مما جعلها تتميز باستراتيجية تحول بارزة مثلما حدث فى أمريكا.
ويقود هذان التطوران إلى الاتجاه الثالث على المدى الطويل وهو الحاجة إلى إنشاء نظام للطاقة منخفض الكربون لمحاربة تغير المناخ، ومع ذلك، فإن اتفاقية باريس لعام 2015 رغم أنها علامة فارقة لاتزال تترك مسافة كبيرة للسفر قبل أن يتسنى وقف ظاهرة الاحتباس الحرارى ولتحقيق ذلك، ستستثمر تريليونات الدولارات فى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات وشبكات الكهرباء ومجموعة من مصادر الطاقة النظيفة التجريبية.
تراجع مركزية إدارة الطاقة يعزز بناء الديمقراطية
فى عملية تُسمى «إحلال الديمقراطية» فى مجال الطاقة أو دمقرطة الطاقة يمكن أن يشاهد العالم فى أفريقيا وفى أماكن أخرى تداولا للسلطة وحكما رشيدا أفضل مع تعزيز الوصول إلى الطاقة عبر الشبكات الصغيرة وألواح الطاقة الشمسية على الأسطح وتقليل فقر الطاقة حتى مع ارتفاع عدد سكان العالم.
ويشير ديفيد كريكمانز من جامعة أنتويرب البلجيكية إلى أنه منذ الثورة الصناعية فصاعدا غيرت التحولات فى الطاقة مثل الفحم والبترول العالم، وهذا الأخير يمكن أن يكون له تأثيرات بعيدة المدى لأن الدولة وإمدادات الطاقة المركزية تسيران جنبا إلى جنب وهم بحاجة إلى بعضهم البعض.
وأضاف أنه يتوقع مع تراجع مركزية إمدادات الطاقة تعزيز قوة المناطق فيما يتعلق بالتصدى لمركزية السلطة خاصة فى دول العالم النامي، ويعتقد المتحمسون أن جمال التحول فى مجال الطاقة سوف يمنح المجتمعات المدنية «قوى عظمى» فوق طاقتها بدلا من تحويل البلدان إلى قوى عظمى فى مجال الطاقة.
ويرى كتاب جديد بعنوان «الجغرافيا السياسية للطاقة المتجددة» للبروفسيور دانييل شولتن من جامعة ديلفت للتكنولوجيا فى هولندا أن أوضح الخاسرين سيكون أولئك الذين ينعمون باحتياطيات وافرة من الوقود الأحفورى والذين يراهنون عليه لفترة طويلة دون إصلاح اقتصاداتهم.
ويشير الكتاب أيضا إلى أنه فى نظام الطاقة التقليدى يكون العائق الرئيسى لنهضة المجتمع هو الندرة لكن مع وجود مصادر متجددة وفيرة فإن الوضع ينقلب تماما.
ومع ازدياد قوة الاقتصادات وانتشار الشبكات العملاقة لتلبية الطلب الإضافى على الطاقة فى توسعات المناطق الحضرية والمركبات الكهربائية والكميات التى لا يمكن تصورها من البيانات فيمكن أن تتضاعف المخاطر.
ومن المتوقع أن يحل الدور السياسى لشبكات الكهرباء محل الدور السياسى لخطوط الأنابيب، فعلى سبيل المثال كان الأوكرانيون يحتجون على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عن طريق قطع إمدادات الكهرباء عن شبه الجزيرة فى عام 2015، كما يخضع الاستثمار الصينى فى الشبكات فى أوروبا وأستراليا للمراجعة وفقا لمعايير تتعلق بالأمن القومي.
نهج استقلال الطاقة يخفف صراع السيطرة على المناطق الغنية بالخام
يجلب الحديث عن تحولات الطاقة النظر إلى رؤية أمريكا والاتحاد الأوروبى والصين بالإضافة إلى روسيا والمملكة العربية السعودية لمستقبل هذا القطاع لأنها فى النهاية ستؤدى إلى فريق من الفائزين وآخر من الخاسرين.
وبالنسبة للبعض فإن استقلالية الطاقة كاستراتيجية أمريكية قد تعنى أن سيطرتها على العالم معرضة لخطر وأنها ستهدر الريادة المبكرة التى حققتها باستخدام الغاز الطبيعى والطاقة المتجددة لخفض الانبعاثات وتعزيز التكنولوجيا النظيفة والمساعدة فى إطلاق اتفاقية باريس فى حين تسعى الصين للتفوق عليها بسرعة لكن من الواضح أن المملكة العربية السعودية وروسيا فى خطر لا يغفله عاقل.
قدمت السنوات القليلة الماضية من الاعتماد الأمريكى المتنامى على الذات وضبط النفس الصينى لمحة عن الآثار المترتبة على السياسة الخارجية لنظام الطاقة الجديد. وبالنسبة لأمريكا يرى البعض أنها عاصقة كما يشير عنوان كتاب صدر مؤخراً من قبل ميجان سوليفان من جامعة هارفارد حول تغيرات الجغرافيا السياسية للطاقة. وتقول ميجان إن ثورة البترول الصخرى ساعدت فى تخفيف توقعات التراجع الأمريكى وجعلت من السهل فرض عقوبات على الخصوم، وساعدت فى إنشاء سوق غاز عالمى أوسع لتخفيف القيود الروسية على أوكرانيا وخفض التوترات بشأن سعى الصين للحصول على موارد الطاقة، وتصف استقلال الطاقة الأمريكى بأنه «نعمة للقوة الأمريكية، ونقمة للقوة الروسية”.
قد يكون هذا التصور مفرطاً فى التفاؤل فروسيا ومنظمة أوبك التى تمثل الدول المصدرة للبترول نجحتا بشكل مفاجئ فى خفض الإنتاج لمواجهة وفرة البترول الصخرى كما تحولا أيضا نحو الصين التى تضخ المال فى البنية التحتية للطاقة.
والأهم من ذلك أن البترول الصخرى الأمريكى يخاطر بتعزيز الاعتماد على البترول بشكل أعمق فى الاقتصاد العالمى مع عواقب محفوفة بالمخاطر على المناخ بدلاً من تشجيع مزيد من الاستثمار فى الطاقة النظيفة، فإذا ركزت أمريكا كثيرا على إنتاج الوقود الأحفورى فقد يغيب عن بالها الحاجة إلى تطوير طاقة أنظف للمستقبل.
وستكون التأثيرات الجيوسياسية للانتقال الأوسع للطاقة أكثر تعقيدا مما يظن البعض فعندما جرى فى يناير 2018 إنشاء لجنة عالمية لدراسة الجغرافيا السياسية للطاقة النظيفة تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ومقرها أبوظبي، كان الأمل الأساسى هو أن هذا التطور سيجعل العالم «أكثر سلما واستقرارا».
فعلى عكس الهيدروكربونات، فإن الطاقة المتجددة قد تكون متاحة فى أى مكان تقريبا ما يعنى تخفيف نبرة الصراع والتحديات العسكرية عالميا وبالتالى يضرب الكساد سوق السلاح الدولي.
وأطلقت التحولات المنتظرة للطاقة سباقا عالميا لأفضل التقنيات ولكنه سلط الضوء على آثار المخاوف بشأن صراع جديد حول الوصول إلى الأتربة النادرة والمعادن الضرورية اللازمة لصنع الأجهزة الإلكترونية. وكما يقول فرانسيس أوسوليفان من مبادرة أم أى تى للطاقة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنهم يتحركون من عالم حيث تكون قيمة الطاقة مضمنة فى المورد الطبيعى إلى حيث التكنولوجيا هى المورد البديل.
دول الشرق الأوسط وروسيا غير مستعدة لمستقبل منخفض الكربون
يعد تسليط الضوء على رحلة إلى حقل الشيبة الشاسع فى «الربع الخالى» بالمملكة العربية السعودية هو نزهة عند الغسق إلى قمة مجموعة من الكثبان الرملية الحريرية، هناك يمكن مشاهدة غروب الشمس فوق فخر الصناعة البترولية السعودية كمئذنة فوق المسجد ترفع أذان المغرب.
ومثل العديد من شركات البترول فإن السعودية أكبر مصدر للبترول فى العالم تدرك أن الطلب على الخام قد يقع يوماً ما ضحية الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والاستهلاك الأكثر كفاءة للوقود وغير ذلك.
ولكن ما مدى خطورة التهديد الذى يواجه المنتجين الكبار؟ الجواب يأتى فى جزئين، الأول يتعلق بقدرتهم على مواجهة زيادة ضخ البترول الصخرى الأمريكى والثانى يتعلق برد فعلهم على احتمال وصول استهلاك البترول لذروته وبداية تراجعه أو بداية نهاية إدمان العالم للذهاب للخام الاسود خلال العقود القليلة القادمة.
وكشفت المملكة العربية السعودية عن خطة لبيع %5 من أكبر شركة بترول فى العالم وهى أرامكو، لجمع مليارات الدولارات لصندوق الاستثمار العام فى البلاد لتمويل استراتيجية تقليل الاعتماد على عائدات البترول كجزء من رؤية 2030، والتى صممها ولى العهد محمد بن سلمان لكن عمليات التنفيذ تعطلت بسبب عوامل كثيرة.
من الصعب الإجابة على ما إذا كانت روسيا والسعودية ومنتجو الشرق الأوسط عموماً مستعدين بجدية للتهديد على المدى الطويل مع انخفاض الطلب على البترول وتحول العالم إلى السيارات الكهربائية، ويعتقد بائعو البترول أن نمو الطلب على البترول لصناعات مثل البتروكيماويات سوق يعوض فقدان الحصص المخصصة للسيارات التى باتت تعمل بالكهرباء.
وتعمل الدول المنتجة خصوصاً روسيا والسعودية على ضخ مزيد من البترول بأكبر قدر ممكن حتى تتمكن من حسم سباق جمع الأموال مما فجر معركة للحصول على حصة فى السوق بين المنتجين وأدى إلى انخفاض الأسعار التى قد تنخفض أكثر، ويشعر أولئك الذين يملكون أقل التكاليف مثل الرياض التى يمكن أن تنتج البترول بأقل من 6 دولارات للبرميل بأن هذه معركة لا بد لهم من الفوز بها.
ومع ذلك، فإن ورقة بحثية نشرها فى يناير 2018 سبنسر ديل من شركة بريتيش بتروليوم وبسام فتوح من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة تثير شكوكا حول هذه الفكرة.
وتشير الدراسة إلى أن منتجى البترول فى الشرق الأوسط يجب ألا يركزوا على تكلفة الاستخراج بل على التكلفة الاجتماعية للبترول فإنفاقهم على الالتزامات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم وتوظيف القطاع العام.
ويحسب المؤلفون سعر البترول اللازم لتوفير الميزانيات بدون عجز يصعب السيطرة عليه قرب 60 دولاراً للبرميل، ويعقتد كل من دايل وفتوح أنه حتى تتمكن هذه الدول من تحويل اقتصاداتها بعيداً عن البترول، فإنها ستحتاج إلى تغطية هذه التكاليف الاجتماعية، لذا بدلاً من قتال بعضها البعض على حصة السوق ستسعى إلى الحفاظ على تحالفات طويلة الأجل مثل نظام عمل منظمة الأوبك حالياً.
ولا يمكن اغفال دور المنتجين الآخرين فى الشرق الأوسط، مثل الإمارات العربية المتحدة فعليهم حماية رهاناتهم أيضا ويتحدثون عن الطاقة النظيفة ولكنهم يؤكدون أيضاً التزامهم باستخدام الوقود الأحفورى لنصف احتياجاتهم من الطاقة حتى عام 2050 على الأقل.
ويمكن لخليط من الشمس والرياح توليد مزيد من الكهرباء للدول المنتجة للبترول فى الشرق الأوسط الحاليين الذين يرون الطاقة المتجددة مهمة كطريقة لاستخدام كميات أقل من الخام الاسود والغاز محلياً.
أما بالنسبة لروسيا فقد أعطت اهتماما قليلاً لمصادر الطاقة المتجددة فبعيداً عن البترول والغاز، فإن معظم اهتمامها ينصب على الطاقة النووية وما زالت تراهن بشدة على البترول ومع ذوبان الجليد بفضل الاحتباس الحرارى بدأ العام قبل الماضى الحفر فى بحر لابتيف فى الدائرة القطبية الشمالية للتنقيب عن الوقود الأحفورى.
وساعد التمويل الصينى الروسى على الانفاق على مشاريع الحفر رغم العقوبات الغربية وقد يحدث نفس الشىء مع الغاز الإيرانى وتستثمر أيضاً أرامكو السعودية فى مصفاة فى مقاطعة فوجيان بالصين وقد عرضت موسكو بيع عقود حقول الغاز فى المنطقة القطبية إلى الرياض.
ولن تسير نهاية البترول على طريق مستقيم فإذا تراجعت أسعار البترول فقد تبدو السيارات الكهربائية أقل جاذبية وقد تؤدى المخاوف من الاستثمار المفرط فى البترول إلى ارتفاع غير متوقع فى الأسعار لكن إذا لم يتبن المنتجون الإصلاح الاقتصادى فقد يجدون أنفسهم فى ورطة عميقة بسرعة كبيرة.
إنهم بحاجة فقط إلى النظر إلى فنزويلا لمعرفة مدى سرعة هبوط عائدات البترول التى يمكن أن تجبر دولة استبدادية على عدم الوفاء بالالتزامات الاجتماعية للمواطنين، مما يؤدى إلى الاضطرابات الاقتصادية، وعدم الاستقرار الاجتماعى والتوتر الإقليمى.
أزمة فنزويلا.. أعراض الانسحاب من إدمان البترول وفساد الحكم
فنزويلا جائعة، فشعب الأمة التى كانت مزدهرة فى يوم من الأيام يعانى الآن حرفياً وفى بعض الحالات يموتون من الجوع ولن تسمح الحكومة الاشتراكية بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو، بتقديم مساعدات إغاثة أجنبية، وذلك لأن الحكومة تخشى من فقدان السيطرة، ولذلك تستمر الاحتجاجات على الرغم من عدم الاهتمام من جانب بقية العالم بينما تستمر الحكومة فى قتل المعارضين بوتيرة بطيئة، ولكن ثابتة.
كل هذا الجوع للغذاء وللحرية نتيحة للعنة البترول وهو مفهوم يستخدمه الاقتصاديون وعلماء السياسة وعلماء الاجتماع لشرح الآثار الاقتصادية الضارة الناجمة عن الإفراط فى الاعتماد على الإيرادات من مورد طبيعى واحد.
كانت فنزويلا تملك فى يوم من الأيام أكبر احتياطى بترول فى العالم، بالإضافة إلى فائض من الإنتاج الزراعى ولم يكن هناك أى سبب لحدوث انهيار اقتصادى، لكن الحكومة ومخططيها المركزيين أصبحوا يعتمدون على عائدات الخام على حساب إنتاج الغذاء والصناعات الأخرى.
وفى عام 2014، تم تداول خام غرب تكساس الوسيط عند مستوى 90 دولاراً للبرميل ثم جرى تداوله تحت مستوى 50 دولاراً للبرميل، مما جعل البلد الغنى جداً بمصادر الطاقة لديه مشكلة فى الحفاظ على إنارة البيوت.
ويصف خوان بيريز ألفونسو، وزير البترول الفنزويلى فى ستينيات القرن الماضى والمؤسس المشارك لمنظمة أوبك الذى حذر لأول مرة بلاده وغيرها من لعنة البترول فى عام 1975 بأنه «براز الشيطان»، لأنه يجلب المتاعب بداية من النفايات وصولا إلى الفساد وتداعى الخدمات العامة ومن ثم تراكم الديون.
وبالفعل تراكمت الديون لسنوات واليوم يتضور الناس جوعا. وبحسب مجلة الحوار الأمريكية فإنه فى الوقت الذى تهدد فيه الأزمات السياسية والاقتصادية بالإطاحة بالرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو لا يندهش العلماء السياسيون من أنه يواجه مشاكل. وتعتبر فنزويلا هى نموذج عملى للعنة الموارد الطبيعية، حيث أن ما يقرب من %90 من سكانها يعيشون الآن فى فقر داخل البلاد.
فقط القليل من البلدان الغنية بالبترول والغاز الطبيعى مثل الولايات المتحدة وكندا والنرويج تجنبت هذه اللعنة ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها بنت مؤسسات قوية واقتصادات متنوعة قبل أن تبدأ الحفر.
لقد عانت لعنة الموارد العديد من بلدان أمريكا اللاتينية للزعماء المسرفين الذين خضعوا لإغراءات الفساد والإنفاق الطائش عندما جاءت الأموال السهلة فتحولت الى ديكتاتوريات يمينية تفرض حكم قمعي، مع استغلال العائدات فى نظام ضريبى محدود ونفقات اجتماعية لإرضاء المواطنين بدلا من بناء اقتصاد حقيقى يقيهم العوز فى زمن البترول الرخيص.
وشكلت مبيعات البترول %98 من عائدات التصدير فى فنزويلا فى عام 2017، مع شراء الولايات المتحدة ما يقرب من نصف صادرات البلاد من الخام.
لحسن حظ الرئيس الراحل هوجو تشافيز بدأت أسعار البترول فى الارتفاع ووصلت فى النهاية إلى مستويات قياسية أثناء توليه السلطة فحصل على ما يكفى من العائدات للمساعدة فى الحفاظ على دعمه الشعبى عبر الدفع لعشرات من برامج شبكات الأمان مثل مبادرة «باريو أدنترو» الصحية للفقراء وبرنامج محو الأمية «ميسيون روبنسون» وبدء مشاريع البنية التحتية الضخمة ومواصلة دعم البنزين ليكون الأرخص فى العالم.
وفى الوقت نفسه، استثمرت الحكومة القليل فى قطاع البترول وأساءت إدارته ولم تفعل سوى القليل للتحضير لإمكانية انخفاض الإيرادات، وصل نيكولاس مادورو إلى السلطة فى عام 2013، بعد وفاة تشافيز البالغ من العمر 58 عاماً بسبب مرض السرطان.
بحلول ذلك الوقت انخفض إنتاج البترول الفنزويلى وبعد عام واحد فقط وبدأت الاسعار فى الانهيار فانهارت شعبيته أيضاً رغم أنه أعيد انتخابه فى عام 2018 فى سباق دون أى مراقبين دوليين مستقلين للانتخابات اتسم بالمقاطعات واتهامات بقمع المعارضة وتزوير الأصوات.
وسواء نجح خوان جوايدو الذى اعلن نفسه رئيسا للبلاد بدعم غربى وامريكى فى إزاحة مادورو الذى يؤيده الجيش عن السلطة أم لا فإن تاريخ البلد المضطرب يشير إلى أن النجاح على المدى الطويل سيتطلب أكثر بكثير من إزالة زعيمه الحالى المحاصر، ويجب على أى قادة فى المستقبل بناء التحالفات والمؤسسات الضرورية لكسر لعنة الموارد وبالتالى تمكين فنزويلا من جذب الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى من ثروتها الطبيعية.
الولايات المتحدة تعيد النظر فى علاقاتها مع دول «أوبك»
ترى منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» أن الطلب على خامها يتراجع أسرع من المتوقع فى عام 2019، حيث يؤدى تباطؤ الاقتصاد العالمى إلى تعتيم الطلب وتزايد الإمدادات المنافسة.
وتوضح الأرقام، التى نشرت فى التقرير الشهرى للمنظمة لماذا تتحدث السعودية وبعض الأعضاء الآخرين عن خفض الإنتاج مرة أخرى، ويمكن للبيانات تعزيز قضيتهم لخفض كبير فى العرض قبل اجتماع حاسم فى فيينا الشهر المقبل.
وقالت أوبك، إن شهية عالمية لخام المجموعة ستكون حوالى 31.5 مليون برميل يومياً فى العام المقبل وهو معدل اقل بنصف مليون برميل يومياً من توقعاتها قبل شهرين فقط وحوالى 1.4 مليون منخفضا عن الإنتاج الحالى، وتظهر توقعات أوبك أن خفض الإنتاج بمقدار 1 مليون برميل يومياً لن يكون كافياً لوقف ارتفاع مخزونات البترول فى عام.
وينظر معظم أعضاء أوبك إلى أسعار البترول المرتفعة باعتبارها نعمة على المدى القصير، ومع ذلك، يمكن لهذه الأسعار المرتفعة ذاتها أن تحفز البلدان المستوردة على الاستثمار فى مصادر بديلة للوقود وهى ديناميكية جارية بالفعل.
وبينما اعترفت منظمة أوبك بالطاقة النظيفة باعتبارها تحدياً محتملاً، إلا أن احتياطيات هائلة من البترول الصخرى فى الولايات المتحدة لم تعزل المستهلكين الأمريكيين تماماً عن تقلبات الأسعار التى تسببها المنظمة.
ولايزال من غير الواضح الأثر الذى ستحدثه طفرة البترول الصخرى على العلاقات الأمريكية مع دول منظمة أوبك، لكن الاعتماد الأقل على واردات البترول من دول منظمة الدول المصدرة للبترول قد يسمح لصانعى السياسة فى الولايات المتحدة بأن يكونوا أكثر حزما معهم فى قضايا مثل حقوق الانسان والديمقراطية وقد ظهرت بوادر ذلك فى المعاملة الصارمة ضد فنزويلا.
من ناحية أخرى، أثارت الأهمية المتزايدة لإنتاج البترول فى الولايات المتحدة بعض المخاوف من أن صناع السياسة هناك يمكن أن يقتربوا من أوبك بشأن سياسة تغير المناخ، حيث أن إدارة ترامب قد تراجعت عن تنظيم الوقود الأحفورى وانسحبت من الالتزامات العالمية للحد من انبعاثات الكربون.
وشجعت القيادة السعودية انسحاب إدارة ترامب من اتفاق عام 2015 بشأن البرنامج النووى الإيرانى وإعادة فرض العقوبات على البترول الإيرانى، وسيكون التحدى الرئيسى أمام كتلة الدول المصدرة هو الحفاظ على الإمدادات ثابتة والهدوء فى الأسواق مع انكماش صادرات البترول الإيرانية. وقد ترافقت العقوبات مع زيادة الإحباط داخل إدارة ترامب ، التى أرادت حلفاء مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للحفاظ على العرض العالى للسماح للولايات المتحدة بمعاقبة طهران دون إزعاج أسعار البترول، وبدلاً من ذلك، خفضت منظمة أوبك إنتاج البترول منذ ديسمبر 2018.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا