أثيرت تساؤلات عديدة حول الخطوات التى يمكن لصانعى السياسة اتخاذها لتسريع النمو الاقتصادى وتحقيق انتعاش مستدام، خصوصا بعد إصدار صندوق النقد الدولى أحدث تقاريره عن آفاق النمو الاقتصادى العالمى، بعنوان «تباطؤ النمو والانتعاش الهش».
وفى الولايات المتحدة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولى تباطؤ الاقتصاد من %2.9 المسجلة فى العام الماضى إلى %1.6 فى عام 2024، دعا البنك الاحتياطى الفيدرالى بالفعل إلى وضع حد لدورة ارتفاع أسعار الفائدة التى دامت لعامين.
أما فى منطقة اليورو، التى يُتوقع تباطؤ نموها الاقتصادى من %1.8 فى العام الماضى إلى %1.4 فى عام 2024، كانت معدلات الفائدة الأسمية ثابتة عند أو دون الصفر خلال الـ3 أعوام الماضية.
ويبدو نطاق التحفيز المالى ضيقاً تماماً، إذ تواجه الولايات المتحدة عجزا فى موازنتها بقيمة 1 تريليون دولار هذا العام، أى ما يعادل %4.5 من الناتج المحلى الإجمالى، كما تبدو الحكومات اﻷوروبية وكأنها مترددة تماماً فى تخفيف قيود الموازنة، مما يجعل العديد من المستثمرين يتطلعون إلى الأسواق الناشئة على أمل اتخاذ إجراءات حكومية.
وقال جوناثان ويتلى، الكاتب المختص بشؤون اﻷسواق الناشئة فى مقال لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إن توقعات صندوق النقد الدولى لاقتصادات اﻷسواق الناشئة أقل تشاؤماً.
ففى الوقت الذى تشير فيه إلى تباطؤ النمو من %4.5 العام الماضى إلى %4.4 فى عام 2019، تشير أيضاً إلى انتعاش النمو إلى %4.9 بحلول عام 2024.
ومع ذلك، تعد الآفاق الاقتصادية بالغة التنوع، وكذلك خيارات الاستجابة السياسية، ففى الصين، أكبر محركات النمو الاقتصادى بالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة الأخرى، يتوقع صندوق النقد الدولى تباطؤ النمو الاقتصادى من %6.6 العام الماضى إلى %5.5 فى 2024.
وأقدم صانعو السياسة فى بكين، على تخفيف القيود المفروضة على الائتمان، فقد كانت أولوية الحكومة تتمثل فى ضرورة السيطرة على تصاعد الديون، وهى خطوة لاقت حماساً وقبولاً كبيراً من العديد من المستثمرين.
وقال كبير مديرى محفظة الديون الخاصة بالأسواق الناشئة لدى المجموعة المالية «هيرميس»، ناتشو تشوكالينجام، : «الأفراد يركزون بشدة على ذلك»، موضحاً أن أحد الأشياء التى أخذها الأفراد بعين الاعتبار هو تدعيم الحكومة للاستقرار الاقتصادى.
وتعد الهند محور اهتمام آخر، فهى ستتجاوز الصين قريبا فيما يخص الكثافة السكانية، كما أنها الاقتصاد الناشئ الأسرع نموا، حيث يتوقع صندوق النقد الدولى تسارع نمو اقتصاد الهند من %7.1 فى العام الماضى إلى %7.7 فى عام 2024.
ومع ذلك، ساعد تغيير محافظ البنك المركزى الهندى، فى تحويل السياسة النقدية المتشددة إلى سياسة أقل عدوانية، وتعجب الكثيرون بعد تخفيض البنك المركزى الهندى لأسعار الفائدة مرتين على مدار العام الجارى، وتمتلك قليل من الدول الأخرى حرية تصرف مشابهة.
فبالنسبة إلى تركيا، كما تقول كبيرة خبراء الاقتصاد ماجدالينا بولان- ستكون الاستجابة السياسية المثلى لتهاوى اقتصاد البلاد نحو الركود هى غمرها بالمال، ويفضل أن يتم ذلك من خلال صندوق النقد الدولى، ولكن هذا الخيار غير متاح فى الوقت الراهن على الأقل.
وأشارت بولان إلى أن تركيا اعتادت على المرور بركود اقتصادى على شكل «V» ، أى المعاناة من فترة تدهور اقتصادى حاد يليه انتعاش حاد وهكذا، ولكن فى ظل بقاء الخيارات السياسية كما هى، لا توجد أى فرصة لتحقيق انتعاش سريع.
وتوجد قيود مماثلة فى المكسيك ولكن بطريقة أقل دراماتيكية، فقد أطلق الرئيس المكسيكى المنتخب حديثاً أندريس مانويل لوبيس أوبرادور مشروعات عامة طموحة رغم تعرض التصنيفات الائتمانية للبلاد- ذات الدرجة الاستثمارية- للخطر بسبب الإنفاق الزائد.
ولكن يبدو أن لوبيس أوبرادور تراجع إلى حد ما عن خططه فى ظل تعرضه لضغوطات عديدة من الوزراء والأسواق، رغم انتظار العديد من المستثمرين معرفة الاتجاه الذى سيتخذه.
وأبدى جون بول سميث، من شركة «إيكستارت» المتخصصة بالاستشارات النفطية والاستثمارية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سخريته من فكرة أن الأسواق الناشئة قادرة على فتح الصنابير المالية أو النقدية.
وأوضح سميث أن روسيا هى الدولة الوحيدة التى يمكن تنفيذ الحوافز الاقتصادية فيها بنجاح. ولكن الحكومة هناك تتحرك فى الاتجاه المعاكس، فهم يعانون من مشكلة ضخمة فى المعاشات التقاعدية، كما أن الرئيس فلاديمير بوتين مجرد نكره إذا لم يكن شخصاً استراتيجياً.
وفى الواقع، يرى سميث أن التزامات المعاشات التقاعدية موضوعاً مشتركاً يقيد صناع السياسة فى الأسواق الناشئ، وأعرب عن قلقه بشأن دور المؤسسات شبه الحكومية والحكومية، وحقيقة أن العديد من الحكومات تستخدم قطاعاتها المصرفية الحكومية لإجراء تمويلات غير مدرجة ضمن موازنة الدولة.
ففى الصين، على سبيل المثال، يتم استخدام مبالغ غير محددة من المال لإنقاذ الشركات والحكومات المحلية بشكل غير رسمى لتجنب التخلف عن السداد، ومع ذلك، فى الوقت الذى يتسم فيه الاتجاه الذى سلكته اﻷسواق الناشئة بالوضوح على مدى الـ20 عاماً الماضية، حتى وإن كان غير متكافئ فى بعض الأحيان، إلا أنه من غير الواضح بشكل كبير اليوم، سير صانعى السياسة فى الأسواق الناشئة على الطريق نحو مزيد من الإصلاح.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا