مقالات

جائحة كوفيد-19 ودروس المرونة المالية

بقلم:  دورين ريمن مدير مالي في معهد المحاسبين الإداريين

 

نشرت منظمة الأمم المتحدة توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي العالمي في عام 2021 في مطلع الشهر الماضي، تزامناً مع توجه الحكومات إلى توسيع نطاق برامج التطعيم ضد كوفيد-19 والإبقاء على إجراءات التحفيز المالي والنقدي بعد أن تسببت هذه الجائحة بفقدان أكثر من ربع مليار وظيفة. ورجح التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” نمو الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 4.7% في أعقاب انكماش يقدر بنسبة 4.3% خلال عام 2020. وبدورها، تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى فقدان 255 مليون وظيفة حول العالم بسبب الجائحة.

وقد تحملت الشركات بمختلف أحجامها الحصة الأكبر من أعباء الجائحة، ويستمر هذا الحال أيضاً في بلدان ضمن منطقة الشرق الأوسط والهند وأجزاء كبيرة من إفريقيا والتي تشهد ارتفاعاً متزايداً في أعداد الإصابات حتى تاريخه.  وتأثرت الشركات على صعيدي العرض والطلب من الاقتصاد، لتدخل بذلك في حلقة مفرغة. فعلى صعيد العرض، ساهمت إجراءات الحجر الصحي في تقليص موارد القوى العاملة المتاحة للشركات، كما تعطلت سلسلة التوريد حيث تسببت بحدوث نقص في المواد الخام والقطع والسلع المطلوبة للإنتاج. أما على صعيد الطلب، فقد تسبب انخفاض الانفاق الاستهلاكي في انخفاض إيرادات الشركات بصورة مفاجئة وشديدة، الأمر الذي أعاق قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية أو تأمين خطوط ائتمان جديدة للحفاظ على مستويات السيولة.

ومن ناحية أخرى، ساهم انتشار الجائحة في تعزيز التركيز على المرونة المالية، لتؤكد بذلك أهمية المرونة المالية  كركن أساسي للحفاظ على الاستقرار التجاري والتشغيلي، الأمر الذي يتطلب انتقال الشركات بمختلف أحجامها من أطر العمل المالية الحالية إلى بيئة أكثر تقلباً يكتسب فيها الحصول إلى التمويل والسيولة أهمية قصوى، وتستدعي اتخاذ القرارات الحرجة للتدفق النقدي وإدارة المخاطر على أساس يومي.

وعلاوةً على ذلك، تزامن اندلاع الجائحة بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 وموجات الانتشار الجديدة في عام 2021 مع توقيت إصدار التقارير المالية الخارجية السنوية، الأمر الذي دفع الجهات المؤسسية والمستخدمين الخارجيين لتسليط الضوء على العمليات التي تقدم المعلومات المحاسبية. أضف إلى ذلك أن الظروف الحالية تسهم أيضاً بتوجيه اهتمام متجدد نحو تخصيص الميزانيات للحلول القائمة على التكنولوجيا، حيث ستبقى أنشطة التعاون الافتراضي بمثابة واقع جديد بعد زوال الجائحة. وفي الوقت نفسه، يستخدم العديد من فرق إعداد التقارير المالية تقنيات قديمة تحد من مرونتها في الاستجابة للوائح التنظيمية والمعايير والظروف الاقتصادية المتغيرة باستمرار، ما قد يكون مرهقاً بشكل خاص للجهات العالمية التي يتعين عليها تقديم التقارير بما ينسجم مع متطلبات مجموعة متعددة من السلطات القضائية. وتعمل الشركات حالياً على إعادة تقييم الحلول القائمة على التكنولوجيا لدعم الخبرة المهنية.

ويمكن لتطبيق العمليات الصحيحة والمناسبة أن يساعد فرق إعداد التقارير المالية على تحقيق أهداف الأقسام الإدارية وتوفير قدر أكبر من المرونة التشغيلية. فمثلاً، تتطلب مساحات ومسارات العمل الافتراضية الجديدة وجود بيانات وأنظمة سحابية لتوفير مستويات أعلى من الدعم للعملاء والموظفين. وسواء كانت الجائحة قد كشفت عن حاجة المؤسسات لاعتماد التقنيات الجديدة، أو ساهمت في تسريع وتيرة هذه الحاجة، يكمن الجواب المؤكد في أن الجائحة كشفت عن عدة تحديات تواجه عملية إعداد التقارير المالية ويمكن معالجتها بالاعتماد على الحلول التقنية. ويمكن تصنيفها ضمن ثلاثة مجالات:

  • معالجة المعلومات التي تعتمد، على الأقل بصورة جزئية، على التوقعات والظروف المستقبلية
  • تطبيق الضوابط وإجراءات الرقابة الداخلية
  • توثيق مجالات المراجعات والتقديرات الإدارية

 

تقدير الظروف المستقبلية

تستند الميزانية العمومية أو بيان الوضع المالي، في جانب منه إلى التوقعات المستقبلية مثل إمكانية تحصيل الذمم المستحقة والقيمة السوقية للأوراق المالية الاستثمارية وقيمة إعادة البيع للمخزون، كما أن التقييمات الاستشرافية تؤثر على التغييرات التي تطرأ على توقعات الأرباح.

وتمثل جائحة كوفيد-19 حقبة جديدة من الظروف غير المسبوقة وسريعة التغير، تتطلب مواجهتها برمجيات قادرة على جمع البيانات من مصادر جديدة وإعداد أنواع مبتكرة وغير مسبوقة من التحليلات. وباختصار، تحتاج فرق إعداد التقارير إلى إعادة النظر في جميع الافتراضات وعمليات جداول البيانات المستخدمة منذ زمن طويل.

 

أنظمة الرقابة والإشراف الداخلي

في ظل تسبب ظروف الجائحة بتسريع اعتماد فرق المحاسبة على نظم التعاون الافتراضي، تركزت موجات جديدة من الاهتمام على مسألة تخطيط وتطبيق الضوابط على عملية إعداد التقارير المالية. وبالرغم من امتلاك أنظمة التعاملات القوية لمجموعة من ميزات الرقابة الذاتية، تفتقر العمليات المتعلقة بالخطوات الأخيرة – جمع البيانات من تدفقات وجداول البيانات المختلفة – إلى وجود ذات المستوى من أنظمة الرقابة الذاتية الأصلية. ويمكن للمنصات القائمة على السحابة أن تساعد الفرق العاملة عن بعد في تصميم مسار عمل خاضع للرقابة وتعيين جهة الإشراف ورصد هذه الخطوات الأخيرة من أجل تقديم تقارير خارجية بصورة أكثر فعالية.

 

توثيق مجالات المراجعات والتقديرات الإدارية

تواصل الفرق مزاولة مهامها عن بعد في الوقت الراهن، إلا أن الإجراءات التحليلية والوثائق الداعمة لتنفيذها ليس بوسعها   الاعتماد على رسائل البريد الإلكتروني والبيانات المخزنة ضمن ملفات أجهزة الحاسوب الخاصة بالأفراد. ويمكن للحلول المناسبة أن تتيح وصولاً أسرع إلى البيانات الدقيقة والتحليلات الموثقة التي يتم إجراؤها في الوقت المناسب والتحكم بعمليات التقييم المعقدة. فمن شأن الاستثمار في الحلول التقنية عالية الأمان والكفاءة في توثيق الامتثال أن يسهم في دعم صناعة القرارات الحساسة، إضافة إلى تسهيل إصدار المعلومات المالية للجهات التنظيمية والسوق.

وبالاستفادة من التقنيات المتقدمة، يمكن لفرق المحاسبة وإعداد التقارير أن تتعاون لإعداد التقارير المالية المتداخلة والتقارير الإدارية والمالية والملفات التنظيمية وأنشطة المخاطر المؤسسية، كما أن التعاون في تقييم الاحتياجات وتحديد الأولويات المتعلقة بالبيانات والعمليات من شأنه المساهمة في تحسين تعاملنا مع الظروف سريعة التغير التي ستواصل الظهور حتى بعد انقضاء الجائحة. وبدلاً من الانشغال بالمهام البسيطة مثل جمع البيانات، يمكن للحلول التقنية أن تتيح لخبراء إعداد التقارير المالية توجيه تركيزهم وخبراتهم للتعامل مع الأزمات والحالات التي تتطلب ذلك، وإجراء التحليلات المعمقة لدعم اتخاذ القرارات المدروسة ومواكبة التقلبات. وخلاصة القول، يمكن للمجموعة المناسبة والمتوازنة من الأدوات أن تسهم بدور محوري ملموس في دعم وتعزيز المرونة المالية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية