يبدو أن تصاعد التوترات التجارية وركود التصنيع العالمى سيستمران فى التأثير سلباً على نمو الأسواق الناشئة، حتى مع تحول البنوك المركزية العالمية بشكل أكبر نحو سياسات أكثر حذراً.
وأفاد كل من المدير بمؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتمانى روبرت سيير، وكبير الاقتصاديين لدى «فيتش» براين كولتون، فى مقال بصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، بأن تأثير تحول السياسات النقدية العالمية القوى على النواتج الاقتصادية للأسواق الناشئة كان واحداً من الدروس الرئيسية المستفادة فى عام 2018.
وأوضح الكاتبان، أن رفع أسعار الفائدة اﻷمريكية وخفض الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطى الفيدرالى بقيمة 340 مليار دولار، والتخلص التدريجى من برنامج شراء الأصول التابع لسياسات البنك المركزى الأوروبى، ساهمت جميعها فى إحداث تغيير كبير فى السياسة النقدية العالمية.
وفى الوقت نفسه، ارتفعت قيمة الدولار اﻷمريكى نتيجة الظروف النقدية الأكثر تشدداً فى الولايات المتحدة.
وفرضت هذه التغييرات ضغوطاً شديدة على عملات الأسواق الناشئة الصيف الماضى، خصوصاً فى الدول التى تعانى اختلالات كبيرة فى الاقتصاد الكلى ولديها احتياجات تمويل خارجى كبيرة، وفى بعض اﻷحيان، تتبنى سياسات نقدية محلية فضفاضة على نحو غير لائق.
بالإضافة إلى ذلك، لا تدل السياسة النقدية المتشددة فى الولايات المتحدة على تدفق رؤوس اﻷموال من الأسواق الناشئة فقط، بل أيضاً زيادة فى تكلفة خدمة الديون المقومة بالدولار، والتى ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وسط ضعف العملات.
وأوضح الكاتبان، أن معايير الإقراض المصرفى المتشددة، والتباطؤ الحاد فى نمو الائتمان الدولارى الممنوح لمقترضى اﻷسواق الناشئة، تسببا فى تفاقم السياسات النقدية المتشددة فى الأسواق الناشئة.
وأظهرت بيانات بنك التسويات الدولية، نمو إجمالى الائتمان المقوم بالدولار الأمريكى الممنوح لمقترضى الأسواق الناشئة بمعدل سنوى يقدر بـ%8.3 الربع الأول من عام 2018، فى حين أنه نما بنسبة %2.2 فقط فى الربع الرابع من العام نفسه.
ومن المحتمل أن يحدث هذا التباطؤ فى الائتمان الدولارى، تأثيراً كبيراً خصوصاً على تمويل التجارة، إذ يلعب هذا الائتمان المقدم للشركات العاملة فى الأسواق الناشئة، المشاركة فى سلاسل القيمة العالمية دوراً مهماً. كما أن تداعيات تقلبات العملة وشروط الائتمان اﻷكثر تشدداً أحدثتا انخفاضاً حاداً فى واردات الأسواق الناشئة مصحوباً بضعف فى الطلب المحلى فى الأسواق الناشئة.
ومن هذا المنطلق، يجب أن يبعث التأرجح الذى شهدته توقعات السياسة النقدية العالمية لهذا العام إشارات صعودية بشأن نمو الأسواق الناشئة على مدى الـ12 شهراً القادمة.
ويجب أن تقوم شروط السيولة الدولارية اﻷسهل وتخفيف البنوك المركزية للأسواق الناشئة للسياسات النقدية، بعد أحداث العام الماضى، بدفع معايير الإقراض المصرفى الأسهل وانتعاش تدفقات رأس المال وزيادة الائتمان الدولارى.
ولكن فشلت الأسواق الناشئة حتى الآن فى تحقيق أى تحسن فى آفاق نموها الاقتصادى، إذ سجل الناتج المحلى الإجمالى الخاص بالربع اﻷول من 2019 نمواً سلبياً بشكل مفاجئ فى البرازيل وروسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا والهند.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال تدفقات البيانات الاقتصادية الأحدث ضعيفة، كما تشير التوقعات الاقتصادية العالمية الأخيرة إلى انخفاض توقعات النمو الاقتصادى لكل تلك الدول.
وسلط سييرا وكولتون، الضوء على أحد العوامل التى تساعد على تفسير هذا الانخفاض الواضح، وهو الركود المستمر فى التصنيع العالمى عقب تباطؤ اقتصاد الصين وركود مبيعات السيارات العالمية وتدهور آفاق الاستثمار فى اﻷعمال التجارية، فالنمو فى الأسواق الناشئة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدورة التصنيع بشكل أكثر من النمو فى الاقتصادات المتقدمة، إذ يستحوذ قطاع الخدمات عادة على حصة أكبر من القيمة المضافة.
وهناك عامل آخر يتمثل فى ارتفاع حالة عدم اليقين المحيطة بتوقعات السياسة التجارية، فانهيار المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وإمكانية فرض تعريفات أمريكية جديدة على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبى واليابان واحتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بدون صفقة لا تثبط الشركات عن النفقات الرأسمالية فقط، بل أيضاً تعزز فكرة العزوف عن المخاطرة فى أسواق المال.
وفى ظل وجود كثير من القيود المحلية على النمو فى الأسواق الناشئة الكبرى، بما فى ذلك مشاكل قطاع الطاقة فى المكسيك وجنوب أفريقيا، والتحديات التى تواجه الانتعاش الاستثمارى فى البرازيل، فإن أفضل ما يمكن توقعه من السياسة النقدية العالمية فى هذه البيئة هو إمكانية تخفيف الصدمات.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا