الألمان أكثر ثراءً لكن البلاد فشلت فى الاستعداد لمستقبل رقمى أكثر إخضراراً
على مدى 16 عاماً من عملها مستشارة ألمانية، شهدت انجيلا ميركل أربعة رؤساء أمريكيين وفرنسيين، وخمسة رؤساء وزراء بريطانيين، وتسعة رؤساء وزراء إيطاليين ويابانيين.
وأحياناً ما توصف بأنها أقوى امرأة فى العالم، وقد ترأست، أيضاً، نهضة اقتصادية وطنية، إذ انتقلت ألمانيا من كونها «رجل أوروبا المريض» إلى قوة اقتصادية منذ عام 2005. ولعل أبرز ما فى الأمر هو أنَّ ميركل، التى تتمتع بشعبية بنسبة %80، أشرفت على فرص عمل موسعة بشكل كبير للنساء وكبار السن، وكل ذلك أثناء استقبالها لأكثر من مليون لاجئ، وفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ومع ذلك، فإنَّ الإرث الذى تركته ميركل فى ألمانيا بعد الانتخابات الفيدرالية الألمانية فى سبتمبر الجارى مختلط، فأحد الانتقادات الشائعة تفيد بأن فترات عملها الثلاث كمستشارة افتقرت إلى الرؤية، وتركت ألمانيا غير مستعدة لعالم أكثر اخضراراً ورقمنة، رغم إثباتها أنها مديرة ماهرة للأزمات.
معجزة اقتصادية
منذ عام 2005، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الألمانى بوتيرة ضعف وتيرة المملكة المتحدة، وكندا، واليابان، وفرنسا، وفى الوقت الراهن، يستطيع الألمان الاستمتاع بما يطلق عليه كارستن برزيسكى، الرئيس العالمى لأبحاث الماكرو فى «آى إن جى جروب»، اسم «فيرتشافت فاندر» أو المعجزة الاقتصادية.
ومع اقتراب معدلات البطالة من أدنى مستوى لها منذ عقدين من الزمن، يقول ما يقرب من 70% من الألمان إنهم سعداء بوضعهم الاقتصادى.
ومع ذلك، هذا النجاح لم يأتِ كله بفضل ميركل، حيث قال نيفيل هيل، كبير الاقتصاديين الأوروبيين فى بنك «كريدى سويس»، إنَّ الكثير من العمل الأساسى تم فى ظل الإصلاحات التى وضعها سلفها جيرهارد شرودر.
وأضاف كريستيان أودندال، كبير الاقتصاديين فى مركز الإصلاح الأوروبى، أنَّ المعجزة الاقتصادية الثانية لألمانيا حدثت «دون أن تفعل حكومة ميركل ذلك.. دون أن تفعل أى شىء».
وعلاوة على ذلك، فإنَّ التصنيع الألمانى، الذى يمثل الآن %40 من إجمالى إنتاج منطقة اليورو، قد تأثر بصعود الصين؛ حيث أصبحت ألمانيا تعتمد اليوم على الصين كسوق تصدير مرتفع بشكل فريد فى منطقة اليورو.
ومع ذلك، لم تقف ميركل مكتوفة الأيدى مع ازدياد ثراء ألمانيا، فقد ساعدت استجابتها للأزمة المالية العالمية من خلال بعض التدابير فى حماية الاقتصاد، كما فعل قرارها بتحويل مليارات اليورو إلى برنامجها «العمل لوقت قصير»، وهو نظام حكومى للتأمين ضد البطالة، وكان نجاح ألمانيا فى خلق فرص العمل إحدى النتائج المترتبة على هذا الأمر.
المزيد من الوظائف
يمكن القول إنَّ أكبر إنجازات حقبة ميركل كان المعدل الاستثنائى لخلق فرص العمل، خاصة بالنسبة للنساء.
وعن ذلك، قال أوليفر راكاو، كبير الاقتصاديين الألمان فى شركة الاستشارات «أكسفورد إيكونوميكس»، إنَّ ألمانيا لديها اليوم أعلى معدل لمشاركة النساء فى القوى العاملة بين جميع دول مجموعة السبع، وذلك فى ظل تحسين مستوى رعاية الأطفال. وبشكل ملحوظ، ارتفعت العمالة بين المهاجرين، فقد تطلب الأمر شجاعة من ميركل للالتزام بسياستها لعام 2015 التى جلبت ثم دمجت أكثر من مليون لاجئ فروا من الحرب فى سوريا وأفغانستان والعراق، فهى قالت ذات مرة «يمكننا فعل ذلك»، ثم فعلته بالفعل.
ومع ذلك، فإن الشىء نفسه لا ينطبق على جودة العمالة، فلا تزال نسبة مرتفعة من العمال تشغل وظائف منخفضة الدخل، مع تحسن طفيف على مدى العقدين الماضيين.
كذلك، يظل العديد من وظائف النساء أيضاً بدوام جزئى، وهناك شركة واحدة فقط فى مؤشر داكس الألمانى الرائد لديها سيدة تشغل منصب رئيسة تنفيذية.
القليل من الديون.. لكن ليس الكثير من الرؤية أو الاستثمار
رغم الوباء، أصبحت ألمانيا الآن غنية، وتعتبر الحسابات الحكومية جيدة بشكل عام مع مستويات منخفضة نسبياً من الديون، ويرجع الفضل فى ذلك جزئياً إلى قانون الموازنة المتوازنة لعام 2009.
وعلى المنوال نفسه، ومع كل شىء يسير على ما يبدو على ما يرام، قالت كاتارينا أوترمول، كبيرة الاقتصاديين لدى «أليانز»: «لم يتأثر القارب الاقتصادى الألمانى بالرؤية العظيمة».
ورغم النمو والارتفاع فى الوظائف، كان هناك القليل من التحديث، كما أن النقاد أضافوا أن معدلات الاستثمار العام المنخفضة تركت البلاد غير مهيأة للمستقبل.
وتسارع تحول البلاد إلى الطاقة المتجددة بعد حادثة مفاعل فوكوشيما النووى فى اليابان عام 2011 ومع خطة ألمانيا الأخيرة للتخلص التدريجى من الطاقة المولدة من الفحم بحلول عام 2035.
ومع ذلك، لا تزال ألمانيا متخلفة عن أقرانها فى الاتحاد الأوروبى؛ حيث يعتبر انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد الواحد أعلى من متوسطات الاتحاد الأوروبى، ولديها حصة أقل من الطاقة من مصادر متجددة، وانبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون الصادرة عن سيارات الركاب الجديدة أعلى أيضاً.
وينطبق الأمر نفسه على تحول ألمانيا إلى الاقتصاد الرقمى، إذ أدى الافتقار للاستثمار إلى تغلغل منخفض للنطاق العريض عالى السرعة، وفجوة بين المناطق الحضرية والريفية فى سرعات الاتصال واستهلاك بيانات النطاق العريض المتنقل دون المتوسط.
ويقول أودندال، من مركز الإصلاح الأوروبى، إن كل هذه القطاعات «لم تحظ بالاهتمام اللازم»، بينما أضاف برزيسكى، من «آى إن جى»: «ربما كان الافتقار إلى الاستثمار أكبر ضعف فى إرث السياسة الاقتصادية لـ انجيلا ميركل».
وحتى قبل الوباء، كانت ألمانيا بحاجة إلى نحو 450 مليار يورو من الاستثمارات العامة للبدء فى إزالة الكربون وتحسين الاتصالات وتعزيز التعليم والبنية التحتية، وفى الواقع أصبح بين بعض المرشحين الذين يتنافسون الآن لخلافة ميركل من يشيرون إلى الحاجة للاستثمار.
وختاماً، قالت أوتيرمول، من «أليانز»، إنَّ أزمة «كوفيد» سلطت الضوء على عيوب انجيلا ميركل، والتى سيتعين على الحكومة القادمة معالجتها لضمان نجاح التحول الأخضر والرقمى.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا